حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال تكرّرت اتهاماته لوزراء العدالة والتنمية بالسوء، والقذف بالكبائر، والتدخل السافر في حياتهم الشخصية التي لا تمت بصلة لاختياراتهم السياسية، فقد سبق أن اتهم الوزيرة بسيمة الحقاوي بأنها تتماطل في تمرير قانون تجريم التحرش الجنسي لأن زوجها يتحرّش بالطالبات في الجامعة، واتهم رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران بالتخابر مع جهاز الموساد الإسرائيلي وربط علاقة مع التنظيم الإرهابي "داعش"، وقبل ذلك اتهم الحزب الذي يقود الحكومة بأنه فرع للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين بعد سقوط حكم الإخوان في مصر وانقلاب العسكر على الشرعية الانتخابية هناك. واليوم يوجه مدفعيته لوزيرين في الحكومة ينتميان للعدالة والتنمية، ويتهمهما بعلاقة غامضة أدّت إلى تطليق الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي من زوجها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ليس منّا من خبّب امرأة على زوجها) أي أفسد قلبها، والحديث صححه الألباني، وذكره الإمام الذهبي في الكبائر؛ أي أن شباط يرمي الناس بالكبائر؛ وبالأمس لما اختلف مع نزار بركة، وكان آنذاك وزيرا من وزراء الاستقلال في الحكومة، اتهمه بأنه تارك للصلاة.. وإذا كان شباط مهتما بإقامة الصلاة، حتى أنه يروج لصور وفيديوهات تثبت أنه مقيم لها، فلا شك أنه قرأ يوما قوله تعالى :(إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المومنات لعنوا في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم) واللعنة هي الطرد من رحمة الله، و قرأ قوله تعالى : (والذين يوذون المومنين والمومنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا). لاشك أن السيد شباط تصفح يوما كتاب مؤسس حزب الاستقلال العلامة علال الفاسي: "دفاع عن الشريعة"؛ هذه الشريعة التي تشترط أربعة شهود في مسألة القذف، وأن الذي لم يأت بهؤلاء الشهود يقام عليه الحد ثمانون جلدة؛ قال تعالى : (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون). قال الحافظ ابن كثير عند تأويلها: (هذه الآية الكريمة فيها بيان جلد القاذف للمحصنة وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلاً فكذلك يجلد قاذفه أيضاً، وليس فيه نزاع بين العلماء..فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها أن يجلد ثمانين جلدة، الثاني أن ترد شهادته أبداً، الثالث أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند اللّه ولا عند الناس..) فهل يرضى قادة حزب الاستقلال ومناضلوه أن يكون على رأس حزبهم رجل فاسق لا تقبل له شهادة أبدا؟ أنا أخاطبهم من مرجعية حزبهم التي يعتزون بها، وسبقونا في الدفاع عنها، أما الذين يبيحون الكذب والقذف وكل شيء في السياسة، فهؤلاء معهم حديث آخر. منذ ثلاثة أشهر فقط سألت أحد مناضلي حزب الاستقلال القدامى، والذي انسحب من الحزب بسبب تصرفات شباط وخرجاته المجنونة، سألته عن سر سكوتهم عن هذا المجنون، وعدم محاسبته عن الأخطاء الخطيرة التي ألبسها للحزب، ومن أعظمها انسحاب الحزب من حكومة تبين فيما بعد أنها صادقة في توجهاتها بإرادة قوية من أجل فتح أوراش ضخمة كانت معلقة منذ عقود، وأن شعبيتها في اطراد؛ قلت له ليس الحل في انسحابكم والالتحاق بأحزاب أخرى، بل بقاؤكم ونضالكم من داخل الحزب ومحاسبة المسؤولين وإسقاطهم إن اقتضى الحال، هو المسلك الصحيح، فحزب الاستقلال ليس ضيعة لشباط أو غيره يتصرّف فيه على هواه؛ فكان جواب المناضل الاستقلالي مفاجئا وغير منتظر، إذ قال لي : (شباط يحتفظ بملفات فساد لمعظم قادة الحزب، ويهددهم بها، لذا يلزم معظمهم الصمت..) أو قريب من هذا الكلام؛ والله شهيد على ما أقول، فنحن لا نستحل الكذب في السياسة ولا غيرها لأن الكذب من أعظم الكبائر، خصوصا إذا كان على الشعب والجماهير التي تضع ثقتها فيك. ثم هؤلاء الذين كذبوا على الشعب منذ عقود، ويحسبون أنهم الساسة المحنّكون، وأن الصادقون في السياسة مغفلون، لماذا لفظهم الشعب؟ فلا يحرزون مواقعهم إلا بشق الأنفس أو بالتزوير..لماذا لم يدرسوا التاريخ القريب والبعيد؟ يوم كانوا يواجهون الدولة العميقة ويصبرون على زوّار الليل والاعتقال والسجون والتشريد، كانت أسهمهم مرتفعة لدى الشعب، واليوم بعد أن أصبح عدد منهم جزءا من الدولة العميقة لفظهم الناس وكرهوا انبعاثهم. يريد شباط وهو التلميذ الكسول أن يشتغل بأدوات وأساليب الدولة العميقة، وهو لا يملك إمكانياتها الضخمة وتجاربها المتعددة، إلا ما يجود به عليه بعض الكذبة المحيطين به مما لا يسمن ولا يغني من جوع. وأنا أذكره ببعض تلك الأساليب التي ذكرها التاريخ، وهو يعرفها لأنها حبكت من أجل إسقاط قادة كبار كانوا من مؤسسي حزب الاستقلال.. يقول العميد أحمد البخاري في مذكراته، وكان عميلا سابقا للكاب 1 مقر المخابرات السرية المغربية منذ الاستقلال: (اتخذت إدارة "مكافحة الشغب" التابعة ل "الكاب1′′ جميع الوسائل اللازمة لمراقبة كل ما يجري في المنطقة المحيطة بمنزل المهدي بنبركة، وفي مطار الرباطسلا والمنطقة المحيطة به، ولذلك تم فتح مكتب خاص بعناصر شرطة العمليات الخاصة، يسمح لهم بالقيام بمهامهم في ظروف جيدة، لتصوير ما يجري وتسجيله، كما تم نصب أجهزة تنصت داخل بيت بن بركة، وتم ربط هاتف البيت بجهاز تنصت، ونفس الأمر حصل مع الخطوط الهاتفية لمكاتب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبيوت قياديي الحزب في الرباط والدار البيضاء وفاس ووجدة ومراكش وأكادير وآسفي، وباتخاذه لكل هذه التدابير أصبح "الكاب1′′ واثقاً من أنه قد وضع كل شيء تحت المراقبة المستمرة طيلة الليل والنهار: بن بركة وأسرته وأصدقاؤه وزواره وعلاقاته..) كان هذا في مطلع الستينيات، يوم كانت تكنولوجيا الاتصال متخلفة، فهل يملك شباط هذه الإمكانيات الهائلة من أجل تتبع عورات السياسيين؟ ولماذا يسعى لتنصيب نفسه مكان المخابرات، وهو زعيم حزب سياسي؟ ألا يكفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَخْلُصِ الإِيمَانُ إِلَى قلبِهِ لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَوَرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ)؟ ألا يعلم شباط أن هذه السلوكات دخيلة على ثقافتنا السياسية، وأننا ورثناها عن الاستعمار الغربي؟ يقول عميد المخابرات أحمد البخاري الذي كان مقربا من أفقير والعشعاشي : (في يوليو 1960 تم تعيين العقيد محمد أوفقير مديراً عاماً للأمن الوطني خلفاً لمحمد الغزاوي الذي أقيل من منصبه؛ كان أوفقير قد خدم في الجيش الفرنسي وعمل في مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس الفرنسية، وبعد عودة الملك محمد الخامس من منفاه عام 1955 تم تسريبه ليكون واحداً من محيط القصر، وقد اشتغل طويلاً لفائدة الموساد الإسرائيلي. كان تعيين أوفقير في ذلك المنصب راجعاً إلى التأثير القوي الذي كانت تمارسه ثلاث مصالح أجنبية في المغرب: الموساد، وجهاز الاستخبارات الأمريكية، ومصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس الفرنسية، وكانت كلها قريبة من الملك لدواعي تتعلق بأمن القصر وأمن البلاد، وقد لعبت النصائح الإسرائيلية دوراً في إقناع الملك ليطلب من جهاز الاستخبارات الأمريكية إرسال ثلاثة خبراء أمريكيين لكي يعيدوا تنظيم وهيكلة المخابرات المغربية والإشراف عليها لمدة غير محددة لضمان أمن النظام والبلاد..) لكن تبيّن فيما بعد أن أوفقير بقي مخلصا للجهات الخارجية متربصا بالنظام الملكي، ولولا يقظة الحسن الثاني رحمه الله الذي شكا في مذكراته من تسريب هذا الشيطان لمحيط القصر، قلت لولا حنكة هذا الملك وذكائه السياسي، بعد لطف الله، لكنا نعيش في المغرب تحث رحمة الأنظمة العسكرية التي أذاقت شعوب المنطقة الويلات، وباعت خيراتها للأعداء. ويبقى السؤال : لمصلحة من يشتغل شباط ومن وراءه وكيف جيء به لقيادة الاستقلال؟ وهل يخضع هو نفسه لضغوط معينة؟ خصوصا أن ملفات الفساد التي تطوق عنقه وأبناؤه تجعله طيّعا في أيدي الجهات التي تتحكم في مساره السياسي. أما نحن فنلتزم الوضوح مع الشعب والملك، نخلص لهما طاعة لربنا الذي أمرنا ألا ننازع الأمر أهله.