بعدما حسم ملك المغرب محمد السادس الجدل الذي رافق الأزمة السياسية بقبوله استقالة خمسة وزراء من بين ستة ينتمون إلى حزب الاستقلال الذي انسحب من الحكومة، تبنى رئيس هذه الأخيرة عبد الإله بنكيران خيار ترميم أغلبيته وبدء مشاورات مع عدد من الأحزاب الممثلة في البرلمان لتشكيل حكومة جديدة. وأثار هذا الخيار وما تلاه من أنباء حول دعوة بنكيران حزب التجمع الوطني للأحرار (المعارض) للانضمام إلى الأغلبية الحكومية، بعد التراشق الإعلامي بينهما إلى وقت قريب، تساؤلات حول طبيعة تحالفات ومستقبل حكومة بنكيران الثانية. وأجرى بنكيران في بداية الأسبوع الجاري مشاورات مع رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار صلاح الدين مزوار الذي أبدى -حسب بيان للحزب- استعدادا للمشاركة في انتظار قرار نهائي للأجهزة التقريرية للحزب، وكذا رد ضمني لبنكيران على شروطه التي قالت تقارير صحفية إنها تشمل تغيير البرنامج الحكومي. وفي المقابل أبدى حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض) عقب مشاورات بين بنكيران وأمينه العام مصطفى الباكوري رفضه أي مشاركة في الحكومة المقبلة، وتأكيده على أن تكون المشاورات المستقبلية محكومة بخلفيات سياسية هدفها التعاون وليس الاستعانة بالمعارضة في أوقات المشاكل، وهو ما يطرح التساؤل حول التكلفة السياسية لخيار بنكيران ترميم الحكومة بالاعتماد على خصوم الأمس. متاعب بنكيران ولم تنته متاعب بنكيران عند هذا الحد حيث طالب حليفه الحكومي حزب الحركة الشعبية بضرورة إعادة هيكلة جديدة للحكومة بعد تشكيلها في نسختها الثانية، وإعادة النظر في توزيع الحقائب الوزارية حتى يتسنى للحزب الحصول -حسب قوله- على قطاعات حكومية اجتماعية "تجعله قريبا من المواطنين". وفي هذا الإطار توقع عضو اللجنة الملكية الاستشارية لإعداد دستور 2011 أحمد حرزني بسقوط حكومة بنكيران الثانية في وقت وجيز، بسبب تحالفاتها الهشة وغياب ضمانات الاستقرار والاستمرار لديها. لكن عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين قلل من هذه التفاعلات، معتبرا في تصريح للجزيرة نت أن مشاورات بنكيران مع قادة مختلف الأحزاب "عادية، وتندرج في إطار تمرين ديمقراطي" مرتبط ببحث الحزب عن أغلبية جديدة من بين الأحزاب السياسية الموجودة داخل المشهد السياسي الوطني. وأكد حامي الدين أن المهم هو الالتزام خلال هذه المشاورات ببرنامج حكومي واضح، قائلا إن الحزب سيرفض الخضوع لأية شروط مسبقة في حال تعرضه لها، مما سيفرض -في نظره- التوجه إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة. من جهته يرى البرلماني يونس السكوري (من حزب الأصالة والمعاصرة المعارض) أن التوجه الذي اختاره بنكيران "طبيعي ويؤشر على عدم وجود تغيير حقيقي" داخل المشهد السياسي، مضيفا أن هذا الوضع هو الذي جعل حزب الأصالة واضحا في رفض أي مشاركة في الحكومة المقبلة. اختلال تدبيري وقال السكوري في تصريح للجزيرة نت إن الوضعية الحالية ستؤدي إلى" تمييع المشهد السياسي وغياب أي نتيجة"، موضحا أن المشكل "لا يكمن في استبدال أسماء وزراء" بقدر ما يكمن في الاختلال التدبيري لبنكيران في المرحلة الأولى لقيادته الحكومة. واعتبر أن حزب الأصالة والمعاصرة أكد في وقت سابق استعداده لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة "للابتعاد عن المزايدات السياسية، وتمكين المواطنين من اتخاذ القرارات عبر صناديق الاقتراع". أما الإعلامي توفيق بوعشرين فلاحظ أن بنكيران اختار "حلا ترقيعيا سهلا" عبر البحث عن ترميم الأغلبية الحكومية بأحزاب ذات توجهات مختلفة و"تفتقد استقلالية القرار"، وهو ما سيتولد عنه -حسب رأيه- حكومة جديدة "عرجاء لا تتمتع بالاستقرار خصوصا في القرارات الكبرى". واعتبر بوعشرين في تصريح للجزيرة نت أنه كان على بنكيران اللجوء مباشرة إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة من شأنها أن تسفر عن مشهد سياسي أكثر وضوحا وأقل بلقنة. وأكد في هذا الصدد أن المغرب محتاج في الوقت الحالي إلى حكومة مستقرة تتكون من أطراف متوازنة في توجهاتها. يذكر أن الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية تضم كلا من حزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاستقلال المنسحب. المصدر:الجزيرة