أن يرتكب مثقف خطأ لغويا أو خطأين فيما ينشره من مقالات وكتب يُعد أمرا عاديا، لكن أن تتواتر الأخطاء بالجملة (وهي بالمناسبة أخطاء لغوية غير مقبولة من تلميذ في المرحلة الثانوية) فهذا أمر يدعو إلى النظر في مصداقية كل من يدعي الانتساب إلى فئة المثقفين ... لا أتحدث هنا عما بات يعرف بالأخطاء الشائعة، فالمثقفون بخصوصها فئات ومشارب، منهم من لا يلتفت إليها عن جهل أو عن موقف مسبق، ومنهم من يحرص على تعديل صيغه و كلماته كلما اهتدى، بطريقة أو أخرى، إلى صوابها (طبعا ضمن شعار الكمال لله و"ما أوتيتم من العلم إلا قليلا"). مناسبة هذه المقدمة هو مقال رأي منشور في جريدة "هسبريس" الإلكترونية يناقش صاحبه أمر الثقافة والمثقفين في المغرب، تتضمن أخطاء لغوية تكشف عن عدم حرص لا يليق بمن يخوض في موضوع الثقافة، لأن الحرص على سلامة اللغة عند الكتابة والنشر مظهر من مظاهر الثقافة. هذا إذا كان الكاتب حريصا على الانتماء إلى فئة المثقفين ... بل إن الدعوة إلى سلامة اللغة وحسن التعبير تصبح أكثر إلحاحا إذا كان الكاتب يخوض في أمور الدين ،أو يتولى مسؤولية في جماعة أو حركة إسلامية، فلا يعقل أن نتصور فقيها أو خطيب جمعة يعظ الناس وهو يَلْحن في اللغة، ألم يُجمع علماء المسلمين على أن إتقان علوم العربية شرط أساس من شروط الفقه والتفسير والفتيا ...؟ْ إن كاتبا لا يتدارك لغته بالتنقيح والتهذيب ويترك للقارئ العادي أمر الوقوف على أخطائه اللغوية الفادحة (ومرة أخرى أنبه إلى أن المقصود ليس الأخطاء الشائعة التي لا يخلو منها، في أيامنا هذه، مقالُ كاتب كَبُر أو صَغُر حجمه) لهو أعجز عن تدقيق معرفته (كيفما كانت مشارب هذه المعرفة)، فاللغة وطيدة الصلة بالفكر، وإتقانها أو على الأقل التعبير بها وفق قواعدها المتواضع عليها دليل على سلامة ووضوح أفكار صاحبها، وإلا فكيف يَنْشُد القارئ الدقة والفائدة في كتاب أو مقال كاتب يَلْحَن في كلامه ويُكثر من الأخطاء اللغوية؟ وحتى أنتقل إلى التمثيل على ما سبق أسوق أمام القارئ الكريم أخطاء لغوية فادحة اجتمعت في مقال واحد منشور في الجريدة الإلكترونية المذكورة : لكوننا معنيون ( الصواب: معنيين ) أما أن تلقي كلام على عواهنه ( الصواب: كلاما ) أملاه عليّ اعتبارين ( الصواب: اعتباران) لأن هناك خياران ( الصواب: خيارين ) دونك خرق القتاد ( الصواب: خرط لأن القتاد نبات صلب له شوك كالإبر فيقال للتحدي دونك خرط وليس خرق القتاد أي دونك حث شوكه إن استطعت ) وتجدر الإشارة إلى أنه ما كان لي أن ألتفت إلى مثل هذه الأخطاء اللغوية، التي قد يراها البعض هينة لاتستحق الاهتمام، لولا تواترها في مقال يناقش قضية الثقافة والمثقفين.