تفضل الأستاذ حسن بويخف، في مقاله المعنون :"فتوى القتال في سوريا .. الفتنة الكبرى"، بانتقاد الفتوى التي أصدرها مؤتمر علماء المسلمين الذي أقيم في مصر قبيل أيام، و الذي حضره أكثر من خمسمائة عالم مسلم مستقل من مختلف دول العالم الإسلامي، و تتلخص الانتقادات الواردة في المقال في كون هذه الفتوى من شأنها أن تتسبب في أكبر حرب طائفية سيشهدها العالم الإسلامي في الزمن المعاصر، و في هذا المقال أحاول توضيح المغالطات التي التي انبنى عليها المقال المعني. أهم هذه المغالطات، هي كون مقاربة الموضوع قد تمت على أساس أننا لسنا بصدد حرب طائفية -أصلا-، فالأستاذ حسن بويخف في مقاله بدى و كأنه لم ينتبه إلى أن الحرب التي يقودها النظام السوري ضد غالبية الشعب السوري، مدعوما بإيران و حزب الله و قوى شيعية عراقية و يمنية و بتغطية سياسية روسية صينية و بموافقة ضمنية أوروبية و أمريكية، هي حرب طائفية أصلا .. و كونها حرب طائفية، لا يستلزم بالضرورة أن يكون كل المناصرين لها شيعة حصرا، أو أن يكون كل الواقعة عليهم الحرب سنة حصرا، و كون بعض مناصري النظام ليسوا شيعة، و كون بعض المضطهدين ليسوا سنة، لا ينفي عن ممارسات النظام طبيعتها الطائفية الطافحة .. و كذلك كون الدافع خلف قمع النظام لمعارضيه ليس طائفيا بالضرورة، فهذا أيضا لا ينفي أنها حرب طائفية، فوجود مكونات غير طائفية لا ينفي حضور المكون الطائفي كمحرك و محفز جوهري. أما ما يؤكد أنها ممارسات ذات طبيعة طائفية حادة، فيمكن اختصاره في مؤشرين مهمين : الأول، كون معظم الأنظمة و الأحزاب التي تناصر النظام السوري في حربه على الشعب السوري، هي أنظمة و أحزاب شيعية : إيران، العراق، حزب الله، الحوثيون. فهل هذا الاستقطاب الواضح مجرد صدفة لا علاقة لها بالطبيعة الطائفية للحرب ؟ حتما لا. الثاني، أن مئات أو آلاف التسجيلات المتوفرة لدينا على النت، تظهر بشكل واضح الخطاب الطائفي العدواني لدى أفراد "الشبيحة" و عدد من رموز الطوائف الشيعية في سوريا و غيرها. و بسبب الشوشرة و التشويش الإعلامي المضلل و المضيع للحقيقة، و الذي جعل كثيرا من الناس يشككون في أي مصدر يأتي على ذكر معطيات تدل على طائفية الجيش النظامي السوري، فلا داع لذكر المعطيات القائلة بكون الأغلبية الساحقة من الجيش النظامي الذي يقود الإجرام في حق الشعب السوري، من الطائفة العلوية الحاكمة. الشاهد إذن، أن الحرب التي يقودها النظام السوري ضد غالبية شعبه، حرب طائفية بامتياز، و إن لم يكن المكون الطائفي هو الدافع الأساسي للحرب، و لكنه سرعان ما طفى على السطح و تم اعتماده كمحرك و محفز و مستقبط أساسي لمعركة اعتبرتها إيران و القوى الشيعية معركة عقدية حاسمة بالنسبة للمشروع الشيعي التمددي. و إذا أضفنا هذا المعطى، تلك الفتاوى الكثيرة التي تناسلت منذ شهور طويلة، و التي حضت على ضرورة الوقوف مع النظام السوري، و صدر مجملها عن جهات شيعية في إيران، و العراق، و حزب الله.. فضلا عن تصريحات صريحة بكون الحرب في سوريا حرب دينية عقدية و التي صدرت عن قياديين إيرانيين و عراقيين، و مؤخرا عن حسن نصر الله، فإنه لا يظل هناك شك في أن المأساة التي يتعرض لها الشعب السوري، محركها الأساسي طائفي محض. فكيف إذن يتخوف الأستاذ حسن بويخف من كون فتوى العلماء الأخيرة في مصر، من شأنها أن تذكي صراعا طائفيا دمويا لا نهاية له ؟ أولم يرَ كيف أنه بالفعل صراع طائفي ؟ و أنها بالفعل مذبحة دموية ؟ و أنها بالفعل مذبحة بلا نهاية !؟ و في نهاية المقال إشارة إلى أن الحل هو الضغط على الدول العربية لأجل تدخل دولي لوقف المذابح ؟! أوَ مازلت يا أستاذ حسن تنتظر تدخلا دوليا؟ بل هل تثق أصلا في رغبة "المجتمع الدولي" في وقف المذبحة السورية ؟! ألم ترَ كيف تدخل الناتو في ليبيا بسرعة البرق ؟ و كيف تدخلت فرنسا في مالي في طرفة عين ؟ و دون ضغط من أحد !! و في المقال تساؤل عن توقيت الفتوى، و لم لم يصدر هؤلاء العلماء فتوى للجهاد في فلسطين التي "تذبح تذبيحا" منذ عقود، أو بورما حيث "يقتل المسلمون تقتيلا ويعذبون ويغتصبون و..."، و هذه تساؤلات تنطوي على مغالطات مزودجة، و من شأنها خلط الأوراق و خدمة الخطاب التخويني الرائج هذه الأيام و الطاعن في استقلالية العلماء هؤلاء و خدمتهم لأجندات قطرية أو أمريكية أو حتى إسرائيلية -يضيف آخرون!-. و يعاب عليك -أستاذ حسن- توصيفك للوضع في فلسطين و بورما باستعمال أربعة ألفاظ و تأكيدها من قبيل "تذبح تذبيحا" و "يقتلون و يعذبون و يغتصبون و ... " بينما وصفت الوضع في سوريا بلفظ "تقتيل" فقط، و الحقيقة أن الجرائم التي ارتكبها النظام الطائفي في سوريا ضد الشعب السوري، أفظع و أشنع و أبشع من أي جرائم تعرض لها أي شعب على وجه البسيطة، فلأول مرة نرى بأم أعيننا مواطنين يدفنون أحياءً، و أطفالا يذبحون بالمئات، و نساءً تغتصبن أمام أبنائهن و أزواجهن و إخوانهن، بل و رجال يغتصبون أمام زوجاتهم، و شباب يعذبون و تقطع أوصالهم إربا إربا حتى الموت، بنفس طائفي حاقد، لم نر في إسرائيل مئات الاطفال يذبحون أو نساءً تغتصبن ؟ لم نر في بورما عشر معشار ما رأينا في سوريا ؟، و بينما قتلت إسرائيل -التي لا ينكر أحد إجرامها و دمويتها- خلال ستين سنة، حوالي الأربعة آلاف فلسطيني، فإن النظام الأسدي المجرم قتل خلال سنتين فقط، حوالي المائتي ألف مواطن سوري بريء. فأي وجه للمقارنة بين بشاعة المأساة السورية و بشاعة المأساة الفلسطينية ؟ فضلا عن الحديث عن بورما ؟ إنني هنا لا أنكر جرائم إسرائيل، لكن علينا أن نعترف، أن بشاعة جرائم النظام الأسدي، جعلت إسرائيل تبدو "لطيفة" و أكثر "إنسانية"، إن الشعب السوري يكاد يواجه كائنات غير بشرية ! هذا من جهة، و من جهة ثانية، فالوضع السياسي في فلسطين مختلف تماما عن الوضع السوري، جملة و تفصيلا، و الفلسطينيون يمتلكون "سلطة" في الضفة و "حكومة" في غزة، تملكان "شرعية" لتمثيل الشعب الفلسطيني، و هناك اتفاقية سلام بين السلطة و إسرائيل، و هدنة بين الحكومة في غزة و إسرائيل. فالوضع إذن مختلف تماما و طبيعة الصراع مختلفة تماما. لهذا فإن مطالبة هؤلاء العلماء بإصدار فتوى للجهاد في فلسطين، بالإضافة إلى استعمال ألفاظ تضخم المأساة الفلسطينية و البورمية و استعمال ألفاظ أقل لتوصيف المأساة السورية بينما يفترض منك العكس، كل هذا، يجعل من توظيف القضية الفلسطينية نوعا من "المماحكمة" و "رفع السقف" بشكل يطعن في وعي هؤلاء العلماء و استقلاليتهم و يخلط الأوراق و يضيع الحقيقة، سواء عن قصد أو غير قصد. و في المقال بث لمخاوف -وجيهة- من تبعات فتوى علماء المسلمين على شباب العرب مستقبلا، غير أن هذه التبعات -المحتملة- في كل الحالات لن تكون أسوأ مما هو حاصل الآن في سوريا، و مما يحتمل أن يحصل إن فشلت لا قدر الله الثورة السورية المجيدة، بسبب تواطؤ المجتمع الدولي و تخاذل الأنظمة العربية و إمعان روسيا و إيران و العراق و حزب الله في التنكيل و التدمير. و في النهاية، إن هذه الفتوى، أقل ما يمكن لهؤلاء العلماء، كفاعلين مدنيين، تقديمه لهذا الشعب السوري المذبح، و إن لم يكن لها أن تنهي هذا الصراع و تنتصر للثورة السورية المجيدة، فعلى الأقل سيكون من شأنها درء مزيد من التذبيح في حق هذا الشعب العظيم و ردع قوى الشر عن ارتكاب مزيد من المجازر، و التي يبدو أنها مقبلة عليها في القادم من الأيام، خصوصا مع انضمام حزب الشيطان اللبناني و قوى عراقية و يمنية شيعية للحرب على الشعب السوري المجيد. لكل هذا -و غيره-، يتضح أن الأستاذ حسن بويخف جانب الصواب في ما تفضل به من انتقاد للفتوى المعنية.