حال بيننا وبين التقييم الموضوعي لمحتوى ومضمون العرض التكتيكي الذي قدمه الفريق الوطني في أول مباراة يخوضها بعد انقضاء قرابة الشهرين على مشاركته بنهائيات كأس العالم بروسيا، هشاشة وضعف ومحدودية منتخب مالاوي، برغم الشجاعة التي تحلى بها في بعض أزمنة المباراة. وما كان ممكنا أن نلمس بوضوح الدرجة التي ارتقى بها الفريق الوطني في سلم الأداء الجماعي، برغم ما ظهر بين الفينة والأخرى من سعي فعلي إلى إبراز الشخصية النافذة والقوية والقدرة على تطويع الفريق المنافس، فقد كانت هناك حاجة لأن يواجه الفريق الوطني منتخبا بمراس أقوى وبشراسة أكبر بكثير من تلك التي ابرها منتخب مالاوي، لكي يقدم لنا سعة وحجم القدرات الجماعية على إيجاد الحلول لكل الإشكالات التكتيكية التي يمكن أن تعترضه. إلا أن هذا لا يحول في واقع الأمر، دون التأكيد على ما كنت أذهب إليه دائما بشكل استباقي أو برجع الصدى، من أن هيرفي رونار ثابت على مبادئه وواضح في تعليلاته، وإن تعلق الأمر بمرحلة تعقب المونديال برهاناتها وتحدياتها، فإنه ليس من النوع الذي يقلب الأمور رأسا على عقب حبا في التغيير، حتى أن ذلك يفرقنا، نحن المتابعون للفريق الوطني، إلى منتصر لذاك التوجه وإلى متحفظ بشأنه، مع أن الإختلاف لا يغير من قناعات رونار، وأبدا لا يقتص شبرا من مساحة الحرية التي يتمتع بها في تنزيل منظومته التكتيكية. لم يكن فعلا ثوريا أن يختار رونار بونو لحراسة عرين الأسود أمام مالاوي، وهو الذي ما تزحزح يوما عن اقتناعه برسمية منير المحمدي، ولا أظن أن لذلك علاقة بالإستغراب الذي أبداه رونار في الندوة الصحفية التي سبقت المباراة، حيال تصريحات أطلقها المحمدي للصحافة الإسبانية ونقلتها "المنتخب" بأمانة، والتي قال فيها أن الأولوية هي لمالقا ناديه الإسباني، وأنه بالإمكان أن يتغيب عن مباريات للفريق الوطني بعينها. لم يكن فعلا ثوريا أن يرسم رونار بونو، فذاك دليل على مدى اطمئنانه لوجود حارسين من طراز رفيع، كما لم يكن فعلا ثوريا أن يضع يوسف أيت بناصر تحت الإكراه في متوسط الدفاع بسبب الغياب الإضطراري لداكوستا، ويعمد لهذا الخيار للمرة الثالثة، بعد أن فعل ذلك أولا في مباراة كندا الودية شهر أكتوبر من عام 2016، وثانيا في مباراة فنلندا الودية في التاسع من يناير 2017. ويمكن القول أن ما قدمته مباراة مالاوي كمادة للتحليل والتعقيب، لم يكن مضمونها التكتيكي ولم يكن الأداء الجماعي للفريق الوطني، لوجود معطلات كثيرة، أهمها تواضع الفريق المنافس، ولكن كانت بوارقها وإشراقاتها الفردية، فلا يمكن قطعا أن نمر مرور الكرام على المباراة الكبيرة التي وقع عليها يوسف النصيري الذي لعب أساسيا في غياب خالد بوطيب، وكان شعلة من النشاط في منطقة المناورات، سواء بنداءاته المباشرة وغير المباشرة أو بتحركاته المتوازنة أو بالقوة الإنفجارية التي أظهرها في كل البناءات الهجومية للفريق الوطني. ويمكن أن نتأسس على تجربة يوسف النصيري لنعتد بهامش التطور الكبير الذي يتوفر لأي لاعب، يستطيع أن يرتقي به لمستويات عالية، إن هو أدمن العمل لذاته، وقد أصبح بالإمكان القول أن الفريق الوطني حصل أخيرا على لاعب بقوة انفجارية رهيبة وبتمدد رهيب يجعل منه مروحية طائرة في هجوم الأسود. ونستطيع أن نستدل أيضا بالتوازن الكبير الذي يطبع أداء اشرف حكيمي الذي يتحمل بتواضع كبير عبء اللعب في مركز الظهير الأيسر وهو المعتاد على اللعب في الرواق الأيمن، والحقيقة أن حكيمي يظهر بشكل مسترسل الخط التصاعدي الذي يسير فيه. في النهاية حقق الفريق الوطني الفوز الذي كنا نتوقعه، وقدم مشروع إجابات لأسئلة مرحلة ما بعد المونديال، وسواء أقنعنا ذاك الذي شاهدناه من الفريق الوطني، وهو بعد في بداية موسم شاق وطويل ومخنوق بالإلتزامات، أو لم لم نقتنع، فإن ما هو مؤكد أن الفريق الوطني يحترم خط السير والعلامات التكتيكية المحددة له، وغدا عندما يحين أوان مواجهة منتخبات من عيار ثقيل و بكثير من عيار مالاوي، سيكون ممكنا أن نقف على وثيرة التطور التي يسير بها الأسود ليواصلوا البقاء في خانة أقوياء القارة.