أوردت اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير أن عدم احترام الراجلين للممرات الخاصة بهم أثناء عبور الطريق يتسبب في مقتل أزيد من 1110 سنويا ، وأضافت اللجنة في بلاغ لها أن العدد يمثل نسبة 27% من العدد الاجمالي للقتلى، وأزيد من مائتي ألف جريح أي نسبة 20% من العدد الاجمالي للمصابين ، كما أن العديد من حوادث السير تقع بفعل السرعة وعدم انتباه السائقين رغم سن العقوبات الزجرية بمدونة السير الصادرة سنة 2010 ، أكيد أنها أرقام مفجعة تثير هواجس المواطن وربما تعددت الاسباب التي تولدت عنها هذه الكارثة المجتمعية الحقيقية ، فمن خلال استقرائنا للوضع الذي نعايشه في معظم مدننا المغربية ، نلاحظ عدم احترام سائقي السيارات للممشى المخصص للراجلين ، كما أن الراجل لا يكترث للحيز الطرقي الخاص به على الارصفة وعبر الممرات ، مما ينتج عنه اتساع الفوضى داخل الحواضر، خصوصا في الأماكن التى تتفشى بها ظاهرة احتلال الأرصفة من طرف المقاهي والمحلات التجارية والباعة المتجولون (الفراشة) ، وهذا ما يطرح أكثر من تساؤل حول تهاون السلطات المحلية الأقرب إلى التواطئ قصد حماية جدية لحقوق المواطنين داخل الفضاء العمومي الذي تحولت شوارعه الى محطات ثابتة لسيارات الاجرة بأنواعها وإلى مواقف لركن السيارات ، فيضطر المشاة للسير وسط الشارع ومن بينهم ذوي الاحتياجات الخاصة والاطفال(أزيد من 400 قتيل هم دون سن الخامسة عشر سنويا اي 10% من النسبة الاجمالية للقتلى) ليرفع من نسبة المخاطرة خصوصا أمام تهور عدد كبير من سائقي المركبات، حيث أكدت إحصاءات رسمية أن 90% من السائقين لا يحترمون علامة "قف" مما يرفع من نسبة القتلى في صفوف الراجلين وأصحاب الدرجات داخل المجال الحضري الى 80% . فمسألة التفاعل الاجتماعي بصفة عامة بما فيها طبيعة تعامل المواطن - السائق أو الراجل – مع محيطه ترتبط بماهو أخلاقي وثقافي وكذلك سلوكي أكثر مما هو ضعف في تنزيل القوانين على المستوى العملي حيث نصت مدونة السير غرامة تصالحية جزافية من الدرجة الرابعة تخص الراجل المخالف لقواعد السيرفي حالة عبور الطريق خارج الممرات المحمية تقدرب 25 درهم ، فرغم وجود هذه النصوص القانونية والزجرية وتحيينها خلال السنوات الاخيرة إلا أنها لا تفعل إجرائيا ، لدى فنزيف ضحايا السير في تزايد مستمر ، مما يؤكد أولوية البعد القيمي و التربوي وهو جهد تراكمي يحتاج الى تظافر كل من الاسرة والمدرسة و الاعلام وكل حساسيات المجتمع المدني ، لتشكيل وعي جمعي يؤطر سلوك الفرد ويصالحه مع محيطه العمومي ، وإذا ما تم تحقيق هذه الغايات سوف يكون ذلك ترسيخ لمبدأ احترام الغير ، ينتج عنه إرتقاء سلوكي يقدر العلاقات البينية ، وهو ما يعزز من تحول نظرة السائق أو الراجل للمحددات القانونية المنظمة للسير من عقوبات زجرية الى آليات حمائية للأنا والآخر، لكن هل مقدرعلينا انتظار عشرات السنين للوصول لطريق تقل فيها المخاطرة و يأمن فيها المواطن؟ لم تستغرق مدينة تطوان لكثير من الوقت في تحسين سلوك السائقين و المشاة باحترامهم علامات التشوير الطرقي لتصبح نموذجا على المستوى الوطني ، مما يجعلها حالة استثنائية فريدة ، تثير لدى زوارها الكثير من الدهشة ، لانضباط الطرفين(السائق و الراجل) خصوصا لممرات الراجلين بفضل عوامل ذاتية لساكنة تطوان ووعيهم بفحوى قانون السير، وكذا عوامل موضوعية كالحزم الأمني في تطبيق القوانين إلى جانب اهتمام السلطة المحلية بتشوير ممرات الراجلين بمسافات متقاربة تتناسب مع حاجيات المارة ، وهي تجربة مشرقة يمكن الاستفادة منها وذلك بتعميمها وطنيا. إن ارتفاع ضحايا حوادث السير مسؤولية مشتركة لجميع مكونات المجتمع، فكل فرد هو مرشح أن يكون ضحية محتملة لهذه الحرب الطرقية مما يستدعي تجاوزالعمل الفئوي والمناسباتي إلى اشتغال تشاركي ودائم وشمولي.