ذاعت في العقد الأخير شهرة زيت الارغان المغربي الذي تضاعف الطلب عليه أوروبيا في صناعات الأدوية ومستحضرات التجميل، فضلاً عن قيمته النادرة غذائيا وطبياً، إذ يعد واقياً من أمراض القلب والأوعية الدموية، ومعززاً لجهاز المناعة، ومجدداً للأنسجة، ليعتبر كنزاً مغربياً طبيعياً هو الأثمن. وينتشر شجر الأرغان أو "لوز البربر"في وسط المغرب وتحديداً في منطقة سوس (أكادير وتارودانت والصويرة)، ومن هناك تم نشرها في بعض اقاليم الجزائر، كما نقلها اليهود الى فلسطينالمحتلة حيث زرعت في مناطق صحراء النقب ووادي عربة، وقد عمرت هذه الشجرة ملايين السنين، وتمتلك قدرة هائلة لمقاومة الجفاف ومحاربة ظاهرة التصحر. أنواعه وخصائصه تشير مصادر علمية إلى أن أول من اهتم بشجرة "الأرغان" هو ابن البيطار، أبرز علماء العقاقير والأغذية، وذلك منذ القرن الثالث عشر الميلادي. وارتباط سكان المنطقة، وهم من أصول أمازيغية، بشجرة الأرغان التي يصل عمر الواحدة منها إلى قرنين، جعل منها عنصرا محوريا في حياتهم، ورفع درجة اهتمامهم بها وحرصهم على صونها لأجل الأجيال المقبلة. لكن الإقبال العالمي على استهلاك زيوت "الأرغان" بعد اكتشاف فوائدها المعجزة، بدأ يهدد مستقبل سكان جبال الأطلس الصغير الذين يعتمدون عليها بشكل كبير في حياتهم اليومية. يستعمل زيت الأرغان في أغراض التغذية والتجميل وبعض العلاجات الطبية، كما تستغل فضلاته كعلف مقوٍ للماشية. يمتاز المطبخ المغربي باستعمال "الذهب السائل" في اهم الوصفات، لا سيما الكسكس والطاجين والعصيدة، وذلك بعد تحميصه واستخراج زيوته البنية اللون. فيما تستخرج الزيوت ذات اللون الأصفر الذهبي للاستعمال الطبي والتجميلي بعدما تيبس الثمرة فيستعمل كمرطب للبشرة ومقو لبصلة الشعر ويدخل في تركيبات أهم مستحضرات التجميل الراقية. فيتم تحضير الزيت بطريقة العصر للحفاظ على العناصر المغذية والفيتامينات، إذ استخدم زيت الارغان منذ القدم من قبل النساء الأمازيغيات كمرطب للبشرة الجافة وكمضاد للتجاعيد، وذلك لاحتوائه على الأحماض الدهنية الأساسية "أوميغا 6″ و"أوميغا 9" ومضادات الأكسدة وجفاف البشرة. وفي مستحضرات التجميل يستعمل زيت الأركان كمضاد لحب الشباب، والصدفية ولإحمرار الجلد، إذ يحتوي على مقدار عال من فيتامين "E" والأحماض الدهنية الأساسية، ويستفاد منه في تنظيف البشرة من ندوب حب الشباب ويعطيها النعومه واللمعان وفي حالة الخطوط البيضاء والتشققات ومغذٍ للشعر وفروة الرأس ويقضي على القشرة، كما يعطي الشعر لمعانا وبريقا وملمسا حريريا و يفيد في الوقاية من خطوط الحمل على جلد البطن وعلاجها، ويحفز الوظائف الحيوية لخلايا الجلد، ويقاوم شيخوخته. حماية وتراث عملت السلطات المغربية على حماية انتاج الارغان وشجعت على زراعته وانتشاره في المملكة الأطلسية، فأسست هيئات وتعاونيات لمساعدة المزارعين وحفزت مراكز البحث العلمي في المغرب وإدارة المياه والغابات ورجال الصناعة على الاهتمام بهذه التجارة المهمة، وأدرجت منظمة اليونيسكو شجرة أرغان والممارسات المتعلقة بها ضمن لائحة التراث العالمي الإنساني اللامادي عام 2005. وتمثل العائدات من بيع زيت الأرغان، بين 25 % و45 % من دخل العائلات المغربية في منطقة "واد سوس"، وحاول المزارعون والمهتمون بانتاج الارغان زرعها في مناطق أخرى مثل مراكش، إلا انها لم تعط الثمر برغم نموها بشكل طبيعي، إذ اكتشف علماء عملوا على نشر الارغان في بيئات مشابهة أن الشجرة النادرة لا تنمو إلا في ظروف محددة للغاية لم يعثر عليها إلا في المغرب والمكسيك. خطر الانقراض يواجه شجر الأرغان خطر الانقراض حالياً، ففي الخمسينات كانت مساحة "الذهب السائل" تقدر بحوالى 800 الف هكتار تقلصت حاليا الى النصف، بسبب البناء وشق الطرقات السريعة واستغلال السكان المحليين خشب الأرغان للتدفئة، فضلاً عن بعض العوامل المناخية والتلوث الواصل من المناطق الصناعية القريبة من مدينة أكادير. وفي محاولة منها للحفاظ على تلك الشجرة الثمينة، شكلت وزارة الزراعة المغربية قبل أربع سنوات هيئة لانقاذ غابات أشجار الأرغان والحفاظ على استمراريتها. وتهدف الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأرغان الى اقامة مزارع حديثة تعتمد على أحدث أساليب الري وزيادة انتاج زيت الأرغان. وحولت زيادة الطلب على زيت الأرغان المناطق المحيطة بأغادير والصويرة الى خلية من تعاونيات العمال على نطاق صغير مخصصة لعصر الزيت من لب ثمار شجرة الأرغان. ونظمت نساء الأمازيغ (البربر) اللاتي لم يعتدن العمل خارج بيوتهن أنفسهن في تعاونيات تجارية الآن حيث يكسرن بالأيدي ثمار الأرغان وهي تقنية اعتدنها منذ قرون حيث يحطمن جدار الثمرة بحجر. منافسة "إسرائيلية" اكتشف "الاسرائيليون" أهمية الأرغان وتمكنوا من كشف سر زراعة الشجرة في صحراء النقب جنوبفلسطينالمحتلة، ودخلوا سوق المنافسة مع المغرب من خلال تسويق الزيوت المستخلصة من ثمار هذه الشجرة النادرة، إذ زرعت شركة "سيفان" "الإسرائيلية" المختصة بتجارة الزيوت 2500 شجرة في مناطق عسقلان، وعرافا، وصحراء النقب، وتنوي الشروع في تسويق زيت الأرغان، عندما تصبح هذه الأشجار في الإنتاج، وأشارت الى ان الزراعة نجحت بشكل كبير وهي أكثر مقاومة للجفاف، كما أنها قادرة على إنتاج حبات الأرغان بنسبة تفوق الأشجار المغربية بعشرة في المئة. *المصدر: النهار اللبنانية