وردتني مجموعة من الرسائل من بعض المدربين العرب ، تخصني بالحديث على ضرورة التزام الحياد ، و أن التدريب ينبغي أن يبقى بعيدا عن السياسة و القضايا السياسية. كما قرأت بعض التغريدات الفيسبوكية تدعوا هي الأخرى إلى عدم نشر "بوستات" أو بعض البطائق ذات طابع سياسي تحمل تعاطفا مع ما يجري في مصر الشقيقة إثر الإنقلاب العسكري على شرعيتها . فقلت يا سبحان الله ، ألهذا الحد أصبح المدرب مدربا "متواطئ " مع الظلم و القهر و الاستبداد؟ أليس المدرب الناجح هو ذاك الذي يحمل رسالة إنسانية تنبٌذ الشين و العنف و مصادرة حقوق الناس؟ أليس المدرب الحقيقي و الفعّال هو ذاك الذي يستهدف من خلال تدريبه التقويم و التعديل و التوجيه و التغيير الإيجابي؟ إن تقويم السلوك ، و تعديل المواقف و توجيه الفرد و المجتمع ، هي عمليات تحتاج الى إعادة مساءلة الأهداف و الغايات الكبرى من التدريب من جديد في ظل المتغيرات الجديدة في عالمنا العربي . فإذا كان الهدف من التدريب هو مساعدة الفرد للوصول إلى النجاح و تحقيق الأهداف و تغيير القناعات و نقل المجتمع من حال الى حال ، بمعنى من حال ووضع سلبيين الى اخر ايجابي . أمام ما حدث ، و مع ما و ردني من رسائل ، و عتاب من بعض الاخوة المدربين ، دعوني أقول لكم " أنا أعتقد و لا أشك في قناعتي بأن التدريب و المدرب لا ينحصر دوره عل تنظيم دورة هنا و هناك ، أو ان وظيفته هي عرض حزمة من الأفكار داخل قاعة مكيفة أو بمواصفات و شروط معينة ، كما لا يقتصر التدريب على القيام بحركات و ألعاب زادت أو قلت داخل الدورة التدريبية . إن المدرب الحقيقي هو الذي ينخرط في قضايا و هموم الأمة و يتألم لألمها، و لا يقبل الظلم فيها و الانقلاب على قيمها النبيلة ، و إلا سنكون أمام تدريب يؤسس لآليات جديدة لتسكين الشعوب و تخدير العقول ، تبرر القهر والعبودية. إذا كان هذا هو تصور من راسلني و رأيهم – و هو محترم طبعا- في التدريب ، فأنا اعتقد و سأظل على اعتقادي بأن التدريب فعلا رسالة و ليس تجارة و انخراط في التغيير الشمولي و الكلي لسلبيات افكار الفرد و المجتمع ، و نقلهما الى حالة فردوسية ، و إذا لم يكن للتدريب أهداف تتجاوز الحسابات الضيقة و النظرة التجزيئية و الاختزالية لقضاياه ، فبئس التدريب الذي يؤسس لإعادة انتاج نفس التركيبة البشرية ، و بئس المدرب المتواطئ الذي يبرر للقمع بدعوى الحياد ، و يتغافل عن القتل و الانقلاب بدعوى ذاك من شأن الأغيار. و في الختام أعتذر لكل من راسلني و طلب مني التراجع ، و ذهب الى حثي على التزام الحياد على اعتبار أن التدريب ينبغي أن يبقى بعيدا عن السياسة ، و اقول لهم ، أليس في بُعد المدرب عن السياسة هو في حد ذاته سياسة ؟ أليس في بعده هذا تسييس للتدريب و تكريس لسياسة التعتيم و تكميم الأفواه ؟