مهلا، نحن نتحدث عن الرؤوس اليانعة،،، لذلك فهو موضوع شيق وحساس، شيق لمن يحب المغامرة وقراءة قصص المعارك وحكايا الغزوات، شيق لمن تأسره أحاديث المواجهات الساخنة، وحكايا الكر والفر، وتؤنسه تفاصيل الروايات وفصولها، شيق أيضا لمن يؤمن بالحق والعدل فلا يضيق صدره بحق ولا يضيره عدل. وحساس لأن بعض الصيادين المتربصين لا يهمهم حكي ولا ينعش ذاكرتهم رأي، ولا تهمهم قضية، إنما همهم تقطيع الكلمات وبتر معانيها، وتأويلها أو تزويرها، يركزون بعناية ودقة متناهية موجهين فوهات بنادقهم متربصين بكل من يتحدث بلا اهتمام بمعنى ولا التفات إلى حكمة، كل ما يدين خصومهم ويشوه سمعة مخالفيهم حلال مرغوب، وهو مقصدهم ومبتغاهم، أما ما عداه، فمجرد تفاصيل لا تغني من جوع. الرؤوس التي نتحدث عنها هنا، رغم علمي أن الكثرة من هؤلاء المتربصين سيبحثون بين هذه الكلمات وثنياها بدقة وعناية موجهين فوهات بنادقهم، مركزين أعينهم الضيقة لضيق مقاصدهم، ولن يجدوا بحمد الله إلا ما ينفر صدورهم الضيقة ويعكر أمزجة أفهامهم البئيسة، قلت الرؤوس التي نريد الحديث عنها اليوم ليست الرؤوس التي تحدث عنها أسلافنا الكرام وتغنوا بها في أشعارهم وجعلوها ركزا وعمودَ جُلِّ أعمالهم، برأسٍ من بَني جُشَمَ بن بكر نَدُقُّ به السُّهُولة والحُزُوْنا الرؤوس التي اخترنا الحديث عنها ليست أيضاََ الرؤوس المتفجرة التي يحملها السلاح القاذف للنار، المحمول على الدبابات أو الشحنة المتفجرة يحملها صاروخ استراتيجي أو طائرة مقاتلة. الرؤوس التي نعنيها مرة أخرى هي تلك الرؤوس التي تخط الكلمات التي تنطلق كالسهام في سرعتها وكالرصاصة في قوتها، بل أخطر من الشحنة المحتوية على كمية عالية من المتفجرات في تأثيرها، الرؤوس التي تستقصد هتك الأعراض بلا خشية أو وجل، هؤلاء المتربصين، قطاع الطرق هؤلاء، لا يهديهم نصح ولا يرعوون بمدح، على مراكب حرية التعبير، دائما هم رُكَّبا، وبغطاء الحريات والقانون دوما ملتحفين، متخفين خلف ستار محاربة الإرهاب، وهم أولى بالمحاربة، وأدعى إلى المتابعة، يلبسون لبوس الورع، ثعابين يتسللون بين الكلمات، مجحفون قساة، إرهابيون هدفهم استعباد الناس بالجمل والعبارات، والسطو على عقولهم، هؤلاء باعوا كرامتهم فلا دين لهم، وبلغوا مبلغ السوء فلا خلاق لهم. الشحنة المتفجرة التي تستحق الإتلاف والنفي هي تلك الأخبار التي تتزين بها صفحات بعض المواقع الإلكترونية والجرائد الورقية، أخبارها جارحة، مصادرها مجهولة، أهدافها ملغومة، تتهم بلا دليل، ديدنها الكذب والبهتان، مسيئة مشينة، جارحة خادعة. كيف لا تكون كذلك وهي تبحث عن الإثارة بكل سبيل، وترغب في الانتشار ولو على حساب أعراض الناس والانتقاص منهم والنيل من سمعتهم بلا حسيب أو رقيب. كيف لا تكون شحنة متفجرة وهدفها المال، الذي من أجله تدور الألسن دوران الرحى، وتلوك ما يلوكه القطيع، فحيحها لهب، ولجلجتها خراب. فليتهم يكتبون وينشرون ما يسمعون حقا، وليتهم يفضحون ما يُخطط في الكواليس والدهاليز ليلا، بلا تزوير لصورة، أو تأويل لحديث، أو تلفيق بلا دليل، يحسبون الناس عميا لا يبصرون، وصما لا يسمعون، أو جُهَّلا لا يدركون، أو أغبياء لا يفهمون، يحسبون الشباب الذي خرج قبل بضع سنين مطالبا بالمساواة، مناديا بالقطع مع الفساد، سيرتد بعد حين، أو سيتعب مع عسر الطريق، كلا، هؤلاء لهم فهم حصيف، ونباهة تُحترم، يعرفون من يخط بدمه الطريق، ومن يبيع كل شيء عند أول مزاد بلا تقدير. كيف لا تكون تلك الأقلام كذلك وقد أعماها الحقد فحادت عن الحياد المفروض في إعلام يدعي المهنية، وما يفتأ يطالب بإزالة قانون العقوبات الجنائية، ويبحث عن تكسير الحدود حتى يصير فاتنا بلا متاعب، أو ناقدا معترضا جريء. كيف لا يكون إعلامنا اليوم شحنات متفجرة مع الأسف الشديد، وقد شوه صورة البلاد والعباد، فما عاد من يأمن على نفسه من التشويه والتسفيه، سواء كان وزيرا أو غفيرا، ألا يعلم هؤلاء أن حبل الكذب قصير، ألا يتغنى معظم هؤلاء في افتتاحيات جرائدهم بدفاعهم عن الحق ومحاربتهم الظلم، وتصديهم لمختلف الاختلالات، وادعائهم الدفاع عن الحريات، ألا يتباكى أحدهم حين يجره أحد المتضررين إلى المحاكم باستهدافهه والرغبة في تكميمه وإسكاته، وكأنه الزعيم المفوه الذي انتظره الناس أو المخلص الذي بدونه لم توجد حريات،، ألا يعمل هؤلاء المتشدقون المسترزقون للموت بغاية، وللقبر بآية، وللحياة الأخرى بدراية؟، فيدركون أن لكل واحد منهم متابع نبيه، لكل ما يكتب رقيب عتيد، وغدا سيسألون عن كل كلماتهم ونمنماتهم، وما خطوه من بهتان، فتصير الكلمات وقودا متفجرا من تحت أقدامهم ونارا تتلظى بها وجوههم. رؤوس الأقلام تلك، وتلك الأقلام وجب على المجتمع قبل استفحالها وتعاظم أخطارها، وقد أينعت،، وتهاوت، تنبيهها وردعها، أو عزلها، ثنيها أو لجمها، إبعادها أو حبسها، تلكم المنابر التي صارت سبيل المتربصين بالدولة والمجتمع، عملوا منتهاهم لوأده، يتهمون كل عادة رزينة فيه، ويستقبحون مؤسساته ويستصغرون رموزه، ويسفهون أبناءه. أما زعيمهم هؤلاء،، صاحب الفهم "النابغ"، والملهم "البارع"، الذي يستمدون منه الحلول والفوائد، فبائع ضميره وفاسد فكره، ضامر جهده، حتى لو ظن أن حصونه وأمواله مانعته، وحتى لو أسس حزبا وصير صحيفة ، وجيش أقلاما جائعة، وجوهها شاحبة، أجنتها مستوردة، وملأ الدنيا حزنا وظلما وجورا وبهتانا وكذبا، وارتد بعد فرار، وعاد بعد تخفي واختفاء، ظنا أنه يستطيع تزوير الحقائق وتشويه أهل الحق القائمين بأمره. ذلكم الإرهابي المتخفي في جلباب الزعيم السياسي الذي عمل جهده لإسقاط الدولة، ولم يترك شرقا أو غربا دون أن يطلب وده، محاولا جلب دعمه، كاره للإسلام، غاضب على أهله، ظالم لنفسه، حاقد لا يخفيه، جاهل معتز بجهله، يُبْديه، باسط ذراعيه للمخدرات، متاجر بوطنه، ذلكم الإرهابي السياسي، أو الإعلامي الاسترزاقي، رد الله عليه كيده، وشوه وجهه القبيح بما لا يعلم.