أكثر ما أسأل للسيدة نوال المتوكل وزيرة الشباب والرياضة الشجاعة في صنع التغيير الذي بغيره لن تكون الرياضة المغربية في الأفق البعيد الذي حددته المناظرة الوطنية، رياضة مهيكلة، منظمة، تقوى على المنافسة قاريا ودوليا، وتلعب دورها كإحدى رافعات التنمية البشرية·· وتعمدت أن أتحدث عن التغيير لأن ما توافقنا عليه جميعا عند إعمال النقد الذاتي الصريح والموضوعي أن الرياضة المغربية هيكلا وتنظيما، تدبيرا وتسييرا توجد في سفح عميق، هوة كبيرة تفصلها عن رياضة العالم الآخر المحكومة بالإحترافية في التدبير·· وعندما يكون تغيير العقليات قبل أي شيء آخر هو أول خطوة على درب العمل في أوراش الإصلاح، نوقن أن أمام وزارة الشباب والرياضة الوصي الفعلي والمباشر على المشهد الرياضي الوطني عملا ثوريا، يحتاج إلى الشجاعة وإلى البأس الشديد وأيضا إلى صرامة هي من وحي المواطنة لإنجازه على أكمل وجه·· لا أريد أن أتحدث عن السيدة الوزيرة من أي عيار هي، وبأي قابلية فكرية هي لإحداث التغيير المطلوب، ولكن أريد أن أتحدث عن حدود الشجاعة التي ستبلغها السيدة نوال المتوكل وهي التي تربت في حضن الرياضة، وبلغت ما بلغته من مراتب ومراكز بفضل الرياضة، في تسمية الضالعين في خراب الرياضة، في فسادها وفي تكريس كل مظاهر ضعفها، وأيضا في إحداث التغيير الفكري والهيكلي الذي حددت أبعاده الرسالة الملكية السامية الموجهة للمناظرة الوطنية حول الرياضة·· ليس القصد أن تمارس الوزارة سلطة الوصاية بمفهومها القدحي، فتطلق عيارات طائشة على أجهزة رياضية غير محصنة ثارة بإسم الإفتحاص وأخرى بإسم إعمال القانون، ولكن القصد أن تصوغ إستراتيجية شاملة هدفها الأساسي هو تنقية المشهد الرياضي الوطني من كثير مما يعبث فيه من فوضى، من إرتزاق ومن هدم صريح للقيم·· وقد كنت كلما تحدثت إلى السيدة نوال المتوكل وزيرة الشباب والرياضة المطوقة بمسؤولية تاريخية، والمطالبة بإنجاح الإنعطافة الضرورية، إلا وردت كل شيء إلى الإطار القانوني الذي يقوم عليه هيكل الرياضة، وهي محقة في ذلك لطالما أن مأسسة الرياضة بجامعاتها وعصبها وأنديتها، بما يضمن إنتقالها فعليا لمستوى متقدم في الإشتغال وفي التدبير يحتاج إلى إطار قانوني مصاغ بروح العصر، يقوم في هويته على أن الرياضة إن كان هناك من رهان وطني لتقويمها وطبعها بالإحترافية تحتاج إلى معاملة خاصة من الدولة، تقنن الإستثمار وتوظيف رؤوس الأموال وتعامل الأندية الوطنية كمؤسسات ومقاولات تعمل بنظام المنفعة الرياضية·· وإذا كنت من أكبر المنادين بضرورة تحيين الترسانة القانونية لتحقيق الإقلاع المنشود، فإنني من الذين قالوا دائما بأن قانوننا الرياضي، بخاصة الذي تم تنقيحه سنة 1987 مع ظهور قانون التربية البدنية والرياضة، كان قويا ومتماسكا ودافعا نحو الإحترافية التي ننادي بها اليوم·· قانون صدر منذ أكثر من عشرين سنة، نعتبره اليوم متقادما، غير مستجيب لروح العصر، ومحتاجا إلى تنقيح كامل، وفي وقت تزلزلنا حقيقة أنه قانون اعتدي عليه·· ممن؟ من أولئك الذين يرفضون التغيير، من تلك العقليات التي سخرها زمن بديء لتصبح ناطقة بإسم المجتمع الرياضي المغربي داخل هيئات رياضية متعددة من لجنة أولمبية، إلى جامعات، إلى عصب وإلى أندية·· نعرف ما تطلبه إخراج قانون التربية البدنية والرياضة من معارك ضارية ومن إجتهادات فكرية أيضا، ونعرف غير ذلك ما تسببنا فيه جميعا من ضرب لحصون هذا القانون، إما بالإساءة إلى فصوله وبنوده وعدم الإلتزام الصارم بحدودها، وإما بإهمال إجراءات تطبيقية لأكثر بنود هذا القانون أهمية·· بعد عشرين سنة نرتد على أعقابنا، ونطالب بتحيين قوانين، كثيرها لم يطبق، فبلي القانون من فرط ما كان مودعا في رفوف الوزارة واللجنة الأولمبية والجامعات يقتات من الغبار، فهل نأمن على قانون جديد للرياضة الوطنية في ظل وجود ذات العقليات؟ يحتاج القانون المعدل والمحين للتربية البدنية والرياضة إلى أكثر من قراءة وأكثر من قوة إقتراحية·· إنه يحتاج إلى مشاركة جماعية ليكون التحيين بمستوى الإنتظارات وبذات قوة رهانات المرحلة، كما سيحتاج بعد ذلك عندما يصبح جاهزا للتطبيق إلى قوة إجرائية تلزم به الجميع وتعتبر الخروج عنه ظلما صريحا لحق بالمواطنة ويستحق المتابعة القضائية·· أتصور أنها لحظة غاية في الإستراتيجية وفي الدقة، والسيدة الوزيرة تدرك جيدا ماذا تعنيه هذه الإستراتيجية، بقدر ما تدرك ما ينتظرها من عمل غايته تخليق المشهد الرياضي، مباشرة ثورة كاملة على المنظومة وعلى العقليات، وتسريع لوثيرة الهيكلة، فهي تعرف كما نعرف، أن رياضتنا تلعب في الوقت الضائع·