عندما قرر السويدي زلاتان ابراهيموفيتش ترك الدوري الايطالي وميلان العريق من اجل الانضمام الى الدوري الفرنسي والدفاع عن الوان نادي العاصمة باريس سان جرمان, اعتبر الكثيرون ان هذه الخطوة قد تشكل بداية النهاية بالنسبة لهذا اللاعب خصوصا ان هناك فارق هائل في التاريخ بين فريقه الجديد والفرق التي لعب لها سابقا. لكن المهاجم السويدي المثير للجدل في الكثير من الاحيان, نجح في امتحانه الفرنسي وتمكن في موسمه الاول في عاصمة الاضواء من قيادة باريس سان جرمان لاحراز لقب "ليغ 1" للمرة الاولى منذ 1994 بتسجيله 27 هدفا في 32 مباراة. ورفع ابراهيموفيتش (31 عاما) رصيده الشخصي الى 8 القاب على صعيد الدوري مع 5 اندية مختلفة هي اياكس امستردام الهولندي (2002 و2004) وانتر ميلان (2007 و2008 و2009) وميلان الايطاليان (2011) وبرشلونة الاسباني (2010), اضافة الى تتويجه مع يوفنتوس الايطالي عامي 2005 و2006 قبل ان يجرد الاخير منهما بسبب فضيحة التلاعب بالنتائج. ويتوجه ابراهيموفيتش لاحراز جائزة هداف الدوري الفرنسي كونه يتصدر بفارق 8 اهداف عن اقرب ملاحقيه قبل مرحلتين على نهاية الموسم, وذلك بعد ان سبق له وتوج هدافا للدوري الايطالي مرتين عامي 2009 و2012. ولم يكن تألق سان جرمان مع مهاجمه الجديد منحصرا في الدوري المحلي وحسب بل كان نادي العاصمة الفرنسية قاب قوسين او ادنى من تحقيق المفاجأة على صعيد القاري وبلوغ الدور نصف النهائي من مسابقة دوري ابطال اوروبا على حساب برشلونة لكن مشواره انتهى في نهاية المطاف على يد الفريق السابق لابراهيموفيتش دون ان يخسر (تعادلا ذهابا في باريس 2-2 وايابا في برشلونة 1-1). لم يكن وصول "ابرا" الى ملعب "بارك دي برينس" عاديا وكانت "انهم يعرفون من انا" من الجمل الاولى الصادرة عن المهاجم السويدي بعد انضمامه الى فريقه الجديد. من المؤكد ان الدوري الفرنسي اكتشف لاعبا من طينة اخرى, وقد اظهر ابراهيموفيتش في "ليغ 1" ملامح عملاق قادم من عالم آخر مقارنة مع النجوم الموجودين, خصوصا ان نجوم الكرة الفرنسية سرعان ما ينتقلون للعب في الخارج قبل ان يصل القطريون الى نادي العاصمة بهدف اعادته الى ما كان عليه في اوائل التسعينات مع الليبيري جورج وياه والبرازيليين فالدو وراي والن روش ودانيال برافو وجوسلان انغلوما وبول لوغوين وغيرهم, وذلك من ضم لاعبين مثل الارجتينيين ايزيكييل لافيتزي وخافيير باستوري والبرازيليين لوكاس مورا وتياغو سيلفا ... كان من الصعب ان يتخيل المرء قبل عامين انتقال ابراهيموفيتش الى باريس سان جرمان, لكن المبلغ الخيالي الذي انفقه المالك القطري ناصر الخليفي كان في محله, وسجل اللاعب بعد انضمامه قبل 4 اشهر 19 هدفا في 21 مباراة بقميص النادي الباريسي (17 منها في 14 مباراة في الدوري) بعد ثلاثيته الاولى في مرمى فالنسيان (في 10 كانون الاول/ديسمبر) فضلا عن تمريرات حاسمة اتت باهداف عبر زملائه والكثير من الفواصل الفنية النادرة المليئة بالالهام والموهبة. واول من احتك بعملاق مدينة مالمو (95ر1 م و95 كلغ) كان مدافع لوريان برونو مانغا, احد اقوياء البنية في الدوري فكان نصيبه اصابة في الركبة ابعدته 6 اشهر, وسجل ابراهيموفيتش ثنائية في بداية مشواره الفرنسي. وسجل ايضا 4 ثنائيات اخرى في مواجهات مدافعين من الطراز الاول, ففي المباراة ضد ليل تمكن السويدي من هزيمة الثنائي المؤلف من المونتينيغري ماركو باشا والكاميروني اورليان شيدجو وسجل الهدف الاول بعد 27 ثانية فقط. وفي المباراة ضد مرسيليا وصخرة دفاعه الكاميروني نيكولاس نكولو, سجل ابراهيموفيتش هدفين ايضا اولهما من ركلة حرة تبعد 30 مترا, والثاني بقدمه اليمنى من الخلف على طريقة رياضة "الكونغ فو" بعد ان تخطى الكاميروني بالذات. والدرس العنيف كان من نصيب نادي باستيا ودفاعه "الساذج", فارهقه باختراقاته الفائقة السرعة وسجل هدفين ايضا اضافة الى تمريرتين حاسمتين. لكن قمة الشهرة اتته من المباراة الدولية الودية التي هزم فيها انكلترا 4-2 بعد ان سجل رباعية وكان اقل ما قاله فيه النقاد يومها (14 تشرين الثاني/نوفمبر) انه لاعب خارق خصوصا بسبب الهدف الذي جاء بتسديدة مقصية خلفية جانبية من 30 مترا. ومنذ اللقاء بين سان جرمان ومرسيليا على ملعب الاخير فيلودروم, بدأت بوادر التوتر والحساسية تجاه اللاعب السويدي بالظهور وبات يتعرض للمضايقات التي كانت صغيرة في بداياتها ثم نحت منحى متصاعدا تدريجيا, وكونه مهاجها احيانا وصانع العاب احيانا اخرى فهو يغيظ الاخرين قليلا ويغتاظ منهم كثيرا. وانفجرت العصبية ذات مرة في اللقاء ضد سانت اتيان فوجه ضربة كاراتيه خطرة الى صدر الحارس ستيفان روفيه عوقب على اثرها بالايقاف مباراتين, لكنه عاد بعد ان امضى العقوبة ورفع غلته من الاهداف حتى وصلت الى 27 في الدوري و32 في 44 مباراة خاضها ضمن جميع المسابقات. وكان التأهل الى الدور الثاني من مسابقة دوري ابطال اوروبا بخمسة انتصارات وهزيمة واحدة, حافزا دفع لاعبي باريس سان جرمان الى الاجتماع وتحديد الهدف الثاني وهو بطولة الدوري, لكن سرعان ما عاد تركيزهم الى المسابقة الاوروبية بعد ان تمكنوا من تجاوز حاجز ثمن النهائي على حساب فالنسيا (2-1 و1-1) قبل ان يصطدموا ببرشلونة في ربع النهائي. من المؤكد ان نادي العاصمة يحن الى سنوات التسعينيات التي شهدت مجده الكروي على الصعيد الاوروبي ببلوغه دور الاربعة للمسابقات القارية 5 مرات متتالية بدأها ببلوغ نصف نهائي كأس الاتحاد الاوروبي وكأس الكؤوس الاوروبية عامي 1993 و1994 على التوالي على حساب ريال مدريد الاسباني, قبل ان ينجح في تخطي دور الاربعة للمرة الاولى في تاريخه عندما توج بلقب مسابقة كأس الكؤوس عام 1996 على حساب رابيد فيينا النمسوي (1-صفر). السؤال هو هل ينجح ابراهيموفيتش والكتيبة الجديدة في ان تعيد فريق العاصمة بالذاكرة الى ما قدمه في التسعينات? خصوصا بعد ان نجحوا في فك عقدته مع الدوري.