كلما حل عيد العرش المجيد، إلا واستحضر المغاربة ما توارثوه على مر العقود من وشائج روحية ووطنية ربطتهم وتربطهم على الدوام بالملك والعرش، فالإحتفال بهذا العيد الوطني هو إحتفال بقيم الوفاء التي تشبث بها المغاربة وما تخلوا عنها، وهو أيضا تعبير قوي عن الآصرة التاريخية التي ربطتهم أبد السنين بالعرش، فذادوا عنه وتمسكوا به برغم مكائد الإحتلال وخبث الماكرين، ورسموا عبر هذا التلاحم التاريخي أجمل صور ملاحم التعلق، ملك يبذل الغالي والنفيس من أجل إسعاد شعبه وشعب يضحي بروحه من أجل ملكه ووطنه. وعيد العرش كما هو تجديد للبيعة التاريخية، وكما هو مناسبة للتعبير عن الإرتباط بكل دلالاته الدينية والوطنية بالقيم المثلى للوطن، فإنه مناسبة لاستحضار المسيرة التنموية التي رسخ أسسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والهادفة بالأساس إلى تحصين التماسك الإجتماعي وصيانة الوحدة الوطنية والمضي قدما في إرساء المشروع المجتمعي، الذي يراهن بالأساس على بناء المغرب القوي، المغرب المتشبث بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمنخرط في قيم التقدم والحداثة. الملك الرياضي وإسوة بكل المغاربة، فإن الرياضيين يحتفلون بعيد العرش المجيد وهو مبتهجون بما خصهم به صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ إعتلائه عرش المملكة من سابغ عطف وعظيم عناية، سيرا على هدي سلفه الصالح. لقد كانت الرياضة والشباب ولا يزالان في صلب الرؤية الملكية الثاقبة، فما خلت أي مرحلة من مراحل تنزيل هذه الرؤية من مبادرات يحرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله على أن تنهض أساسا بقطاع الرياضة، على اعتبار أنه القطاع الذي يستميل قاعدة كبيرة من هذا الشباب ليربيهم على قيم العشق والعطاء والشغف، فيقوي ذلك أجسادهم ويحمي فكرهم ويعمق إنتماءهم لوطنهم ويرفع درجات وعيهم. وبرغم إختلاف المقاربات الملكية، إلا أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ظل وفيا للعناية الفائقة التي خصت بها العائلة الملكية على الدوام الرياضة والرياضيين، عبر صور التحفيز والتكريم، بل إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتوجيه من الوالد المنعم المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، أقبل منذ نعومة أظافره على ممارسة الرياضة، إيمانا بما لها من دور في تنشيط الطاقات وفي تقوية جوانب الشغف والترويح عن النفس وتنمية القدرات الجسدية والفكرية، فمارس كرة القدم ولعب الغولف وركب الخيل وأجاد القنص بكل أشكاله قبل أن يبدع في الرياضات البحرية، مقدما للمغاربة قاطبة أروع صور التعلق بالرياضة، أليس هو الملك الذي يحتدى به؟ وكما عرف عن صاحب الجلالة الملك محمد السادس شغفه الكبير بالرياضة، فإنه في فترة ولايته للعهد قرب منه رموز الرياضة الوطنية ليشملهم بعطفه وليكافئهم على مسيراتهم البطولية التي جعلت منهم مثلا عليا للشباب المغربي. الرياضة في صلب الرؤية الثاقبة ومع إعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين يوم 23 يوليوز من عام 1999، سيبدع جلالته مقاربة جديدة في التعاطي مع الشأن الرياضي والشبابي، إذ لم يتوقف الأمر عند مجرد تقديم الدعم المادي والمعنوي للأبطال الرياضيين، بل سيتعداه إلى توجيه الحكومة لإنجاز كشف حالة للواقع الرياضي الوطني، عبر مسح إستقرائي دقيق وموضوعي على غرار ما أنجز في القطاعات الحيوية الأخرى بهدف مواجهة كل ما علق بها من إختلالات. وقد توجت الرؤية الملكية في مجال الرياضة، بإضفاء رعايته السامية على المناظرة الوطنية حول الرياضة التي انعقدت شهر أكتوبر من سنة 2008 بالصخيرات، وكانت بالفعل لحظة تاريخية، ستقف خلالها الرياضة الوطنية لثاني مرة في تاريخها وقفة متأنية مع النفس لتقييم الحالة ولرسم المستقبل على أسس عليمة قوامها التخطيط الجيد. إلا أن أقوى لحظة في هذه المناظرة والتي ستبرز المنظور الملكي للرياضة كمرفق حيوي، كانت هي الرسالة الملكية التي وجهها صاحب الجلالة للمناظرة، واعتبرت في حينها خارطة للطريق، تحدد بموضوعية الإختلالات وتعيد توزيع الأدوار وتنيط الحكومة والقطاع الخاص والعائلة الرياضية بمسؤوليات جسيمة. ومثلما أن الرسالة الملكية التي ما زال صداها حاضرا إلى الآن في كل المنتديات الحوارية والنقدية، أظهرت المعرفة الكاملة لجلالة الملك بالخبايا وبكافة المعيقات التي تشوب المشهد الرياضي الوطني، فإنها أيضا أبرزت المكانة التي تحظى بها الرياضة في الرؤية الملكية، ويمكن التدليل على ذلك بالإستهلال الذي بدأ به جلالة الملك رسالته الموجهة للمتناظرين: «أيتها السيدات والسادة، لا تخفى عليكم المكانة التي تحتلها الرياضة بكل أنواعها وفنونها، في نفوس المغاربة، وتجذرها في هويتهم الجماعية. ذلكم أننا أمة شغوفة بالرياضة، معبأة، بكل جماهيرها، لنصرة وتشجيع أبطالها، معتزة أيما اعتزاز بما يحققونه من إنجازات ورفع علم المغرب خفاقا في الملتقيات الدولية. كما أن الممارسة الرياضية أصبحت في عصرنا، حقا من الحقوق الأساسية للإنسان، وهذا ما يتطلب توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا على حد سواء، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة والأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة. وبذلك تشكل الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللإندماج والتلاحم الإجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش». جلالة الملك أول من فعل توصيات المناظرة لقد كان صاحب الجلالة حفظه الله دقيقا وموضوعيا في إبرز الإختلالات الوظيفية التي تشكو منها الرياضة الوطنية وساهمت في تراجع نتائجها بخاصة على المستوى الدولي، عندما قال في رسالته السامية: «إن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية، على علاته الكثيرة، يمكن تلخيصه في إشكالات رئيسية، وهي بإيجاز: إعادة النظر في نظام الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية، وملاءمة الإطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع، وكذا مسألة التكوين والتأطير، ومعضلة التمويل، علاوة على توفير البنيات التحتية الرياضية، مما يقتضي وضع استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي». وعمد صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى تحديد المهام وتوزيع الأدوار بشكل يمنع تداخل الإختصاصات ويضعنا أمام منظومة إصلاح متكاملة. وقد إضطلع جلالته بأكبر وأقوى هذه الأدوار، عندما وجه الحكومة إلى تعديل وتحيين قانون التربية البدنية والرياضة 30-09 بهدف ملاءمته مع التشريعات الرياضة العالمية والتطابق مع الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية الجديدة للرياضة، وأيضا عندما ضمن الدستور الجديد لأول مرة الحق في ممارسة الرياضة وحث السلطات العمومية على تقديم الدعم للرياضة. ولمواجهة التراجع المهول الذي سجلته الرياضة الوطنية على المستوى الأولمبي بحصول المغرب على ميداليتين فضية بواسطة العداء جواد غريب وبرونزية بواسطة العداءة حسناء بنحسي، خلال دورة الألعاب الأولمبية 2008 ببيكين، سيخصص جلالته غلافا ماليا بقيمة ناهزت 33 مليارا لإعداد الأبطال من ذوي المستوى العالي تحسبا للدورتين الأولمبيتين لندن 2012 وريو دي جانيرو 2016، إلا أن ضعف الخبرة في تدبير قطب الإمتياز ورياضة المستوى العالي سيحول دون توظيف هذه الإمكانيات المالية الضخمة التي لم يتوفر حتى نصفها لكثير من الدول التي صعدت البوديوم الأولمبي على النحو الأمثل، ليتراجع رصيد المغرب ويكتفي في الدورتين معا بميداليتين برونزيتين. وبالنظر للأهمية القصوى التي تحظى بها البنيات التحتية الرياضة في بناء منظومة رياضية متوازنة، كما جاء في الرسالة الملكية، فإن صاحب الجلالة سيبدع في رصد الإمكانيات المادية واللوجستية من أجل وضع الملاعب بمختلف أجناسه وصنوفها في صلب المنظومة التنموية الشاملة لتحفز الشباب المغربي على الإقبال على الرياضة. وبوثيرة سريعة إنطلقت عملية بناء ملاعب القرب على امتداد خارطة المغرب فحلت بكثير من البوادي والحوضر المهمشة لتلهم شبابها وتفك عنهم العزلة وتنمي غريزة الحلم عندهم، وبتوجيه من جلالة الملك ما زال المغرب ماضيا في بناء ملاعب القرب هاته بالأعداد التي تكفل العدالة بين كل المغاربة، على أمل أن ترتفع وثيرة تأهيل الأطر المسيرة والتقنية للإشراف على هذه الملاعب التي عوضت شباب المغرب عن ملاعب جرداء كانت منتشرة بالآلاف قبل أن يغتالها العمران. وبموازة مع هذا الورش البنيوي الضخم الذي يهم بالأساس الرياضة القاعدية، وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس مع إعتلائه للعرش الحكومة إلى الوفاء بما إلتزم به المغرب أمام عائلة كرة القدم العالمية عندما كان منافسا على تنظيم كأس العالم لسنة 2010، فتواصلت الأشغال بالملاعب الثلاثة الكبرى بطنجة ومراكش وأكادير، إلى ان غكتمل العمل بها لتصبح أيقونات رياضية، ومع إعادة تأهيل مركبي محمد الخامس بالدارالبيضاء ومركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط وإعطاء إنطلاقة الأشغال بمركبات تطوان، وجدة والحسيمة، وفي انتظار الشروع في بناء المركب الجديد الدارالبيضاء والذي سيكون بلا شك معلمة رياضية بمواصفات عالمية، فإن المغرب يفخر بأنه على عهد جلالة الملك محمد السادس بات يتوفر على شبكة من أرقى الملاعب والمركبات، تؤهله لكي ينافس القوى الإقتصادية العظمى على تنظيم كبريات التظاهرات الرياضة العالمية، وفي مقدمتها طبعا نهائيات كاس العالم التي بات المغرب مرشحا بقوة من أجل إستضافة إحدى نسختيها 2026 أو 2030.