في تلك الليلة الرمضانية التي استدعيت فيها لمدينة القنيطرة لأشهد إحتفالية جميلة أقامتها مدرسة «مجيك كلوب القنيطرة» بمناسبة إنتهاء موسمها الرياضي والتي جرى خلالها تكريم إسمين أسطوريين في تاريخ كرة القدم القنيطرية بل والوطنية، المبدع جمال جبران والظهير الرائع خليفة العبد، ضغطت المشاعر التي عادة ما يجيش بها الخاطر ويضيق لها الصدر علينا جميعا ونحن نشهد لحظة تكريم من كانوا بناة للزمن الجميل، إلا أن تلك المشاعر ضربت كالإعصار، حكيم دومو الرئيس السابق للنادي القنيطري والرئيس الحالي لعصبة الغرب، فأطلق العنان لعينيه ليسيل منهما واديا من الدموع، بل إن الرجل لم يتمالك نفسه فأجهش بالبكاء، ما أحدث حالة من الإنفعال الوجداني داخل القاعة. دعي حكيم دومو إلى المنصة لينوب عن أعضاء مدرسة «ماجيك كلوب القنيطرة» في تسليم التذكار الرمزي لخليفة العبد الذي كان من بين صناع الملحمة التاريخية المتمثلة في صعود المنتخب المغربي، كأول منتخب عربي وإفريقي يتجاوز الدور الأول لنهائيات كأس العالم بعد الفوز التاريخي على البرتغال في مونديال المكسيك سنة 1986، وبمجرد أن تناول حكيم دومو الكلمة حتى زلزلته اللحظة فسحبته بقوة إلى طوفان الأحاسيس، فلم يجد بدا من أن يطلق العنان لنحيب صادق لا مواربة ولا مزايدة فيه، فما أبكى حكيم في تلك اللحظة شيئان إثنان: أولهما أن من كان يشارك في تكريمهما، لاعبين من الزمن الذهبي للنادي القنيطري، عرفهما معرفة العاشق والصديق والمولع بحب الكاك، يكفي أنه قال عنهما معا: «أنتما من جعل دمنا يكون أخضر»، فحكيم فتح عينه على النادي القنيطري بل إنه كان شاهدا على كتابة كثير من ملاحم النادي القنيطري وهو يتوج مع جيل خليفة وجمال والبوساتي وحمامة وانقيلة والبويحياوي بلقبين متتالين للبطولة سنتي 1981 و1982، وكيف لا يكون شاهدا على أسطورية ذاك العهد والنادي القنيطري كانت مرؤوسة من والده المنعم المرحوم الحاج محمد دومو، من أسميته عن قناعة كبيرة بحجم الفكر وبراعة التدبير، بفيلسوف المسيرين. أما ثاني شيء أبكى حكيم دومو بحرقة، فهو المآل الحزين للنادي القنيطري الذي يسجل هذا الموسم تقهقرا كارثيا أعاده مجددا للقسم الثاني، بعد طول ترنح ومعاناة، وبعد ما لا يعد ولا يحصى من الأخطاء الجسيمة التي ترتكب في حق النادي القنيطري ماضيه وحاضره تحت مسميات كثيرة. كنت شاهدا على المرحلة التى قضاها حكيم دومو على رأس النادي القنيطري، ناهلا من معين معايشة طويلة للنادي القنيطري ومعتمدا على ما قاده إليه شغفه لكرة القدم من الإطلاع على كثير من التجارب، وعلى الخصوص متكئا في ذلك على شغف لا يوصف وعلى رغبة أكيدة في إعادة النادي القنيطري إلى سكة الإبداع والعطاء، لا أدعي أن مرحلة حكيم قد خلت من الأخطاء، فمن لا يعمل هو أصلا من لا يخطئ، إلا أن الأمانة تقتضي أنه كان يعمل بطموح متنطع جاوز أحيانا الحدود، فاعتبره زارعو الفتنة وأعداء النجاح تطاولا وجبروتا وما إلى ذلك من الأوصاف التي لا تطابق الموصوف، وما يجري اليوم داخل النادي القنيطري، أو بالأحرى ما يتكبده «الكاك» من ويلات هو انتقام للزمن من كل أولئك الذين حاربوا الإصلاح والنوايا الصادقة وربطوا «الكاك» بانتماءاتهم السياسية الضيقة. كان حكيم كما سمعته ورق قلب كل من إستمع لنحيبه تلك الليلة، صوتا لأنين مدينة القنيطرة التي جنت الأيادي الآتمة على «كاكها»، وكان صرخة أتمنى أن توقظ كل الضمائر لتدفع فعلا في اتجاه تغيير هذا المنكر الذي أصاب فريقا كنا نظنه عصيا على ذلك.