-الاستبداد والاستحمار وجهان لعملة واحدة: "الاستبداد ملة واحدة"، ذلك ما يلمسه المواطن العربي اليوم من المحيط إلى الخليج. والاستبداد يقوم على استبلاد العباد كما جاء في كتاب العالم الشيعي علي شريعتي "النباهة والاستحمار". فمسيرة الإصلاح التي انطلقت مع سقوط رموز الاستبداد والتحكم في المنطقة العربية تُواجه تبعات عقود من التحكم والغطرسة. جيوب مقاومة التغيير تتزعمها اليوم فلول الأحزاب التي كانت تزكي الاستبداد وتستفيد منه، مثل حزب التجمع الدستوري في تونس، والحزب الوطني في مصر وجناح من حزب الاستقلال في المغرب وعشيرة القذاذفة في ليبيا... نفس الخطاب المسعُور ونفس الأساليب المُتهورة... نفس الفئات التي كانت سببا في انفجار الوضع السابق ترفض الانصياع لمنطق التغيير والإصلاح والدمقرطة. هذه الأحزاب التي مارست الوصاية والدجل على الشعوب منذ الاستقلال، شكلت على مدى عقود ما يشبه دولة داخل الدولة، أو ما يطلق عليه بالدولة العميقة أو الموازية. ويتأسس خطاب دعاة الردة على العنف والدجل والتهور والهدف من وراء ذلك كله هو استغفال الناس واحتقار ذكائهم وقتل الأمل الذي عم في الأمة مع انتفاضة الربيع. -الاستحمار وسلاح العنف: لا تمل جيوب مقاومة التغيير من ترديد نفس التهم البليدة لنسف الشرعية والعودة إلى منطق التحكم والريع: خرافة الإرهاب، حكم المرشد، الأخونة، نقص التجربة، بطء الإصلاحات... وهي أحكام إقصائية صادرة عن نظرة دونية للشعوب ممن يحسبون أنفسهم أوصياء على الأمة. و من الاستبلاد قتل المصلين والمعتصمين وقنص الصحفيين واقتحام المساجد وتدنيسها وحرق الكنائس واعتبار كل هذه المذابح والجرائم إنجازات ضد عدو خطير اسمه "الإرهاب"، ثم التغني والانتشاء بالنصر "تسلم الأيادي" !! . ومن ذلك الاستبلاد التشابه الغريب في استعمال الدواب في النزال السياسي (موقعة الجمل ومسيرة الحمير!)، ومن ذلك الاعتماد على البلطجية وتجار المخدرات لإرهاب المسيرات السلمية واتهامها بالإرهاب، ومن ذلك استقبال شباط لسفير الانقلاب بالرباط والإشادة ببطولات العسكر، وكأن الانقلاب ينهل من معين واحد. -الاستحمار وسلاح الدجل: منطق الاستحمار يقوم كذلك على الدجل والخرافة وهي أسلحة استعملها انقلابيو مصر حين اتهموا الرئيس المنتخب بالتخابر مع حماس، وحين ادعت أبواقه الإعلامية والحقوقية عدم وجود دليل واحد على استعمال قوات الجيش للعنف ضد المعتصمين!!! وهي نفس الأسطوانة لدى الأحزاب التقليدية والوجوه البالية، همها الوحيد الالتصاق بالكراسي واحتكار الحقائب الوزارية والعمل على توريثها لأبنائها (نموذج الوزير الأب والوزير الإبن والوزير الجد). وجوه مُتورطة في قضايا المخدرات (المُطالبة بالترخيص لزراعة الكيف بالشمال !)، هي التي تتزعم المعارضة في الدول التي نجحت فيها الثورات وانطلقت فيها مسيرة الإصلاح بقيادة وجوه جديدة وأيادي نظيفة، اختارتها الجماهير عن طواعية لتكون في التسيير بعدما اختبرت نزاهتها في ساحات التدافع المدني. إعلام الدجل عند الانقلابيين يُبدع في صناعة الإحباط ونشر اليأس ومصادرة حق الشعوب في الأمل في التغيير الذي بدأ مع نسائم الربيع الديمقراطي في 2011. عسكر، ليبراليون، فنانون، رجال أعمال... كلهم من نفس الطينة، استمرؤوا منطق استحمار الشعوب واستغلالها لينصبوا أنفسهم رموزا وأسودا من ورق. -الاستحمار وتهديد الاستقرار: لم يتوقف الأمر عند حدود معارضة حكومات الربيع الديمقراطي فحسب، بل تجاوزه إلى تهديد أمن واستقرار الأوطان، ذلك ما يردده انقلابيو مصر (احنا شعب وانتو شعب !)، وهو ما يتضح من خلال التصريحات الطائشة لشباط عندما أثار جروح الماضي بين المغرب والجزائر في إشارة إلى حرب الرمال لسنة 1963 وموضوع الحدود بين البلدين وهي كلها مزايدات سياسوية غير محسوبة النتائج، استنكرها جناح العُقلاء من نفس الحزب. و كأن الرجل أراد فتح جميع الجبهات على البلاد وإثارة الفتن والقلاقل التي نحن في غنى عنها الآن. ولعل استفزاز حكام الجزائر بطريقة رعناء كان وراء نسف كل المحاولات الدبلوماسية للتقارب والتي دشنتها حكومة بنكيران. نفس المنطق، سار عليه رئيس جماعة وجدة الشباطي التوجه، والذي صعَد من حدة الخطاب تجاه الجيران في موضوع التهريب، مما أعطى الفرصة لخصوم المملكة لردود أفعال مُضرة بسمعة الوطن تمثلت في اختراق الموقع الرسمي للجماعة الحضرية من طرف مجهولين و ظهور العلم الجزائري وسب رموز البلاد!