بسم الله .. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وحلل عقدة من لساني يفقه قولي .. ثم أما بعد: مما يبعث على القلق دائما هو كثرة الخطى والمسير إلى أين ..؟! ولتحديد الوجهة المطلوبة لا بد لنا من بسط معالم هاته الطريق، وفي بسط محدداتها عدة طرائق ومسالك، والواجب علينا انطلاقا من هذا المعطى معرفة الأمور على حقيقتها للخروج إلى مسلك نرتضيه لبلوغ الأفق المنشود .. نعالج هذا الموضوع انطلاقا من سؤال التغيير، وطرحه يتجلى بالأساس في السؤال الإشكالي التالي: ما السبيل للإقلاع الحضاري انطلاقا من محددات منهجية واضحة وجلية ؟ هي محاولة فقط لتدعيم ساحة النقاش بأفكار بسيطة تتناول إشكالية الإصلاح وطبيعة مسارها . وهو ما سنتناوله بالضبط في تحليل متشعب نوعا ما .. ابتداءا نطرح وأهم سؤال بنيت عليه إشكالية الإصلاح: لماذا تقدم غيرنا وتأخنا نحن ؟ وكان أول من طرحه الأستاذ شكيب أرسلان، فبرزت انطلاقا من هذه الإشكالية الكبيرة عدة أطروحات تحاول بلورة الأزمة التي تعيش فيها الأمة الإسلامية ،و كثرت بالتالي التحليلات والأوراق في محاولة لتأطير هاته المعضلة، وظهرت أولى الكتابات مع محمد عبده والطهطاوي ورشيد رضا وآخرون ... حاولوا انطلاقا من هاته الكتابات تحليل أسباب الإكتناف الذي يحيط بالأمة، وتبين بالواضح والملموس بأن المعضلة الأبرز التي تحول دون تجاوز الأمة لمشاكلها هو مشكل الاستبداد، هذا المفهوم الذي يشكل مركزية في أطروحات هؤلاء الإصلاحيين وكان أبرزهم ممن تناول هذا المفهوم من كافة جوانبه العملاق عبد الرحمان الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ،و الذي بادر فيه إلى تفكيك هذا المصطلح بصيغة تركيبية معمقة .. لكن توجهات هؤلاء الإصلاحيين الأوائل لم تأتي أكلها نظرا لعد عوامل ساهمت في تكريس الأزمة .. وهو ما سيحاول تبيانها المفكر الجزائري مالك بن نبي انطلاقا من أسباب تخلف الأمة والسبيل إلى بعث يقظتها من جديد ،و تمحور تحليله حول تداعيات تخلف الأمة في الانتقال من عبادة العقل إلى عبادة الشهوة والتي أطرته بالواضح قصة الأندلس مع جواسيس الصليبيين ،و قد زاد أيضا بوضع ثلاثية لأساسات الإقلاع الحضاري والتي حددها في التراب والإنسان والوقت ليطرح بذلك منطلقات لبسط معالم تصور جديد يرتكز على هاته الثلاثية من أجل بناء نهضة مساهمة في الإقلاع الشامل للأمة .. لن نطيل أكثر في بسط أرضية تطور الإصلاح في العالم الإسلامي، لكن سنحاول أن نربط سبيل الإصلاح بالواقع الذي نعيشه اليوم وتفاعله في إطار الإصلاح التراكمي الذي ننخرط فيه مع توضيح بعض الأمور المرتبطة بتحدياته . في إطار ما نعيشه نحن اليوم من حراك ثوري بمختلف الدول العربية والإسلامية والذي أطلق عليه اسم الربيع العربي، يطرح لنا هذا السياق بداية جديدة نحو إعادة صياغة مفاهيم جديدة لبناء الأمة وتجديد حيويتها الحضارية فكان ما كان من الوقوف ضد سياسة الدولة الاستبدادية والمطالبة في المقابل بالحرية والكرامة والعادلة الاجتماعية فكان قوام ذلك أن سقطت أعتا الديكتاتوريات في كل من تونس ومصر وليبيا والدور على الباقي إن شاء الله وهذا ما يفسر أن إرادة الشعوب في التطلع نحو التحرر والخروج بنفسها من عنق زجاجة التخلف الذي عشش طويلا، لكن في إطار هذا التفاعل مع سياق الثورات العربية لا بد من تحليل معالم هاته الثورات هل هي في طريقها الصحيح نحو صناعة مجد الأمة من جديد أم أن الأمر لا يزال يحتاج إلى مجموعة من المرتكزات للعمل عليها وكذا إعادة بناء المفاهيم وتجديد المنطلقات خصوصا منها ما تعرف بثنائيات الدين / الدولة، الدولة الدينية / الدولة المدنية وكذا بناء ثقافة وعيية شاملة بتعبيرنا ... وحتى نجمل ما وراء الربيع الديمقراطي من تحديات تتبين بالواضح في الرباعية التي طرحها الأستاذ محمد طلابي: - إنتاج السلطة وإعادة توزيعها - إنتاج الثروة وإعادة توزيعها - إعادة القيم القائدة وإعادة توزيعها - إنتاج المفاهيم الفكرية وإعادة توزيعها كل هاته المنطلقات هي سبيل لبناء مجد الأمة لكن يجب أن تدعم بأمور أعتبرها ضرورية خصوصا ونحن نعرف سياق تداول السلطة اليوم وما شكل الإسلاميون في ذلك من اكتساح لمراكز القرار والسر في ذلك أن المشاريع الإصلاحية سواء منها الليبرالية أو العلمانية قد فقدت مصداقيتها والبديل الموجود على الساحة هم الإسلاميون الذين أفرج عنهم وعن مشاركتهم في الساحة السياسية بحرية شبه تامة بعد صراع طويل مع السلطة وتهميش من لدن الدولة اعتقال وسجون .. وبالتالي فسياق وصول الإسلاميين للسلطة اليوم له طابعه الخاص وأقولها بصيغة واضحة بأن الحركات الإسلامية التي تتمركز في مراكز القرار اليوم لا تحمل مشاريع مجتمعية قادرة على بناء أمة ولكنها بالمقابل تحاول ترقيع الأمور في أفق تحقيق مصطلح العدل الذي يؤطر العمل الذي يحاولون من خلاله بناء الدولة العادلة بتعبير المفكر سلمان بونعمان و حتى نعطي لهاته الحركات الإسلامية خصوصا منها صاحبة مشاريع الإصلاح التراكمي أن السبيل إلى تحقيق فعل وعمل على الأرض بالواضح والملموس التغلغل في داخل المجتمع بإخلاص النية لله عزوجل وإحقاق صفة الاستخلاف في الأرض باعتبارها أمانة كونية استأمننا الله عليها وبعد ذلك توجيه المسار على سكة العدل من أجل صياغة أنموذج شامل يستطيع استيعاب المجتمع ويستطيع إيقاظ حركة مجتمعية تبلور تلك الثورة التي ذكرتها بمصطلح الثقافة الوعيية، أنذاك نستطيع إعطاء دفعة حضارية لأمة لها من التاريخ والمجد ما يبقي الفم عليها مفتوحا لكن بدون هاته الطرائق سنصل إلى مبتغانا برجل عرجاء وحتى نصل بأرجل سوية نحتاج إلى بناء جيل يلتمس روح الحداثة بالعودة إلى الأصول وترك المنقول .. طالب .. طنجة