رغم أنني لا أعرف هذا الرجل، عبد الله بها، إلا عن بعد، ورغم أن اللقاء اليتيم الذي جمعني به لم يستغرق غير ثوانٍ لمصافحته، لكن رحيله استطاع أن ينتزع من مقلتَيَّ دموعا حارقة، وجعلني إلى حد الساعة لا أصدق أنه رحل، بالرغم من أنه "شيء" في هذا الكون الفسيح الذي يدبره الرب القدير على كل شيء، كأنني أعرفه وعشت إلى جواره منذ زمن بعيد! في ذلك اليوم من سنة 2012، جاء عبد الله بها في مهمة صعبة، وهو رجل المهمات الصعبة، إلى العيون، من أجل إصلاح ذات البين بين إخوة جمعتهم سبل وفرقهم سبيل وحيد، واستطاع بحكمته وحنكته، وهدوءه ورزانته أن يجعل للمياه مجرى سلسلا ويعود بالأمور إلى نصابها بتوفيق من الله، وبأخلاقه واعتداله. استقبلنا واحدا واحدا عند الباب كأننا نحن الضيوف وهو صاحب البيت، تقدمت لمصافحته فأمسك بيدي بحرارة وسأل عني وعن أحوالي، وكأنه يعرفني، تماما كما يفعل أبي عندما أغيب عنه لمدة طويلة، راسما على شفتيه ابتسامة جميلة، هي نفسها تلك الابتسامة التي لم تفارق محياه في كل وقت وحين، إلا أن يكون في لحظات تفكير للبحث عن حل لمشكلة ما أو عندما يكون مشدوها إلى كلام أحدهم منتبها إليه. وفي الاجتماع استطاع أن يفرض وقاره وهيبته على الحاضرين، حتى أصبحوا وكأن على رؤوسهم الطير، في قدرات تفرد بها في الضبط وإعادة توجيه البوصلة إلى مسارها الصحيح. وفي الملتقى الوطني الأخير لحزبه بإحدى قاعات المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالعاصمة الرباط، صيف سنة 2012، قدر الله لي حضوره، تدخل الفقيد في فترة من الفترات، بعد هدوء طويل وغريب، وفي مداخلته احتفظ بسكينة وطمأنينة غريبة ليذكر الجميع بالمقصد الكبير من كل الأعمال: "رضا الله والاستعداد للدار الآخرة"! ففهمت أن إيمانه الشديد بالله واستعداده للدار الآخرة والإيمان بالقدر خيره وشره – وأحسبه كذلك- هي ما يجعله على هذا القدر الكبير من الرزانة والحكمة والهدوء. وفهمت أيضا لماذا يجعله عبد الإله بن كيران الأمين العام للبيجيدي إلى جانبه في كل وقت وحين، وهو الذي يمتاز بشخصية "مندفعة"، وعلمت أن عبد الله بها، رحمة الله عليه وعلى أموات المسلمين أجمعين، هو بمثابة "كوابح" يستعملها بنكيران "تلقائيا" لتخفيف "اندفاعيته" في بعض الأحيان. لقد تسببت وفاة عبد الله بها، الحكيم والمربي، في صدمة كبيرة لأسرته الصغيرة والكبيرة، لكنها لا شك ستكون أكبر وقعا على رئيس الحكومة، رفيق دربه منذ سنين، و"ظله اللصيق به"، بل لا أبالغ إن قلت أنه بمثابة "والده"، الذي تركه يتيما يبحث عن من يرعاه في بقية المشوار أوأخوه الذي كان يسند ظهره في الأتراح قبل الأفراح! فحق لنا أن نبكي ونحن نرى طيفك الباسم يا عبد الله بها، وحُقَّ لبنكيران أن يُصدم ويصوم عن الكلام! رحمك الله سيدي وأسكنك فسيح جناته، ورزقنا وذويك الصبر على فراقك، وتأكد من أن مكانك سيظل شاغرا ولن يشغله أحد، لأنه من دون شك أنت فريد زمانك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.