من المسلمات التاريخية أن كل "انقلاب عسكري" يسبقه عمل إعلامي يمهد له الطريق ويؤازره ويوجهه، وذلك بالكذب ثم الكذب ثم الكذب حتى تسمم العقول أو يصيبها غبش اتجاه الوضع الميداني، ويشوه الوعي فلا يتلقى المجتمع إلا الحقائق المقلوبة والمفبركة بطريقة سينمائية احترافية تستحق من ناحية الفتوغرافيا والإخراج كل تثمين وإعجاب. فالإعلام الذي يستطيع أن يجعل الأبيض أسودا، والأحمر أخضرا، والضحية معتديا، والمقتول إرهابيا، والدكتاتور ديموقراطيا، والانقلاب ثورة، هو إعلام بلغ القمة في احتراف التمثيل وممارسة الكذب والتزييف و التلاعب بالعقول. فلقد ظهرت على الساحة المصرية مدارس إعلامية جديدة هي مدارس الإعلام السنيمائي الاحترافية، كالمدرسة العكاشية، والمدرسة الأديبية، والمدرسة الحديدية، والمدرسة المنصورية، والمدرسة الحمَّالاتية، والمدرسة الجلادية..، مدارس بعدد المذيعين والمذيعات والصحفيين والصحفيات اللهم قلة شريفة لا تقبل بيع المبادئ بحطام زائل يورث لها لعنة التاريخ والشعب والناس أجمعين. إعلام يذكرنا بالإعلامي الشهير وبمذيع النكسة أحمد سعيد الحديدي والد مؤسسة المدرسة الحديدية "لميس الحديدي" في حرب النكسة 1967م، وهو أشهر مذيع " مصري في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، رأس إذاعة صوت العرب في عهد عبد الناصر من سنة 1953 إلى 1967 والتي اعتبرت من أهم الإذاعات العربية في تلك الحقبة. مذيع النكسة هذا أعلن النصر للجيش المصري في حرب 1967م، ونقل عبر إذاعة صوت العرب بيانات عسكرية مكذوبة تخبر عن انتصار ساحق لمصر بقوله: "نحن على أعتاب تل أبيب"، وعن إسقاط عشرات الطائرات الصهيونية؛ وذلك بناء على البيانات الصادرة من الجيش والقيادة السياسية في الوقت الذي شهدت فيه جميع الجبهات هزيمة ساحقة للجيش المصري من قبل الجيش الصهيوني حيث قصفت الطائرات المصرية وهي على الأرض حتى قبل أن تقلع من المدارج. فإعلام العكاشيات، والإعلام الفلولي، والإعلام الانقلابي.. تعددت أسماؤه لعظم خطورته على الأمة جمعاء، هو إعلام قام بتصوير الاعتصامات السلمية، والمتظاهرين السلميين بأنهم إرهابيون وأنهم مسلحون، وأنهم يقومون بعمليات تعذيب في اعتصاماتهم، وأنهم من يقتل المتظاهرين وليس الجيش والداخلية وبلطجيتها، محاولة منه لتسميم العقل وتشويه الوعي. فهل يعقل أن البلتاجي يقتل ابنته أسماء؟ وهل يصدق أن المرشد العام للإخوان محمد بديع يقتل ابنه عمار؟ وهل من الممكن أن يقتل المستشار الإعلامي للرئيس محمد مرسي ابنته حبيبة؟ وإذا كان المعتصمون يملكون الأسلحة الثقيلة والخفيفة كما يصورهم الإعلام الفلولي؛ فلماذا لم يدافعوا عن أنفسهم وينتهجوا نهج ثوار ليبيا وسوريا؛ والداخلية والبلطجية يقتلونهم كما يقتلون النعاج؟ ومن أبرز سمات إعلام الفلول شيطنة كل مخالف، أو معارض للانقلاب، أو رافض لسفك دماء الأبرياء، إعلام غير مكترث لرادع مهني أو أخلاقي، فبعد الهجوم على ثورة 25 يناير، واتهام شبابها بأقسى العبارات، تفرغوا لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي، لتنتقل عدوى التحريض إلى البرادعي نائب رئيس الانقلاب في مصر. فبعد أن كان الرجل وطنيا ثائرا، وأحد أركان الانقلاب وممثل الشباب والقوى الثورية فيه، بل كانت كل وسائل إعلام الفلول تتسابق لتسجيل لقاء معه، وفجأة وبعد معارضته لأحداث فض اعتصام رابعة والنهضة وتقديم استقالته، أصبح مندوب الولاياتالمتحدةالأمريكية والماسونية العالمية بمقر رئاسة الجمهورية. وهاجمه أحدهم متهما إياه "بتدمير العراق وأنه يريد تدمير مصر"، ناهيك عن وصف أحدهم له بأنه "مايع" مطالبا منه العودة لأوروبا، وأنه عضو في التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين. هذه هي سياسة مليشيات الإعلام الفلولي، وهذه هي عقيدة جنيرالاته الذين كانت لهم اليد الطولى في سفك دم آلاف المصريين، واعتقال الآلاف، فالتاريخ سيقف شاهدا على تنفيذه مخططات أجنبية واصطفافه مع الطغاة والقتلة والإرهابيين، وسيخسر هذا الإعلام العميل لا محالة جماهيره بمجرد أن يأذن الله للشرعية بالعودة إلى الساحة المصرية، والأيام ستبدي لنا ذلك. والله المستعان وعليه التكلان.