متى ينتهي الغربيون من غيهم؟ متى يعودون لرشدهم ويدركوا أنهم ليسوا بشعب الله المختار ولا هم بالعرق الآري المفضل والمميز؟ متى تنتهي الدانمارك والسويد من استبلاد العالم والترويج لحكاية عيشهم فوق السحاب وما دونهم رعاع يمشون على الأرض ويأكلون في الأسواق؟ وأخيرا متى تنتهي بلجيكا وفرنسا وهولندا عن ملاحقة لاعبينا، عن استمالة أبنائنا وعن التغرير بهم والإعتقاد أن أبناء المهجر لا رابط يجمعهم بهذا المغرب، حتى وإن كانت صفعات بعض من أبناء الأطلس الأحرار ما تزال آثارها قائمة وماثلة على وجنات هذه البلدان، صفعات أقرب للدروس المجانية في فن تعلم أن حب الوطن من الإيمان. حكيم زياش الذي يخوض يوم غد أول مباراة له بقميص المنتخب المغربي ذلك الفتى الريفي الذي طالما لاحقه الهولنديون وأمعنوا في إغرائه كل مرة بحكاية، هو آخر المتوجين بقلادة الوطنية الحقة، هو آخر الفارين من كذبة مسؤولي الكرة ببلدان تعتقد أنها فوق الجميع وترفض أن يأكل بعض من أبناء المهاجرين على التكوين ويسبون ملة منتخباتها. كان منتهى القبح، ومنتهى الرعونة التي تكشف بما لا يدع مجالا لشك أو ارتياب، تلك الصورة الفجة والفضة التي أتاها صحفيون هولنديون حاصروا زياش بعد عودة الزاكي من هولندا وهم يعزفون له على أكثر من وتر ويغنون له على ليلاهم عله يتراجع، عله يعدل عن قراره وعله يبيع وطنه. نعم كان الهولنديون يأملون من زياش أن يبيع الوطن، لأن الهولنديين والبلجيكيين والإسبان يتغنون في اليوم التالي لإقناع لاعب مغربي بحمل ألوانهم بهذا الفتح العظيم ويوجهون النقاش بعيدا عن سياق الكرة ويعتبرون ما تحصلوا عليه غنيمة بل يؤكدون أن أبناءنا المهاجرون لا يرتبطون بهذا الوطن بتلك الوشيجة التي تعلمناها في المسيد، وهي وشيجة الإخلاص للوطن الذي يصبح فرضا من فروض الإيمان. «حذاء من ذهب، أو عزف فرقة موسيقية أو علبة حلوى؟» هكذا بمنتهى الجبن وبمنتهى الصلافة إقترح الهولنديون على زياش تعديل قراره، غرورهم صور لهم أشياء من قبيل أن تغيير المذهب والإنتماء هو قرار على شفا الشفتين، يتخذ في رمشة عين وبعرض رخيص من قبيل علبة حلوى منتهية الصلاحية. زياش قال لهم خوذوا حذاءكم، واعزفوا موالكم على هواكم ولا رغبة لي لا ببرتقالكم الهولندي المر ولا علب حلوياتكم الحامضة، وطني المغرب فوق الجميع وهنا سدرة المنتهى ولا نقاش بعده؟ زياش ليس هو غازي ولا بلعربي ولا بوستة وبوشيبة ولا شادلي وبقال وماهر، زياش إسمه حكيم وغازي في لغتنا العامية دالة على الخروج عن جادة الصواب والعقل، لذلك اتصف زياش بصفة إسمه أي بصفة الحكمة والرشد فاختار وطنه واضعا إياه متقدما وبمسافات عن ما دونه من مغريات ومساومات. ما قام به الهولنديون هو عكس صريح لنظرة الإحتقار التي يخصنا بها هذا الغرب القريب من وريدنا، هو مظهر من مظاهر الدونية التي يخصوننا بها ويعتقدون للأسف واهمين أن كل أبناء عبد الواحد واحد. تحيتي إليك زياش ومعك طنان على ما اتصفتما به من شهامة ومن نخوة أطلسية، تحيتي لكما وتقديري أكبر على روح الوطن وعلى الوفاء للجذور ونكران الذات الذي أكد لهولندا ومن سار في ركبها أن عزم بعض المغاربة المتأصلون أمر من المرار ويصعب عظمه. علينا أن نستقبل حكيم بما يليق به من تقدير ووقار، للاعب حفظ هيبته وكرامته ومعه كرامة كثير من المغاربة وهو يقبل علينا بصدر مفتوح كي يركب مع الأسود في نفس سفينتهم دون أن يكون مدركا إن كانت هذه السفينة ستعبر به لمرافئ الآمان وشط النجاة. زياش لم يستشر لا رونالدو ولا ميسي لاختيار البلد الذي سيلعب له كما فعل غازي، زياش استشار قلبه واستخار خالقه فانتهى حيث أراد رافضا بيع وطنه بعلبة حلوى وتلك رسالة حكيم وأشباه حكيم للهولنديين وحتى السويديين إن كانوا يعتبرون حقا؟