قال بلال التليدي إن حزب الأصالة والمعاصرة ليس كل التحكم، إنما هو مجرد واجهته وأداته السياسية، وأن طبيعة تركيبته التنيظيمية والبشرية الهجينة تعكس هجانة المركب المصلحي الذي يمثله، كما أن طبيعته الهيمينة تعكس أيضا الطبيعة السلطوية التي يتميز بها هذا المركب المصلحي الذي يوظف مراكز القوى المتعددة، ويخترق السلطة والإدارة والقضاء والأعمال والإعلام، ويسعى لخلق التوتر بين المؤسسات وبين الملكية والحكومة ورئاستها لتبرير حاجة السلطة إلى التحالف معه، وميز التليدي بين أطروحة المؤسسة الملكية التي تقوم على منطق التوازن السياسي والمؤسساتي لضمان سلاسة الإصلاح دون المس بالاستقرار، وبين أطروحة التحكم التي لا يهمها الاستقرار بقدر ما يهمها القضاء على القوى الديمقراطية التي تواجه قاعدتها المادية غير الشرعية. وانتقد بلال التليدي بشدة أطروحة امحمد جبرون التي تطابق بين الملكية وبين التحكم، وميز في تحليله لأطروحة العدالة والتنمية بين التحكم باعتباره مركبا مصلحيا تشكل عبر مسار طويل من الممارسة السياسية يضطر في كل لحظة أن يعلن عن تمظهره السياسي عبر إنشاء حزب سياسي تحكمي، وبين المؤسسة الملكية باعتبارها تعبيرا عن امتداد حركة إصلاحية تاريخية في المجتمع، تحولت إلى نظام حكم سياسي، تتمتع بفضل صفاتها الدينية والإصلاحية والتوحيدية والضمانية والتحكيمية بشرعية غير متنافس حولها. وأوضح عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية في الندوة التي نظمها مركز هسبريس للدراسات والإعلام أمس الخميس أن الملكية عبر مسارها التاريخي الطويل ظلت تحتفظ بهذه الصفات، واضطرت بفعل صفتها التنفيذية وهويتها الإصلاحية للنضال على واجهتين: واجهة ضد القوى الإصلاحية التي تنازعها صفتها التنفيذية، وواجهة ضد المركب المصلحي لتحجم من قوته وتمنعها من التحول إلى تهديد حقيقي للملكية كما حدث في انقلاب 1971 و1انقلاب 1972، وأضاف التليدي بأن حزب العدالة والتنمية ربما كان الحزب السياسي الوحيد الذي تجاوب مع المؤسسة الملكية وفهم خصوصيتها، وانخرط بجدبة في التماهي مع مشروعها الإصلاحي، وفي الوقت ذاته لم ينازع صفتها التنفيذية، إذ عبرت قيادة الحزب أكثر من مرة بأن منطقها في الاشتغال مع الملكية قائم على التعاون والتشاور والنصح. وأوضح التليدي، بأن الحفاظ على التوازن ألجأ الملكية في بعض اللحظات إلى توظيف التحكم كما حصل في فترات من حكم الملك الحسن الثاني، لكن في عهد الملك محمد السادس، فإن الملكية ظلت محافظة على حيادها ورفضت الانجرار إلى منطق التحكم في خمس محطات على الأقل، ذكر منها محطة 2003 التي رفض فيها الملك حل حزب العدالة والتنمية في الوقت الذي اشتغل التحكم على عنوان استئصاله، ومحطة 2009 التي اشتغل فيها التحكم على استئصال العدالة والتنمية من جميع مواقع التسيير في المؤسسات المنتخبة محليا وإقليما وجهويا، ونجح الحزب بفضل عدم انجرار الملكية للتحالف مع الحكم في كسب مواقع جد متقدمة في عدد من المدن (القنيطرة، تطوان…..) وإنجاح التحالفات مع الاتحاد الاشتراكي ضدا على رغبات التحكم، ثم في محطة 2011، حين انحازت الملكية للإرادة الشعبية ضدا على التحكم من خلال خطاب 9 مارس ومسار الآلية السياسية المواكبة للوثيقة الدستورية، وضمان نزاهة الاختيار الديمقراطي، والتزام المنهجية الديمقراطية بتعيين الأمين العام للعدالة والتنمية رئيسا للحكومة، ثم في محطة 2013، حين دفع التحكم إلى خلق التوتر داخل الأغلبية الحكومية، وأوهم حزب الاستقلال بمكاسب الانسحاب من الحكومة، واستغل رياح الخريف الديمقراطي إقليميا لإخراج العدالة والتنمية من السلطة، فدعم الملك استمرار التجربة الحكومية في نسختها الثانية، ثم محطة 2015، التي ضمنت فيها الملكية سلامة ونزاهة العملية الانتخابية، واكتسح العدالة والتنمية المدن، مؤكدا بنتائجه قوة حصيلته وضعف رهانات خصومه. ورفعا لبعض الالتباسات التي أوردها بعض المتدخلين في الندوة بالاستناد على بعض المؤشرات لبيان التطابق بين الملكية والتحكم، أشار التليدي بأن خطاب العرش الأخير كان حاسما حين عبرت الملكية عن وقوفها على مسافة من كل الأحزاب، وأن حزبها هو المغرب، وأن المؤشرات المقلقة التي ظهرت، وبشكل خاص سلوك جزب من الإدارة الترابية، ليست في الحقيقة سوى بعض الاستجابات لضغوط المركب المصلحي الذي له امتدادات داخل السلطة والإدارة الترابية، وأن هذا التوتر ليس جديدا، فقد سبق حدوثه بكثافة في انتخابات 2009، ثم أيضا وجزئيا في انتخابات 2011، وبرز أيضا مع محطة 2015، لكن اثره كان محدودا هذا إن لم يكن عكسيا. وتوقع التليدي أن يفوز العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وأن تستمر التجربة الحكومية، ولم يستبعد أن تقع بعض التحولات على مستوى تحالفاته، لكنه ربط ذلك بنتائج الانتخابات.