كلما دنونا من الحادي عشر من شهر نونبر، موعد المواجهة الحاسمة التي ستجمعنا بفيلة كوت ديفوار هناك بأبيدجان، للتقرير في مصير البطاقة المونديالية، إلا واشتعل الرأس بأسئلة هي فعلا هواجس، إن هو أحاط بها لا يدري هل ستنقص لوعته، وإن هو ضغط عليها لا يعرف هل سيرتاح له بال، فما كان الفريق الوطني منذ سنوات قريبا من مصالحة المونديال، أكثر مما هو قريب من ذلك اليوم، إذ أن كل ما يحتاجه الفريق الوطني من مباراة القرن نقطة وحيدة، هي ليست صعبة المنال ولكنها ليست أيضا سهلة ومتيسرة المنال. ومع كل مشاعر الإطمئنان التي تحسسها المغاربة من الأداء الجماعي الرائع الذي قدمه أسود الأطلس أمام نسور مالي، ومن بعدهم أمام فهود الغابون، والتي تزيدنا جميعا ثقة في أن أبواب المونديال الروسي أصبحت مشرعة، فإن هناك بالفعل قلقا يساورنا من أن يعجز الأسود عن العودة بالنقطة المطلوبة للحصول على تأشيرة العبور للمونديال، هذا القلق قاده إلي قارئ من أوفى قراء المنتخب في طبعتيها الورقية والإلكترونية، في صورة أسئلة وهواجس لا شك أن كل المغاربة يتقاسمونها بلا أدنى إسثناء، وقد أوكل إلي مهمة تفكيك هذه الأسئلة، لعلنا نقدر على ترويض اللحظة المفصلية وتقويض كل حالات الشك في القدرات، وأكثر منه عدم الوقوع فريسة لذات الأخطاء التي ارتكبناها في مناسبات سابقة وكلفتنا كل هذا الجفاء مع المونديال والذي يصل اليوم لسنته العشرين. القارئ الوفي والغيور جواد الجامعي من مراكش لخص بدقة أسئلة الهواجس، في الآتي: 1- نتخوف من استخفاف أصدقاء بنعطية بالفيلة وإفراطهم في الفرحة والثقة الزائدة بالنفس والغرور، وما زال عالقا في أذهاننا ما وقع بعد اللقاء أمام الجزائر الخادع سنة 2011، حيث وثق الأسود أكثر من اللازم بالنفس واستوطنهم الغرور، بل وأصبح أصدقاء المياغري يعتقدون أنهم سيفوزون بالكان 2012 بسهولة فكانت الصدمة قوية. 2- نتخوف من اعتبار أسود الأطلس مرشحون فوق العادة للتأهل لكأس العالم، لأننا دائما حين نكون «فافوري» نخفق. 3- نتخوف من كل ما سيحيط بالمباراة من طقس وحالة عشب الملعب والظروف التي سيجرى فيها اللقاء أمام رفاق جيرفينيو. 4- وأخيرا نتخوف من ردة فعل قوية لمنتخب كوت ديفوار خصوصا من الفرديات الخطيرة التي تلعب في جبهة الهجوم. بداية لا بد وأن نحتكم في رصدنا لمباراة أبيدجان، لمنطق كرة القدم الذي لا يتأسس قصرا على القياسات الفنية وحتى على الفوارق الذهنية والفنية الموجودة أصلا لترجيح كفة هذا الفريق أو ذاك، كرة القدم هي مجال خصب لإنتاج التحولات وحتى المتناقضات، فإن سلمنا بأن الفريق الوطني كان في هيئة فنية وتكتيكية وذهنية حفزته لإقران الأداء بالحصة عند تحقيقه للفوز العريض على الغابون وحتى على مالي، فإن لا شيء على الإطلاق يؤكد أن الفريق الوطني سيكون هناك بأبيدجان بذات الهيئة لاختلاف المناخات والظروف وحتى طبيعة المنافس، ولو أننا بتنا نثق بقدرة الأسود على محاكاة نفس المضمون التكتيكي، كما لا يمكن الجزم بأن المنتخب الإيفواري سيكون بنفس الصورة السيئة التي كان عليها وهو يخسر بأبيجان أمام الغابون ويتعادل سلبا أمام مالي بباماكو. إذآ فهناك شيء أقوى وأكبر من الإحتمال، أن يكون النزال شاقا علينا وعلى الإيفواريين أيضا، وبالتالي فإن النقطة التي يحتاجها الأسود من مباراة أبيدجان، لن تأتي لا عبثا ولا اعتباطا ولا بالسهولة التي يتوهمها البعض، تلك النقطة سينالها الفريق الوطني بمشيئة الله بتصميم مباراة بطولية، لا يترك فيها أي شيء للصدفة، وعندما نقول مباراة بطولية، فإننا نثق بأن الأسود لهم كل المقومات الذهنية والفنية والتكتيكية لطبع النزال بصفة البطولية، حيث يختفى الإفراط في الثقة بالنفس والتنقيص من مقدرات المنافس أو حتى استسهال المباراة. ونستطيع أن نستشف من خلال كل التعبيرات التي أطلقها الناخب الوطني هيرفي رونار وأسود الأطلس بعد مباراة الغابون، المسؤولية الكبيرة التي يوضع في صلبها الفريق الوطني، وقد تمكن أخيرا من القبض على صدارة المجموعة، مسؤولية تحقيق حلمهم كلاعبين وحلم كل المغاربة وبخاصة حلم جيل اليوم الذي يتشوق لاكتشاف سحر التواجد في حدث كروي في كونية كأس العالم. ولا أعتقد بأن رونار الذي يجيد اللعب على الوتر الصعب والحساس في مشاعر اللاعبين، ويعرف سلفا أن مباراة أبيدجان ستحقق له كمدرب ما ينقص فعلا مشواره التدريبي، يمكن أن يترك جزئية أو تفصيلا مهما صغر حجمه ليحيط به، حتى يكون الفريق الوطني يوم 11 نونبر كيانا يتكلم لغة واحدة، تقوم على الإحاطة بكامل التفاصيل النفسية والبدنية والتكتيكية لربح الرهان، من دون مبالغة أو تهويل من دون إفراط أو تفريط. ومع يقيننا الكامل بأن رونار يقضى السواد الأعظم ليومه وحتى ليله، يفكر ويخطط ويرتب السيناريوهات، فإن المؤمل أن ينجح رونار كواضع لمنظومة اللعب، في تهييء الخطة المستحيلة، التي لن يستطيع فهم وإدراك الناخب الإيفواري الوصول إليها، الخطة التي تجعل الفريق الوطني يدخل مباراة أبيدجان باحثا عن الفوز وليس عن التعادل، وأظن أن لنا كل المقومات التقنية والتكتيكية التي تخول لنا ذلك، طبعا من دون أن ننقص من قيمة الفيلة الذين سيدخلون المباراة باحثين عن الفوز وهم يدركون جيدا أن أداءهم يجب أن يكون مختلفا تماما عن الأداء الذي ميز مباراتيه الأخيرتين أمام الغابون بأبيدجان وأمام مالي بباماكو. ومع حاجة الفريق الوطني إلى ما يعينه على السيطرة على كل الإكراهات الإسترتيجية، من أرضية ملعب ومناخ وأجواء هي من قبيل ما عودتنا عليه الملاعب الإفريقية، فإنه هذه المرة وخلافا لكل المرات السابقة، محتاج لأن يكون سفره الإفريقي مؤمنا بشكل كامل ضد مخاطر وطوارئ هذا السفر والتي تقول الكثير من الوقائع القديمة، أنها تنال من الفريق الوطني خمسين بالمائة من قوته ومناعته. الفريق الوطني محتاج لأن يسيطر بالكامل على كل الظروف ويجعلها تصب في مصلحته لا في مصلحة منافسه، فالمنتخب الإيفواري مع يقينه من أن أداءه تراجع وسطوته تقلصت، إلا أنه سيتسلح بنجومه الذين أبعدتهم الإصابات عن آخر المباريات، ليحقق الفوز الذي يكتبه في عداد فرسان مونديال روسيا. لا نستصغر الفيلة ولا نبخسهم حقهم في الحلم ولا نعدم لهم أملا في نيل البطاقة المونديالية، ولكن في مقابل هذا كله نثق في قدرة فريقنا الوطني على كسب الرهان، وعلى العودة من أبيدجان بتأهل تاريخي، بسلاح تقدير النفس واحترام مقدرات المنافس، ومع هذا نكون قد زرعنا في طريقنا بذرات الثقة والأمل المشروع ونزعنا عنها الهواجس والوساوس.