شجاعة الطوسي وعبقرية بنعبيشة كان من غريب أو مكر الصدف، سموها ما شئتم، أن يكون رشيد الطوسي في يوم نهاية العقد الذي يربطه بالجامعة وجعل منه لأكثر من سنة ناخبا وطنيا مشرفا على حصة تدريبية لمنتخب المحليين الذي يحضر لكأس إفريقيا للاعبين المحليين بجنوب إفريقيا. ليس تهافتا من الرجل، ما عاد الله فرشيد الطوسي برغم ما نظنه عنه وليس كله ظن السوء، ليس من المدربين المنبطحين ولا من المدربين الذين يغرسون الرجلين معا كالأوتاد في وحل الأيام، ولكنه الهراء القاتل والعبث المميت الذي قادنا إليه تدبير المكتب الجامعي الحالي المصرف للأعمال بحكم نهاية ولايته لشأن الفريق الوطني، فلم يكفنا أن من أداروا الجامعة في السنوات الأربع الأخيرة، إختلقوا التركيبة الرباعية الشهيرة التي هي اليوم من نوادر الزمن الكروي العالمي وأرضعونا لبنا زائفا عندما صمموا مسرحية التعاقد مع غيرتس دامت تسعة أشهر فولدت فأرا وجراحا ويأسا أبعد الناس عن الملاعب ثم ربطوا الفريق الوطني بالمدرب رشيد الطوسي بالتحلل الكامل من موجبات التفكير لما هو أبعد من الأنوف، فكأن الجامعة أرادت أن تدق مسمارا في بيت الفريق الوطني عندما فرضت عليه أن يعيش بنظام الطوارئ الذي يبيح المحظورات ويسمح بالضحك على الذقون ويفضح هشاشة السياسات الكروية. البعض يقول أن ما فعله رشيد الطوسي عندما لم يمانع في مواصلة العمل كناخب وطني برغم أن عقده إنتهى وأصبح خارج التغطية القانونية هو أشبه ما يكون بالإنبطاح وب «التلصاق» وبالخروج الكامل عن مواثيق العفة التي يجب أن تحضر في كل مدرب ومربي يحترم نفسه، وأنا أقول أنه نوع من الشجاعة والإقدام والوطنية أيضا، فبفرض أن الطوسي تحلل من كل ما تجيزه الوطنية واشترط لمواصلة العمل ناخبا وطنيا بكل ما فيه من عناصر الإبهام القانونية والمالية التوقيع على عقد جديد أو عقد مكمل، صيانة للحقوق التي لا خلاف عليها، فمن كان سيكون اليوم ناخبا وطنيا ولو بصيغة المؤقت؟ من كان سيدير معسكر المحليين الذين يحتاجون لهكذا تجمعات لتهيئ الموعد الإفريقي؟ ومن كان سيرتب للفريق الوطني موعده الودي ليوم 11 أكتوبر أمام منتخب جنوب إفريقيا في افتتاح ملعب أكادير، في توقيت حساس ودقيق؟ تلك الشروط التي نفاها كريم العالم مستشار الرئيس عن رشيد الطوسي يوم خرج على الزملاء الإعلاميين متباهيا بإبرام صفقة بدت له ولزملائه الأعضاء الجامعيين صفقة تاريخية، هي التي تحضر اليوم بصيغة مختلفة، فرشيد الطوسي عرض نفسه للتغطية على مصائب ومعضلات وفضائح ارتكبت في تدبير الجامعة الحالية لشأن الفريق الوطني، فلا أستطيع أن أقبل تحت أي سبب أن يكون الفريق الوطني مع خروجه من سباق التأهل لكأس العالم محكوما بالتجرد من الربان والقائد التقني هو من يتوجب أن يكون قد إنخرط في برنامج معروف سلفا ومتوافقا عليه لتحضيره من كافة النواحي الفنية والرياضية لرهان كأس إفريقيا للأمم التي سننظمها بعد 13 شهرا من الآن. أن يبقى الطوسي مدربا وناخبا لفترة ممدة بعد التوافق على جدوى ذلك أو أن يجري البحث عن بديل له باحترام كامل لخصوصيات المرحلة وأن يكون القرار نابعا من بيئة تقنية خالصة، ذلك هو ما كان عين العقل، فليس من الضار أبدا أن تنتظر الجامعة لبضعة أيام من سيقوم على أمرها ويدير شأنها وتتحمل القاعدة مسؤوليتها في اختياره ولكن من الضار بل ومن العار أن لا يعرف الفريق الوطني منذ وقت بعيد ربانه وقائده، وأنا هنا أحمل الجميع المسؤولية، الجامعة الحالية حتى وإن كانت تعتبر تعيين ناخب وطني جديد شأنا خاصا بالإدارة القادمة، والوزارة الوصية التي آمنت بأن المكتب الجامعي الحالي يقوم بتصريف الأمور ليس إلا، وكان عليها أن تبدع طريقة تحمي بها ظهر الفريق الوطني لا أن تتركه عرضة للضياع التقني. هل فهمتم لماذا أحيي رشيد الطوسي على شجاعته المهنية وعلى أنه عندما يتعلق الأمر بمصلحة البلاد لا تكون له شروط كالتي كان يريدها العالم؟ ............................................................................ بالطبع لا يجب أن يصرفنا الفريق الوطني الأول بكل أسئلة القلق التي تلازمه كظله عن الإنجازات الثلاثة الرائعة التي وقع عليها منتخب المغرب لأقل من 19 سنة عندما كرر صعوده للبوديوم في الألعاب المتوسطية بتركيا وفي الألعاب الفرنكوفونية بفرنسا وفي ألعاب التضامن الإسلامي بأندونيسيا، بطلا في مناسبتين ووصيفا للبطل في مناسبة واحدة. ليس القصد أن أثني مجددا على الإطار حسن بنعبيشة الذي ينسج بكثير من الرزانة والتواضع جلبابا تقنيا يليق بجسده النحيف وبأحلامه الكروية الواسعة والفضفاضة، فأنا لم أكن مغاليا ولا مجاملا عندما أشدت بمهارته في قيادة هذا المنتخب / الأمل للفوز بذهبية الألعاب المتوسطية ورأب الصدع النفسي الذي خلفه الخروج من آخر دور إقصائي إفريقي أمام شبان غانا الذين وصلوا إلى كأس العالم، ولكن القصد أن أؤكد على أن العمل كلما كان إحترافيا ومنضبطا ومندرجا ضمن منظور تقني متطابق كلما أمكن استثمار الرأسمال البشري الغني الذي نملكه والذي يجري هدره للأسف من قمة الهرم إلى قاعدته إما بسبب ضعف الإمكانيات وإما بسبب التفريط في قواعد الإختصاص والتي تفرض فرض عين أن يترك العمل التقني كاملا لرجال الميدان، للكوايرية بالمفهوم الشائع. أن يتواصل العمل مع هذا الفريق بضخ مزيد من الإمكانيات المادية واللوجستيكية بتوفير العديد من المحكات الودية إلى أن يضمن وصوله إلى الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو سنة 2016 أمر لا خلاف عليه وغيره سيكون جريمة رياضية كاملة، ولكن ما أريد التنصيص عليه والكلام موجه بالكامل لمن سيتحملون بعد 25 أكتوبر مسؤولية إدارة جامعة كرة القدم هو أن مستقبل كرة القدم الوطنية الذي يقف الفريق الوطني في طليعته يكمن في وضع أساسات قوية لإدارة تقنية وطنية وفي فتح مركز تقني للجامعة يأوي اللاعبين المنتقين بطريقة علمية ليكونوا النواة الأولى لمنتخبي الفتيان والشبان في انتظار أن تفعل أندية البطولة الإحترافية مراكزها التكوينية، لنقول وقتها أن المغرب كف عن التضحية بمواهبه الكروية وأقلع عن سياسة الهدر. لأن من يشكر الناس يشكر الله، أقول بكامل الإعتزاز شكرا لحسن بنعبيشة أنه بدد بعضا من غيمات اليأس والشك في سماء كرة القدم الوطنية، الشكر الذي يجب أن يكون مرادفا لثقافة الإعتراف حتى وإن كان الأمر يزعج أعداء النجاح..