مع بداية كل موسم تربوي جديد ، تعود الى الواجهة وفي الصالونات والمنتديات الأكاديمية والسياسية نقاشات أزمة المنظومة التعليمية ببلادنا. في البداية لابد من التذكير الى أن معضلة التعليم هي أزمة يعترف بوجودها العادي والبادي ... السياسي ... والمواطن البسيط ... الكل يقر بأن المنظومة التعليمية تعيش أحلك فتراتها ، ولابد من ابداع حلول واستراتيجيات تعيد الثقة والأمل للجمتمع في جدوى وقيمة المدرسة العمومية. ولابأس ايضا من الاشارة الى أن تشخيص كبوات المنظومة التعليمية معروف ومتداول ولا خلاف عليه. ويتشكل أساسا من معيقات بنيوية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. على المستوى الحكومي هناك مجهودات تبدل مند عقود لكن بالمقابل هناك اقرار بصعوبة الاستجابة لمتطلبات المنظومة التعليمية من حاجيات ملحة بغية الرقي بمستواها وتحسين ادائها. حيت يتم التعامل مع مشكلة التعليم بالمغرب من منضور اقتصادي وليس من زاوية قيمية. مما ينتج عنه الاستجابة للضغوطات المرتبطة بالصناديق الدولية التي تطالب المغرب بالتقليص من الانفاق على التعليم للحد من عجز الميزانية (سياسة التقويم الهيكلي). من جهة اخرى فان ازمة التعليم مرتبطة بالعديد من المتدخلين فهناك الحكومة وهناك النقابات وهناك المجتمع. وغالبا ما يتم توظيف ازمة التربية والتعليم في المزايدات السياسية في الوقت الذي يفوت فيه المغرب فرصا للتنمية في الجدالات والنقاشات العقيمة. وكان الأجدر بكل المتدخلين الانكباب والتوافق من اجل ايجاد المبادرات و الحلول لمعضلة التعليم وهي الحلول التي قد تتجاوز عمر الحكومات (حلول على المدى المتوسط والبعيد). ثم ان ازمة التعليم هي ايضا أزمة حكامة وتدبير. اذ يتم الحديث في العديد من اللقاءات والبرامج الحكومية عن تخصيص ميزانيات ضخمة (متل المخطط الاستعجالي) من اجل تحسين جودة التعليم لكن للأسف تذهب تلك المخصصات المالية ادراج الرياح بسبب غياب الشفافية والنزاهة في اسناد الصفقات المرتبطة أساسا بالتجهيزات والترميم والبنيات والتكوينات. من جهة اخرى لابد من الاعتراف من ان ازمة التعليم مرتبطة أيضا بوضعية المدرسين والأطر العاملة بالقطاع. فالمدرس هو رجل الميدان وهو المحرك والأداة التي بها سيتم تنزيل أي اصلاح ولابد اذن من تحفيزه واشراكه والانصات لهمومه ومقترحاته. أما الاشتغال بالمنطق التنفيذي فهو لن يؤدي الا الى ارباك عملية الاصلاح واعتبار المدرس أداة تنفيذ دونما استشارة او اشراك. فنجاح أي مشروع تربوي او اصلاحي لن يتحقق الا بإشراك كل المتدخلين بالعملية التعليمية وفي مقدمتهم المدرس. عنصر آخر لا يقل اهمية وهو أولياء الأمور او المجتمع بشكل عام. حيث نلاحظ تراجعا خطيرا في تربية الأطفال والتلاميذ وغياب او استقلال غير مسبوق من لدن الاولياء والآباء عن اداء واجبهم الأسري المتمثل في التعهد والتتبع. فالأسرة هي المحضن الأول للمتعلم ولابد من الوعي بأهمية التربية والتتبع للمتعلم والتوجيه الدائم والمستمر من اجل مواكبة المدرسة والاستفادة من البرامج المسطرة والرقي بالمستوى التعليمي لمرتادي المدارس العمومية. ان أول خطوة يجب وضعها وأول لبنة يتعين ايجادها هي التوافق حول هوية "المدرسة" التي نريد . وبناءا على ذلك ستتضح الرؤى وتتفرع الأهداف والوسائل الكفيلة لتحقيق ذلك. وقد ظهر مشكل "الهوية" واضحا من خلال الميتاق الوطني للتربية والتكوين الذي لم يوضح بما فيه الكفاية الغايات من التعليم بالمغرب حيث اشار الى "تكوين مواطن صالح" ... وإذا كانت الهوية المغربية قد تم تحديدها من خلال دستور 2011 بشكل دقيق وواضح فانه يتعين وضع "ميثاق وطني جديد " يأخذ بعين الاعتبار الهوية المغربية بشكل واضح لا لبس فيه. تم النقطة التالية التي يجب مراجعتها وترتبط بالهوية وهي لغة التعليم. اذ تبت علميا ان "لغة القوم" هي لغة النهضة والتقدم والرقي. وهو ما نلاحظه من خلال التعليم باليابان وأمريكا وغيرها من الدول المتقدمة. اما الارتهان الى "ماما فرنسا" فهذا امر يجب الحسم فيه والقطع معه ويجب تمكين "للغة العربية" وتكريس وجودها من خلال المدرسة العمومية. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تحسين التعامل باللغة الرسمية للبلاد (العربية ) وتدريسها في مختلف المستويات الدراسية. تم نعززها باللغة العالمية "الانجليزية" والتي يجب تمكينها من مستوى لائق بها نظرا لحاجة المتعلمين لها خصوصا بالمستويات الجامعية والعليا فهي لغة العصر ولغة العلم والتكنولوجيا. الى جانب ما أشرنا اليه لابد من اعادة النظر في اصلاح البرامج التعليمية وتحسين جودتها والقطع مع منطق "منطق الكعكة" في ما يخص وضع الكتب المدرسية والعمل على توحيدها بين كل الجهات والأقاليم. فلسنا بحاجة الى تعدد الكتب المدرسية بقدر ما نحتاج الى كتاب نتوحد حوله (يعكس خصوصية مغربنا وهويتنا) ويجد فيه المتعلم حاجاته المعرفية. وعادة ما يؤدي الآباء وأولياء الأمور فاتورة كثرة الكتب المدرسية لكن أين هي الجودة .... لماذا تراجع مستوى المتعلمين ..؟؟ على مستوى آخر لابد من توفير الفضاءات والتجهيزات المدرسية الكافية لتحسين العملية التعليمية – التعلمية (قاعات – حواسيب – مطاعم – داخليات ) والحد من الاكتضاض في الفصول الدراسية. مع ضرورة الاهتمام بالنقل المدرسي خصوصا بالعالم القروي وتحسين ضروف المدرسين. ولا ننسى أخيرا أهمية اعادة النظر في عملية تقويم المنظومة التعليمية. فعادة ما يتم اللجوء الى نسبة النجاح لتبرير التراجع او التحسن في جودة المدرسة العمومية وهي مؤشرات لا تعكس بالضرورة حقيقة الوضع اذ لابد من ابداع مؤشرات اخرى اكثر دقة لواقع المدرسة المغربية. تم ان التساهل في مرور المتعلمين في المستويات الدراسية من اجل رفع نسبة النجاح او لتبرير الخريطة المدرسية يشكل اكبر عائق امام عملية تقويم حقيقة للمنظومة التعليمية. وهو ما يعطينا مؤشرات مضللة عن واقع المدرسة ... فهل نحن جادون في اصلاح المدرسة العمومية ؟؟.... ولم لا يتم عقد "الحوار الوطني حول المدرسة المغربية" يكون من نتائجه وضع برنامج اصلاحي شامل عنوانه "مدرسة .... من اجل الأجيال القادمة " ... استاذ باحث