أثبت حزب العدالة والتنمية المغربي مرة أخرى أنه حزب سياسي وطني، قوي ومرن ومُتماسك، بل هو عامل استقرار لا يمكن تجاوزه. ولولا حنكة الأمين العام الأستاذ عبد الإله بنكيران ومرونته، لما استطاع تجاوز الفخ الذي نصبه شباط ومن وراءه ممن يُريدون فرض عزلة سياسية على الحزب واستدراجه إلى ردود أفعال متشنجة، وبالتالي حصر هذا المكون ذي المرجعية الإسلامية في مربع الوعظ في المسجد وإخلاء الساحة للأحزاب التقليدية والدينصورات الانتخابية والأشباح التي تدعمها وتستفيد من الوضع. إن التعديل الحكومي الأخير، مهما رأى فيه بعض أعضاء العدالة والتنمية المُخلصين من تراجع أو نكوص، فهو إنجاز مهم بالنظر إلى الظرفية الحالية التي تُعاكس تعزيز حضور الحركات الإسلامية في المشهد السياسي العربي، وخاصة بعد الانقلاب على الشرعية في مصر والتأييد الصريح لشباط لتلك المجازر والمطالبة برحيل بنكيران بدعوى أنه من تنظيم الإخوان، وتحالف عدة أحزاب للإطاحة بمرشح المصباح في دائرة مولاي يعقوب !! الاستفادة من بعض الأخطاء والهفوات ومراعاة التطورات الإقليمية، كل ذلك في نظري جعل حزب بنكيران يُفوت الفرصة على خصومه و يدحض مزاعم المعارضة ضده، من قبيل بعض الترهات مثل النظرة الدونية للمرأة و التراجع عن مبدأ المناصفة ومحاولة "أخونة" الدولة و الخضوع لحركة التوحيد والإصلاح وتدبير التحالف الحكومي بمنطق حزبي ضيق والاستبداد وعدم إشراك الحلفاء في القرارات الكبرى...ألخ. مرة أخرى، يُعطي وزراء الحزب الدروس في التفاني في خدمة الوطن والانضباط التنظيمي وعدم التمسك بالمناصب الوزارية مهما كلف الثمن، و ها هو سعد الدين العثماني يتنازل عن مقعده للحليف الجديد ليكون ويسلم له السلطات بابتسامته المعهودة و نعته بعبارة "معالي الوزير". وبذلك يكسب قلوب المغاربة و تتقاطر على حائطه بالفايسبوك عبارات الإعجاب والتقدير والاحترام من كل ربوع المملكة. رسالة أخرى يجب أن نلتقطها من هذا التعديل، وتتعلق بضرورة التوافق مع المؤسسة الملكية لإنجاح تجربة الإصلاح، وهي استبدال الوفا بالتقنقراطي والوزير السابق رشيد بلمختار، وفي ذلك استجابة عملية من رئيس الحكومة للنقد الوجيه لجلالة الملك بخصوص هذا القطاع الحساس. رغم أن الوفا كانت له الجرأة لاتخاذ قرارات حاسمة لرد الاعتبار للمدرسة العمومية والضرب على أيدي الغشاشين والمتلاعبين ، كان آخرها إعفاء المسؤول المباشر عن تبذير أموال البرنامج الاستعجالي. إنه الرد العملي من قيادة المصباح على أنه حزب سياسي وطني، يُنصت لنبض الشارع ويستجيب للانتقادات الوجيهة للمعارضة ولوسائل الإعلام ويعطي اعتبارا للتوجيهات الملكية السامية، له قدرة هائلة على تحقيق التوافق بين الفرقاء السياسيين، وليس "بُعبعا إسلاميا" كما يحلو للأبواق المُغرضة أن تصوره للرأي العام، بغرض عزله ثم إقصائه والعودة إلى منطق الريع والغنيمة. ليس المهم أن يفقد الحزب مقعدا في الحكومة، بل الربح هو أن يربح الوطن و تستمر تجربة الإصلاح ونُقاوم جميعا محاولات النسف.