أكد الباحث في علم الاجتماع، الدكتور رشيد جرموني، أن خطاب الملك محمد السادس الأخير بمناسبة ذكرى عشرين غشت، لم يكن هو الخطاب الأول الذي ينعي ويدق ناقوس الخطر للمنظومة التعليمية، مشيرا إلى أن مجموعة من الخطب الملكية كان الملك يضع يده على مجموعة من الاختلالات والأعطاب الذي يعيشها قطاع التعليم، ومن بينها خطاب العرش لسنة 2010 والذي قال فيه الملك "إن هذا البرنامج يستنزف ثروات البلاد لكنه لا يحقق الثمار المرجوة". واعتبر جرموني في حواره مع الرأي، بأن الخلل في قطاع التعليم ليس سببه تدبير الحكومة الحالية، وإنما غياب الرؤية لدى الدولة، ويجزم جرموني أنه ما لم نجب عن سؤال أي مواطن نريده من التعليم ؟ ولأية غايات ولأية أهداف؟ وإن لم نضع هذا السؤال ونجيب عليه بشكل دقيق فإن الدولة ستبقى متخبطة وتائهة رغم تعاقب الحكومات. وفيما يلي نص الحوار.. ما هي قراءتك للانتقادات التي وجهها خطاب الملك محمد السادس بمناسبة 20 غشت للمنظومة التعليمية؟ لم يكن هذا هو الخطاب الأول الذي ينعي ويدق ناقوس الخطر للمنظومة التعليمية، لأن مجموعة من الخطب الملكية كان الملك يضع يده على مجموعة من الاختلالات والأعطاب الذي يعيشها قطاع التعليم، ومن بينها خطاب العرش لسنة 2010 والذي تزامن مع الانطلاق القوي لمشروع البرنامج الاستعجالي وقال الملك "إن هذا البرنامج يستنزف ثروات البلاد لكنه لا يحقق الثمار المرجوة"، أعتقد أنه لا ينبغي أن نقول بأن هذا الخطاب هو الوحيد الذي يضرب في المنظومة التعليمية وينتقد الحكومة ويحملها المسؤولية، لكن في هذا الخطاب ذكر شيئا مهما هو القرارات الاستفرادية التي قام بها وزير التربية الوطنية محمد الوفا، وهذا أعتقد من حيث نظر الفاعل الرسمي قام بمجموعة من القرارت حيث أوقف البرنامج الاستعجالي وأوقف جميع البرامج التي كانت سارية المفعول بدون أن يضع بديلا آخر عن هذا البرنامج، ولعل الملك وقف عند ثلاث اختلالات أساسية ذكر منها؛ المناهج والتعليم الأولي وثانويات التميز. أين يكمن الخلل في قطاع التعليم في بلادنا هل هو في تدبير الحكومة الحالية كما أشار إلى ذلك الخطاب الملكي؟ أنا أعتقد أن الخلل موجود في الرؤية، لماذا لأن ميثاق التربية والتكوين مازال ساري المفعول، وأعتقد أنه ما زال يلبي هذه الاحتياجات التي بدأت تتفاعل الآن، أم أن الخطاب يشير إلى أنه يجب تفعيل ميثاق التربية والتكوين، بالمقابل تتحدث الوثيقة الدستورية عن مجموعة من النصوص ومجموعة من الحقوق والتوجهات والرؤى المجتمعية المتعلقة بتفعيل ميثاق ونتفاعل مع بنود الدستور الجديد، وهذه من بين الأسئلة المطروحة. إلى ذلك أشار الفاعل الرسمي لأول مرة إلى نقطة أعتبرها أساسية بخصوص المنظومة التعليمية وهي اللغة وإشكالية تدريسها، وذكر القضية التي يعرفها الجميع وهي ازدواجية اللغة التي تعرفها المدرسة المغربية مع الجامعة، وهذا القرار يجب أن نعلم بأنه كان من بين مهام المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، وقد بدأت فيه أشغال مهمة، لكن بوفاة المستشار المرحوم مزيان بلفقيه توقف هذا المشروع حيث لم يعين على المجلس رئيس إلا مؤخرا بعد تكليف عمر عزيمان وهو ما يطرح سؤال لماذا تأخر تعيين رئيس المجلس الأعلى للتعليم ؟ كيف تنظرون إلى تعيين عمر اعزيمان على رأس المجلس الاعلى للتعليم؟ عمر اعزيمان، شخص ذو كفاءة وخبرة وتجربة وطنية طويلة وله دراية بمجموعة من الملفات. وتعيينه على رأس المجلس الأعلى لا تتدخل فيه الحكومة، واختصاصاته غير اختصاصات الحكومة، وهو مؤسسة دستورية مهمة جدا ويجب أن تكون بعيدة عن أي تحزب، لأنها مؤسسة يجب أن تقيم الأمور بشكل موضوعي ودون محاباة، فهي الوحيدة من الناحية الدستورية التي من اختصاصها تقييم المنظومة التعليمية والإجابة عن سؤال وضعيتها هل هي بخير أم غير ذلك، ويضع الاختلالات ويقدمها بين أيدي الحكومة وبقية الفاعلين في المجال وإطلاع الرأي العام عليها، وفي غياب هذا الدور الذي كان يقوم به المجلس، تكون هناك تقييمات لقطاع التعليم لكنها تكون أحيانا غير دقيقة وتكون نتائجها غير موضوعية و يطغى عليها التحيز، وأعتقد أن التأخر الذي حصل في التقييم تتحمل فيه الدولة مسؤوليتها، لذلك يتعين على المجلس الأعلى فتح النقاش بخصوص القضايا الحرجة في منظومتنا التعليمية، وهي قضية لغة التدريس وتدريس اللغات، والمناهج الدراسية المعتمدة يجب تحديد المناهج المناسبة للمنظومة التعليمية. خطاب الفاعل الرسمي انتقد الحكومة بشدة لأنها تخلت عن برنامج المخطط الاستعجالي، وحملها مسؤولية أزمة قطاع التعليم، ما تعليقك على هذا الحكم؟ أولا؛ لا يمكن أن نحمل هذه الأزمة إلى الحكومة وحدها، لأن أزمة المنظومة التعليمية نتحملها جميعا ومسؤولية الجميع كل بمستوياته، فرغم ما يمكن أن يلاحظ على الحكومة بخصوص بعض الاختلالات في تدبيرها إلا أن هناك مجموعة من الأطراف تتداخل في هذه المنظومة ولها قسط من أزمة قطاع التعليم لمدة 20 سنة ويزيد. ثانيا؛ لا يمكن أن نقول بأن هذه الحكومة وحدها تتحمل مسؤولية تردي المنطومة التعليمية لأن البرنامج الاستعجالي كان يتضمن مجموعة من الأعطاب أثناء عملية التنزيل رغم أنه كانت هناك رؤية ومخطط وبنود وأجندة وبرنامج وعملية التقويم في المسؤولية، لكن حتى في أثناء عملية التنزيل كانت هناك اختلالات حقيقية ربما البحث الذي يشرف عليه البنك الدولي يمكن أن يكشف عن بعض هذه الاختلالات، وأيضا الوزارة تتوفر على تقييمها الخاص بشأن البرنامج الاستعجالي. أعتقد أننا ما لم نجب عن سؤال أي مواطن نريده من التعليم ؟ ولأية غايات ولأية أهداف؟ وإن لم نضع هذا السؤال ونجيب عليه بشكل دقيق فإن الدولة ستبقى متخبطة وتائهة رغم تعاقب الحكومات. ألا ترى بأن قرار إحياء المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي بعد تعيين عمر اعزيمان سيؤثر على أداء الحكومة في مجال قطاع التعليم؟ لا أعتقد ذلك. ما تقييمك أنتم كأساتذة وأطر تربوية لأداء الوزير محمد الوفا ؟ الوزير محمد الوفا أوقف مجموعة من المشاريع ولم يأتي ببديل وأعتقد أن هذا الأمر هو الذي جعل خطاب الملك قاسيا في حقه. وزير التربية الوطنية محمد الوفا، قام بمجموعة من المبادرات المهمة جدا خلال السنة والنصف التي قضاها في تدبير القطاع التعليمي، على الأقل أنه من الناحية الشكلية أعاد الاعتبار لشهادة الباكالوريا بحيث أن الأجواء التي مرت فيها الامتحانات هذه السنة كانت أفضل من السنوات الماضية حتى لا نقول أنها الأحسن، من حيث ضمان أمن وسلامة الساهرين على الامتحانات من أساتذة وأطر، وأيضا ساهمت قراراته في التقليل إلى حد ما من آفة الغش، ولاننسى أنه اتخذ قرار جريء ذلك الذي يتعلق بقضية اشتغال أساتذة التعليم العمومي في المدارس الخاصة، لكن المنظومة التعليمية لا تحتاج إلى هذه القرارات وإنما تحتاج إلى قرارات أخرى ومصيرية وكبيرة جدا وتحتاج إلى نقاش مجتمعي كبير جدا يساهم فيه الخبراء والفاعلون ومع السياسيين من أجل تطارح المشاكل التي يتخبط فيها القطاع، وبلورة رؤية يكون فيها. بمعنى آخر لا يمكن الخروج من الأزمة الحالية التي يتخبط في المنظومة التعليمية بحل سحري يقوم به أحد الأشخاص. ألا تعتقد بأن الخطاب الأخير سيؤثر على أداء الوزير محمد الوفا ؟ لا أعتقد ذلك، ولا يجب أن يفهم خطاب الملك بهذا الشكل، لأن خطابات الملك دائما تكون برؤية فوقية، بحيث تأتي بصيغة توجيه وترشيد وتأطير أداء الحكومة والوزراء، وما ورد في الخطاب الأخير موجه أساسا للحكومة وليس في شخص الوزير فقط، ومن بين أدوار الخطابات الملكية أنها ترشد وتفتح استراتيجية معينة وتدعو الحكومة للانخراط فيها، لكن بخصوص المنظومة التعليمية المسألة أكبر من الوزير والحكومة لأنها تحتاج كما قلت إلى نقاش مجتمعي كبير يشارك فيه المجتمع المدني والفاعلين السياسيين وكافة الهيئات المعنية، وأيضا يتطلب حماس المجتمع وانخراطه بفاعلية لأنه طرف رئيسي في عملية النهوض بالمنظومة التعليمية. من جهة أخرى هناك مجموعة من الإنجازات يجب مراكمتها وهناك إشكالات يجب تجاوزها، وهذا الأمر يتطلب الاستمرارية وعدم التعجل في حصد النتائج. أستاذ الفلسفة وباحث في علم الاجتماع