إن الإسلام دين القوة ، يشيد بالقوة العاقلة الفاضلة ويمجدها ، ويمقت الضعف والعجز ويحمل عليهما ، فلا مجال للخنوع والدروشة في صفوف المسلمين ، ولا يستسيغ لمسلم يعتز بدينه ، فردا أو جماعة أو دولة ، الاستجداء للأقوياء ، قال تعالى :" وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" آل عمران 146 ، وقال سبحانه :"إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها "وقال أيضا :"وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " ... ولم يمقت الإسلام الاستكانة والهوان إلا ليحب القوة والعزة والعلو ، مما يحتم على أهله أن يملكوا وسائلها لحمايته والدفاع عن كيانهم ، وإرهاب العدو الذي يتربص بهم ... وإن أهلنا في غزة المحاصرة قد عملوا بهذا المبدأ ، فطوروا عدتهم وعتادهم ، فبعد البداية البسيطة بصواريخ لا يتعدى مداها 3 كلم ، ها نحن في معركة " الطير الأبايبل" نرى بأم أعيننا قفزة نوعية في هذا المجال ، فسمعنا عن صاروخ الشهيد الرنتيسي والجعبري رحمهما الله ... ثم فاجأت حركة المقاومة الإسلامية العدو الصهيوني بطائرات استطلاع بدون طيار ، تحمل صواريخ تستطيع بفضلها قصف العمق الإسرائيلي ، ثم إن الذي يلفت الانتباه أكثر هو شهامة رجالات حماس الأشاوس ، فإني أحيي فيهم عزة النفس وهم يوجهون رسالات تحذيرية إلى شعب إسرائيل من المدنيين ، ويطالبونهم بضوروة اللجوء إلى المخابئ ...وهي رسالة قوية من حماس مفادها أننا نقاوم الغطرسة والجبروت بما نملك من قوة وعتاد ...لكننا لا نعتدي على الأبرياء رغم اعتداء الكيان الصهيوني بجبروته وآلاته التدميرية من كل الأصناف على الشعب الفلسطيني الأعزل بكل مكوناته شبابا وشيابا أطفالا ونساءا ... وإذا كانت قوة العتاد مطلوبة ، فإن أهم قوة وأفضلها عند المسلمين هي قوة الإيمان ، فهي في المنزلة العليا في استنزال النصر من عند الله ، ولذلك قال أحد المفكرين رحمه الله : "من لا يملكون العقيدة التي تصنع المعنويات لا يملكون السلاح ولا القضية "تصحيحا لقولة بعض الغربيين :" من لا يملكون السلاح لا يملكون القضية" ...وإن تاريخنا المجيد ليزخر بكثير من المشاهد التي غلبت فيها قوة الإيمان مع قلة العتاد جبروت المجرمين و المارقين ... ومعركة بدر التي نعيش ذكراها في هذه الأيام خير برهان ،فقد غلب المسلمون رغم قلتهم قريشا بعتادها ورجالها وتجاربها الحربية ... لم يكن ذلك إلا بقوة الإيمان ، وبالعقيدة الراسخة التي جعلت المسلمين يومئذ أمة تدافع عن "قضية" بيقين وعزيمة راسخين ...وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا يوم بدر يقود جيش المسلمين ، فإن حضور خالد بن الوليد رضي الله عنه بمعركة اليرموك يزكي رسوخ هذا المبدأ بالضرورة عند قادة المسلمين خاصة ، فقد قال لأحدهم - وهو يردد:"ما أكثر الروم وأقل المسلمين" – ما أقل الروم وأكثر المسلمين ، إنما تكثر الجند بالنصر وتقل بالخذلان "... وفي صفوف الغربيين نجد نابليون يقول : " إن قيمة المعنويات بالنسبة إلى القوة المادية هي الثلث (1/3)" لأن القوة المعنوية ، قوة العقيدة تؤدي إلى الإخلاص وصدق الجهاد وصفاء النية وطهارة الطوية ، ولا شك أن قوي الإيمان هو الذي يجهر بكلمة الحق ، ويستجيب لدعوة الصدق ، ويؤدي عمله بإتقان وإحسان . لقد جاءت في القرآن الكريم آية تشمل الدعوة إلى كل أنواع القوة المعنوية والمادية وهي قوله تعالى : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " ... فأمر الله المؤمنين بأن يجعلوا الاستعداد للحرب التي تدفع العدوان وتحفظ النفوس وتصون الحقوق بأمرين : 1/ إعداد جميع أسباب القوة بقدر الاستطاعة ، والقوة هنا ليس بالضرورة قوة السلاح ، فقد تكون قوة العلم أو قوة الاخلاق أو قوة الاقتصاد ...إلخ . 2/ المرابطة على الحدود والثغور بالجنود المدربين و وسائل الانتقال السريع ، فعند نزول الآية كان الخيل أسرع الوسائل ... إن حركة المقاومة الإسلامية حماس ومن في صفها من حركات المقاومة كالجهاد الإسلامي وكتائب أبو علي مصطفى وغيرها ... عملت جميعا بهذه الآية ، فاستعدت لمجابهة عدوان الصهاينة بما توفر لديها من مقومات ومعدات على بساطها وتسلحت قبل هذا بقوة العقيدة والإيمان الراسخ بالقضية...كانت النتيجة إيجابية جدا ، فاجتمع لديها عتاد يؤرق العدو الغاشم من صواريخ تضرب العمق الإسرائيلي ، و طائرات تؤرقه جوا ، ومجاهدين من نوعية خاصة بحرا ...مما جعل الصهاينة يحركون خدامهم الأوفياء في كل العواصم من أجل النجدة والإنقاد ، فسمعنا عن مبادرة مصرية ملغومة قمين لها تسمى "طوق النجاة" وأظن الراقمين لها نسوا أن يضيفوا " لإسرائيل" ،لأنها حقا جاءت لتخرج الصهاينة من النفق الضيق الذي دخلوه ، ولتركيع المقاومة الباسلة ...لكن هيهات هيهات ... إن العدو الصهيوني سيفكر آلاف المرات قبل أن يتجرأ مجددا على أراضي فلسطين ...فقط لأن فيها رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، لهم قضية دافعوا عنها وسيظلون... ولهم قوة عاقلة ستفتح لهم أبواب النصر ولو بعد حين .