القرار الصائب كان لا بد أن نقتنع بضرورة أن يتفرغ رشيد الطوسي بالكامل لمهمته كناخب وطني ولا يشغل باله وتفكيره شيء آخر غير الفريق الوطني المقبل في أمد قريب على المشاركة في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بجنوب إفريقيا، وفي أمد متوسط على الثلث الثاني من تصفيات كأس العالم 2014، وقد جنينا من الثلث الأول نقطتين ليس إلا.. كان من باب المكابرة والمزايدة القول بإمكانية إنشطار رشيد الطوسي فكرا وجسدا وروحا بين الجيش الملكي وبين الفريق الوطني، وقد كنت من الذين رفضوا جملة وتفصيلاً مثل هذا الإنشطار، لأنه في النهاية لن يصب في مصلحة الفريق الوطني الذي نضعه في صلب أحلامنا وأيضا لن يخدم فريق الجيش، برغم أن الجيش كان سباقا في الإرتباط بالطوسي، وإن كان قد سمح للجامعة بأن تفاوضه ما بعد الإنفصال عن إريك غيرتس، فإنه ما فعل ذلك إلا تقديرا لمصلحة الوطن. سمعت كغيري ما تردد لحظة تسمية رشيد الطوسي ناخبا وطنيا من دون التنصيص على أن هذه التسمية التي هي بمثابة وسام على صدر الطوسي لازمها قرار التنحية عن الإدارة التقنية للجيش. سمعت أن رشيد الطوسي لن يكون الأول والأخير الذي سيجمع بين تدريب الفريق الوطني وتدريب الجيش، فقد كانت هناك حالات سابقة مع الإسباني باريناغا بداية السبعينيات والذي قاد الفريق الوطني إلى أولمبياد ميونيخ سنة 1972 وهو مدربا للجيش، ومع الراحل كي كليزو الذي إرتبط مع الفريق الوطني في أكثر من مناسبة وهو مدربا للجيش، ومع المهدي فاريا وأخيرا وليس آخرا مع الإيطالي أنطونيو أنجيللو.. وكان من الممكن أن نستصيغ الأمر ونقبل بازدواجية الأدوار ونحمل الطوسي المسؤولية الكاملة في تحمل تبعات الإنشطار لولا أن السياقات الزمنية إختلفت كليا عن تلك التي سمحت لباريناغا، لكليزو، لفاريا ولأنطونيو أنجيللو يحمل القبعتين واللعب على الحبلين وتحمل الهوسين معًا. أبى التطور الرهيب الذي شهده تأطير المنتخبات الوطنية إلا أن يحول هذه المنتخبات إلى مؤسسات كبيرة تصرف عليها أموال طائلة وترصد لها إمكانات لوجستيكية كبيرة وإن تفاوتت بين بلد وآخر ويوظف لتحريكها أطر على درجة كبيرة من الكفاءة والأهلية، أطر تقنية وطنية وإدارية متفرغة، لذلك كان من المستحيل تحت أي سبب مهما بدا لنا وجيها أن نقبل بأن يدير الطوسي برغم أنه أبدى كامل الإستعداد لذلك، مؤسسة الفريق الوطني ومؤسسة الجيش الملكي في نفس الوقت، وعدم القبول بفرضه بالأساس منطق الإشتغال والحاجة الماسة لأن ينجح مشروع الإنبعاث والإنعتاق.. لا أملك إحصائية دقيقة للمباريات التي قاد خلالها الطوسي فريق الجيش الملكي من بداية الموسم حتى الآن، لأعقد مقارنة نستطيع بعدها أن نصدر أحكاما، بين ما تحقق من نتائج قبل وبعد تسمية الطوسي ناخبا وطنيا، إلا أنني على يقين تام بأنه بعد التسمية حدث تصدع كبير على مستوى النتائج وعلى مستوى العلاقات وفتحنا جميعا على أنفسنا جحيم أسئلة الشك والقلق وسمحنا لأنفسنا بتقديم تأويلات كثيرة مما يحدث في إدارة الطوسي للجيش وفي إدارته للفريق الوطني. شخصيا أقدر موقف إدارة الجيش الملكي، فارتباطها برشيد الطوسي يشكل رقما صعبا في الإستراتيجية الجديدة التي تم التوافق عليها ورصدت كل الإمكانات لتنزيلها، إستراتيجية تمتد لأماد ثلاثة، قصيرة، متوسطة وبعيدة، بدليل أن إدارة الجيش التي حصل لديها الإقتناع الكامل بأن رشيد هو رجل المرحلة وهو القادر دون سواه على التنزيل التقني لاستراتيجية الإنبعاث، ليس هذا فقط، بل إن الجيش رصدت اعتمادات مالية مهمة من أجل أن تترجم لأرض الواقع كل الذي تصوره الطوسي تقنيا لإعادة البناء، البناء البشري على الخصوص. وإذا كانت إدارة الجيش قد إطمأنت إلى سلامة النهج وصواب التخطيط والفريق يوقع على بدايات قوية في البطولة الإحترافية والأكثر منه يصل إلى المباراة النهائية لكأس العرش وتضيع منه أول ألقاب الموسم بضربات الحظ، فإنها تجد نفسها اليوم مواجهة بحالة لم تكن قد توقعتها ولا حدستها، فالإنفصال تحت الإكراه أو خدمة للصالح العام عن الطوسي ليتفرغ لمهامه كناخب وطني قد يعرض المشروع بكامله للتلف أو في أحسن الأحوال لنوبة رشح بخاصة إن جيئ بمدرب طوارئ لا يتقاسم مع رشيد الطوسي نفس الرؤية ونفس الفلسفة التقنية.. شخصيا، أعتبر ما يمكن أن يكون قد تصوره رجال الجيش ضارة بالإنفصال إضطراريا عن الطوسي، نافعا للجيش، للطوسي وللفريق الوطني، فالجيش كان سيتأثر آنيا أو آجلا، تقنيا وفنيا واستراتيجيا بحمل الطوسي للقبعتين معا، لأن الرجل إن أخذه الفريق الوطني بهواجسه ورهاناته وبكل أسئلة القلق التي تحف به، تعكر صفو فكره كلما جاء للجيش الملكي والعكس بالعكس، والطوسي نفسه قد لا يجد فكريا ما يستطيع به أن يتحمل ضغط العمل في الإتجاهين حتى وإن لم يبدوا لنا متعارضين أو متقاطعين، ثم إن تفرغ الطوسي للفريق الوطني الذي دخل عمليا في الخط المستقيم المؤدي لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بجنوب إفريقيا سيأتيه بكثير من الصفاء الذهني المساعد على التركيز وعلى ضبط إيقاع السير في بحر الفريق الوطني الهائج، وأيضا سيعفينا من طرح أسئلة القلق والشك حول كل قرار يتخذه الطوسي كناخب وطني، فقد سمعنا بين الحين والآخر أصواتا ترتفع بالشكوى لأن الطوسي نادى بالجملة على لاعبي الرجاء المنافس بقوة على لقب البطولة لغاية في نفس من يظنون به السوء، أو لأن الطوسي ظلم بعض لاعبي الجيش عمدًا بعدم ضمهم للمنتخب المحلي مخافة تأويل ذلك خطأ من طرف الآخرين والأمر أحدث رجة نفسية قوية لها تأثير سلبي. في إعلان إنفصال الطوسي عن الجيش نوع من الحكمة، لأن بقاءه منشطرا وموزعا كان سيأتي لا محالة بنتائج كارثية، ومثلما أننا نقدر في الجيش هذه التضحية التي يصعب أن يأتي بها فريق آخر يعيش نفس الثورة التي يعيشها الجيش، فإننا نعود لنطرح السؤال عن قدر الإحترافية في تدبر الجامعة لحالة الفراغ التقني بعد الإنفصال عن غيرتس بمفاوضة مدربين هم على ذمة أندية أخرى.. --------------------- نجحت جمعية قدماء لاعبي إتحاد الفتح الرياضي التي يرأسها الأسطورة حسن أقصبي ويوجد في عضويتها نجوم كبار صنعوا الماضي التليد لفريق العاصمة، نجحت ولأبعد حد في عقد ندوة سألت عن حقيقة الخطوات التي قطعتها كرة القدم الوطنية في انتقالها من الهواية إلى الإحتراف.. النجاح كان في تركيبة النقاش الذي توغل في أضلاع المنظومة الإحترافية، إذ وقف الكل على كثير من الحقائق الصادمة والنجاح في تمثل الجمعية لأدوارها الرياضية والأخلاقية والجمعوية بدون مزايدات والنجاح ثالثا في تجميع عدد كبير من رموز كرة القدم الوطنية، فأن يجتمع عبد الله السطاتي عميد المدربين المغاربة ورمضان أنيق ومايسترو سطاد المغربي والمهدي فاريا مهندس الإنجاز المونديالي بالمكسيك وسعيد شيبا ورشيد بنمحمود رمزي الجيل الإبداعي الجديد للفتح وعشرات المدربين والنجوم الذين يتلألؤن في زوايا التاريخ الكروي الوطني، أن يجتمع كل هؤلاء في حضن إخوانهم قدماء لاعبي اتحاد الفتح، فذلك هو ما يعبر عن نبل وأصالة القصد والمعدن، وقد كان مؤثرا ومدعاة للتفكير أيضا أن يتساءل أحد حضور الندوة عندما فتح النقاش عن مآل ما تمخضت عنه الندوة بكل محاورها القانونية، القضية الإعلامية والطبية من خلاصات عميقة، فما كان من تداول علمي وموضوعي يمكن أن يمثل أرضية للتحليل وللتشريع داخل مجلسي النواب والمستشارين، يعفينا بحسب المتدخل من ضحالة النقاش الذي يسود البرلمان في لحظات مصيرية ومفصلية، ما جدوى أن تعقد الندوات بمثل هذه القيمة العلمية وتظل خلاصاتها وحقائقها حبرا على ورق؟ ألا يستدعي الأمر وجود مؤسسة تترصد لمثل هذه التناظرات وتحفظ ما تحفل به نقاشاتها العلمية من أن ترمى في عرض البحر بمجرد إنتهائها؟