طارق الرايس، شاب مغربي من مدينة الدارالبيضاء، ترك صخب المدينة وروتين العمل اليومي، واختار الفرار معانقا الطبيعة في مغامرة تشبه إلى حدما قصة الفيلم الأمريكي «Into the wild». غادر عمله ونشاطاته اليومية المعتادة، متابعاً انجذابه القديم للسفر وذكريات طفولته. «أحسست أنني لم أخلق للتقيد بعمل، إنها ليست هذه الحياة التي أريد، لهذا استقلت من عملي نهائيا، حملت معدات التخييم، ولوح التزلج وآلة التصوير واتجهت جنوبا» يقول ل« القدس العربي». دامت الرحلة قرابة شهر، وهو يسير بمحاذاة ساحل الأطلسي، وصولا إلى مدينة الداخلة، وعودة منها إلى الدارالبيضاء، «في الطبيعة، إضافة إلى الراحة، تعرف نفسك أكثر، تحدد قدراتك، نقاط قوتك ونقاط ضعفك، وتحس فعلا أنك حي». وفضلاً عن الدافع الذاتي للسفر، يستغل طارق مواهبه في التصوير والتصميم، ويفتح تجربته على العموم من خلال صور وفيديوهات فنية التقطها خلال سفره. صور ومقاطع فيديو، تجسد جمال الطبيعة ومتعة الترحال، جمعها في مشروع فني سماه «تارولا»، حول ذلك يقول: «فكرة المشروع لم تكن أساسية في رحلتي، بل لم تكن مطروحة حتى بعد نهايتها، عندما رجعت إلى المنزل وجدت بحوزتي مجموعة صور ومقاطع فيديو تستحق العرض، هكذا بدأ مشروع تارولا». وحسب طارق، «المسير بمفردك يعلمك التوحد مع ذاتك، كذلك يمكّنك من التواصل أكثر مع من تصادف في طريقك، أما أنا فتعلمت أولا قدرات نفسي، ثانيا قدرات وطرق التقليل من الاستهلاك والخروج من عالم التصنيع والتواصلات الافتراضية، وتعلمت أيضا كيفية استغلال كل الإمكانيات من أجل البقاء». هذا الشاب، ليس تجربة منفردة، وسط هذا التيار الشبابي الطافي على السطح، والذي اختار الترحال هواية له. ففي السنوات الأخيرة ارتفع عدد الشباب المغاربة الرحالة بشكل كبير، بل وعاد الترحال أسلوب حياة عند بعضهم، أما لدى البعض الآخر فهي الطريقة الشبابية الأمثل للاستجمام وقضاء العطل الصيفية، بعيدا عن المدن السياحية والوجهات المعروفة في المغرب. ويقوم المبدأ الأساسي للترحال على المغامرة، والحرية، والتخلص من العادات الاستهلاكية التي تقيد الفرد، وذلك بالعودة إلى الذات خلال السفر، والانفتاح على معرفة ثقافات جديدة وأناس جدد. وكذلك تطوير أساليب حياة صحية، ومواجهة كل الصعاب من أجل البقاء. والتساؤل حول الدافع الأساسي لإقبال عدد كبير على هذه الهواية، يحيلنا إلى طرح فرضيات للإجابة. منها أنها نتاج لحالة نقصان وضيق نفسي نظرا لأوضاع التي يعيشها الشاب المغربي. ذلك يجعل بعضا منهم يختار هذا الملجأ لتخفيف عن حاله في ما يشبه تصوفا جديدا، تنصلا وانفصالا بطرق جديدة عن الواقع عوض الصراع من داخله، ونزوعا إلى إيجاد متع خارج آلامهم بين أهلهم داخل المدن. حركات «الهيبيز» التي انتشرت بين شباب الستينيات والسبعينيات في العالم، ومنه في المغرب والتي تعتبر ملهما أساسيا لأغلب الرحالة اليوم، كانت احتجاجا محايدا عن الواقع وذلك: بترك القيد في الحضارة، والتحرر في الطبيعة. زد على ذلك الكلفة القليلة لترحال، بل والرحالة الجيد هو الذي يسافر بأقل كلفة، تحفز الاقبال عليه أكثر، في حين تتعذر إمكانية السفر العادي لأغلب فئات الشباب. قد تختلف النظرة إلى الترحال وتعليل دوافع بين عموم الشباب الممارسين له، غير أنها تبقى متعة تجمعهم، مادام المغرب يوفر لهم مجالا جغرافيا طبيعيا جد متنوع، ومغري أكثر للاكتشاف. (القدس العربي)