شكل حراك الريف، المتفجر بتصاعد، منذ ثمانية شهور، محور حلقة دراسية نظمها المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة مساء الثلاثاء في الرباط، بعنوان «المشهد السياسي في المغرب بين تفاعلات الحراك الاجتماعي وآفاق المسار الديمقراطي»، سلّط خلالها مجموعة من الباحثين الضوء على المشهد السياسي المغربي. وحاول المشاركون الإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي يطرحها راهن البلاد، بعد أن ذهبت الدولة في تدبيرها للحراك، في متاهات انتهاكات لحقوق الإنسان، من حملة اعتقالات لقادة الحراك وما تعرضوا له من تعذيب وإهانات إلى العنف في فض التظاهرات الاحتجاجية وآخر الانتهاكات تسريب فيديو لقائد الحراك ناصر الزفزافي شبه عار، لتؤجج الاحتجاجات وتعمق الحراك باتجاه الحقوقي والسياسي مع أن مطالبه كانت تنموية واجتماعية، ويتوسع من محلي إلى وطني مع اهتمام دولي، وربط كل ذلك ما شهدته الحياة السياسية المغربية منذ بداية اكتوبر الماضي بفوز حزب العدالة والتنمية (ذي المرجعية الإسلامية) بالمرتبة الاولى وتعيين زعيمه عبد الاله بن كيران رئيسا للحكومة لولاية ثانية وسعي أطراف بالدولة إلى عرقلة مهامه وإفشاله في تأمين أغلبيته. وقال حسن طارق، المحلل السياسي والبرلماني السابق إن «ما يقع حاليا دليل على فشل منظومة هيمنة الدولة على المجتمع»، و»دليل على فشل هيمنة نفس إداري وأمني حول المجتمع وصل إلى أنفاسه الأخيرة لأننا أمام تحولات بنيوية كبيرة داخل المجتمع الذي بات في طريقه إلى التحرر من الهيمنة والتحرر من الخوف ومن آلية الضبط القبلي». وأوضح طارق أن «الدولة انتصرت وتوجد في وضع جيد بالمقارنة مع الفاعلين الآخرين لأنها استطاعت أن ترمي حزب العدالة والتنمية إلى وضع الهشاشة»، ونجحت في تدبير توازناتها، لأن هناك تحللا عن دستور 2011، وعودة الملكية التنفيدية». وأضاف أن هناك أزمة بنيوية تعيش فيها الدولة، إذ لديها أزمة استيعاب لما يقع من تطورات داخل المجمتع «المجتمع يريد أن يقاوم وسيبحث عن تعبيرات أخرى خارج الأحزاب إذا مستوى التحكم في الأحزاب يجعل البعض يعتبر أن الحديث في السياسية هو الحوار بشكل مباشر مع الملك «، لتصبح الدولة في مواجهة الهامش. وأوضح طارق أن «الحراك سيتزايد والطلب عن الكرامة سيكون هو العنوان السياسي للمرحلة المقبلة»، مؤكدا هناك عودة للملكية التنفيدية على حساب البرلمان والأحزاب ومن جهة أخرى المجتمع يتقدم، عقيدة المساءلة داخله تتقوى باعتبارها الفكرة المتبقية من حراك 20 فبراير» الذي اندلع في سياق الربيع العربي 2011 وأكد أن «حركة المساءلة ستجعلنا أمام تناقض بين المؤسسية الملكية التي تعود بعقيدة الإنجاز وبين المجتمع الذي فقد ثقته بالمؤسسات» و»هذا معناه سنكون أمام عناصر توتر مستمر بين الدولة والمجتمع «. وقال أستاذ العلوم السياسية عن مقطع الفيديو الأخير لناصر الزفزافي، الذي خلّف ردود فعل غاضبة «السلطة التي أرادت تعرية ناصر بَيَّنت كَمْ هي عارية وفاقدة لشرعية أخلاقية» وواقعة تسريب مقطع الفيديو «تشكل تحولا كبيرا في شعارات المناصفة وحقوق الإنسان». ورَبَط طارق تسريب مقطع الفيديو الذي يظهرُ فيه قائد حَراك الريف، ناصر الزفزافي، شبْهَ عار، والذي عدّه المتابعون إهانة وتعذيبا نفسيا له، وما أعقبَه من بلاغات وبلاغات مضادّة، ب»غياب مبدأ ربْط المسؤولية بالمحاسبة؛ حيث تشتغلُ الأجهزة خارج نظام المسؤولية والمحاسبة، ما يجعلها في منأى عن المساءلة أمام ممثلي الشعب»، مضيفا: «في مثل هذا المناخ السياسي لا يمكن إلا أن تنتعش مَحميَّاتُ ومناطقُ النفوذ وتتوغّل؛ لأنها تستأنس ممارسة عملها في منظومة بعيدة عن الشفافية وعن دولة القانون». وتطرق طارق للتخوّف من مآلات ما يقع من تسريبات وتسريبات مضادّة «قدْ يُقرأ ما يجري بشكل بريء، كتعقّد بنيات التعاطي مع حراك الريف، وأن هناك تعقدّات في التعامل مع هذا الملف بين المؤسسة المركزية والمؤسسات الأخرى، ولكن الذي يثير التخوّف هو أن يكون ما يجري تجاذُبا وانفلاتا وصراعا بين الأجهزة والبنيات المركزية، قد يرهن الدولة نفسها». واعتبر أنَّ الديمقراطية تقدّم حلاّ لتجاوز هذا المخاض؛ ذلك أن تقعيدَ أسسها يُفضي إلى الحكامة الأمنية من خلال ربط القرار الأمني بالشرعية وبالقانون وبالشفافية، وأساسا بالقرار السياسي، «عندما يتحول القرار الأمني إلى الاعتقاد بأنه الوحيد الذي يقدم الجواب السياسي، فإننا نتحول من نظام سياسي يؤدي فيه الأمن وظيفةً إلى نظام سياسي يرتهن للقرار الأمني». وقال عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إنه من السذاجة ربط احتجاجات الحسيمة بمشروع منارة المتوسط «قلنا قبل بدء الحراك وموت فكري، لاحظنا خروقات بالجملة التسجيل في اللوائح الانتخابية، والتلاعب بالانتخابات وأن تسعة أحزاب نددت بنتائج الانتخابات حيث حصل حزب الأصالة والمعاصرة على مقعدين ضمن أربعة». وأوضح حامي الدين أن «ما حصل هو أن الجواب الأمني أفرز خروقات وعودة ادعاأت وجود تعذيب» أن التقرير الذي أصدره طبيبان شرعيان بتكليف من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكد ادعاأت معتقلي الحراك بوجود ادعاأت حقيقية للتعذيب، لكن وزير العدل لم يفتح تحقيقا ولم يعترف بها كجريمة مستقلة والقانون يلزم السلطة بفتح تحقيق» وأضاف أن «الجواب الأمني فاشل والجواب السياسي له كلفة والدولة غير مستعدة». وتحدث محمد الهلالي، رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة عن «التناقض الحاصل بين عقْل الدولة ومزاج السلطة»، في تدبير الأمور الاستراتيجية، من خلال مؤشرات على وجود تردُّد إزاء الحسم في مسألة الانتقال الديمقراطي وقال «لا أحد يستطيع أن يُنكر أنَّ المغرب سجّل تميُّزا على مستوى تعاطيه مع الاحتجاجات التي عرفها إبّان الربيع العربي»، حيث أنّ خطاب الملك يوم 9 اذار/ مارس 2011 كان «مؤشرا على وجود إرادة عالية للمُضيّ قُدُما في مسار الانتقال الديمقراطي»، وإن إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية، والتعاطي مع القوى اليسارية، ما يؤشر على أنّ هناك «خطا تصاعديا في الاتجاه الديمقراطي». وقال إنه في مقابل هذا الجانب المُشرق من الصورة، هناك الجانب الآخرَ «سمَتُه النكوص والتراجع»، مُعدّدا جُملة من المؤشرات الدالة على ذلك، منها ما كان قد أشار إليه رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، حول وجود «دولتين» داخل الدولة، وعدم التأويل الديمقراطي للدستور، والانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع وما تلاه من «بلوكاج سياسي»، وعودة الطلب القوي على الملكية التنفيذية، وتدخّلات مستشاري الملك التي تتجاوز الطبيعة الاستشارية، وتبخيس السياسة، وتقويض المؤسسات الحزبية، واستهداف الحياة الخاصة للمعارضين، ورفض فتح ملفات الريع والفساد. وأضاف في خضمّ هذا المدّ والجزر الذي يطبع مسار الانتقال الديمقراطي في المغرب، فإنّه «لا حلَّ أمام أصحاب القرار في المغرب، إنْ هم رغبوا في حلِّ الإشكالات الاجتماعية والقضايا الأساسية،وعلى رأسها قضية الصحراء، والانضمام إلى نادي الدول الصاعدة، سوى «ببناء نموذج ديمقراطي حقيقي»، والقطع مع «المزاج السلطوي الحادّ الذي لم يعُد قادرا على تدبير فائض الوعي الشبابي والمجتمعي الذي فرَّ من الوسائل التقليدية للاحتجاج إلى وسائلَ أخرى حديثة أكثر فعالية واستعصاء على التحكّم». وأكد الهلالي صعوبة توقع سيناريو لمآل التطورات السياسية والاخيرة ومن بينها الحراك في الريف وتداعياته ذلك أنّ كل المؤشرات «تدلّ على أنّ كل دواليب الدولة تشهد حراكا يتأرجح بين السير في الاتجاه الديمقراطي، أو ترْك المجال لمزاج السلطة لإلحاق المملكة بالدول الفاشلة و»لسنا بعيدين لنكون في خانة هذه الدول إذا لم نتدارك الأمر». (المصدر: القدس العربي)