إذا كان من الطبيعي جدا أن يحل الملغاشي أحمد أحمد بمصر، في أول خروج له بعد أن أنتخب بأديس أبابا رئيسا جديدا للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بوصفها بلد المقر، حيث كان لزاما أن يوصل رسالة لكل الأطقم العاملة تكشف منظوره للمرحلة القادمة، فإن الحلول بالمغرب بعد ذلك مباشرة، ليكون بالفعل أول بلد يزوره القائد الجديد للمؤسسة الوصية على كرة القدم الإفريقية، هذا الحلول يرمز إلى شيء واحد، هو أن الرجل يقدر المغرب التقدير الكامل، ويراه ساعدا من السواعد الكبرى التي سيتوكأ عليها في رحلة التغيير، بل ويراهن على أن يكون فكر فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الذي إختارته عائلة كرة القدم الإفريقية لعضوية المكتب التنفيذي، مؤثرا في هندسة وصناعة هذا التغيير الذي قال إينفانتينو رئيس الفيفا بالتلميح تارة وبالتصريح أخرى، أنه خيار لا محيد عنه لإفريقيا. التغيير من أجل ماذا؟ وبأي أدوات؟ وفي إطار أية إستراتيجية؟ وهل لهذا التغيير تعريف في المقاربة التي قال لقجع أنها سبيله ورهانه الأكبر لإنجاح عودة المغرب لعضوية المكتب التنفيذي للكاف؟ في واقع الأمر هناك الكثير من الأبعاد، الرياضية والإستراتيجية لهذا التغيير المنظور، فمنها ما يتصل بالبيت الداخلي للكونفدرالية الإفريقية، والذي يحتاج لمزيد من المأسسة حتى يكون بدرجة عالية من الشفافية ومن جودة الحكامة، ومنها ما يتعلق بالوتيرة التي تتطور بها كرة القدم الإفريقية من أجل أن تتهيكل ومن أجل أن تصوغ لنفسها نمطا إحترافيا متطابقا مع حقائقها التاريخية والجغرافية والإقتصادية، ومنها ما يحدد سرعة السير من أجل ردم الهوة الكبيرة الموجودة بين الكرة الإفريقية ومحيطاتها وغيرها من كرات العالم. إلا أنني أرى في التغيير أيضا، أن تتمكن إفريقيا من إنتاج خطاب جديد يعكس صورتها وآمالها وطموحاتها في مرآة الإتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، فلا يمكن أن تكون إفريقيا بعدد الأصوات التي تملك، مجرد أداة للكسب الإنتخابي يتهافت عليها ويخطب ودها كل من يريد الجلوس على عرش الفيفا، ولا يمكن تحت أي سبب أن يعتدى على حقوقها كلما تعلق الأمر بتوزيع تركة ما على الإتحادات القارية. وحتى نكون أمناء مع التاريخ، فإن الكاميروني عيسى حياتو المنتهية ولاياته السبع على رأس الكاف، خاض تحت تحفظات كثيرة، حروبا ضارية من أجل إسماع كلمة إفريقيا، فأبدا لم يرضخ لأي ضغوط من أي نوع من أجل الإنتصار لمصلحة إفريقيا، سواء تعلق الأمر بممارسة السيادة الكاملة على المنافسات الإفريقية، أو تعلق بحصة القارة من مقاعد المونديال كلما زيد في عددها، لذلك هناك حاجة لأن تراكم إفريقيا على ما أنجز، ولا تتساهل مع كل محاولة للإجهاز على حقوقها، وإذا كان إينفانتينو رئيس الفيفا قد راهن على التغيير، مصداقا للتحول الكبير الذي خضعت له كل المؤسسات الكروية الكبيرة بعد الربيع الذي أطاح ببلاتر وكل رؤوس الفساد، فإن ذلك لا بد وأن يقترن بالفعل الذي يحجز لإفريقيا مكانا إستراتيجيا في منظومة العمل الكروي العالمي، لذلك أرى أن أحمد أحمد الرئيس الجديد للكاف، سيوضع بشكل آني تحت الإختبار. الإختبار الأول سيكون لا محالة الضغط بقوة من أجل أن تصبح لإفريقيا 10 مقاعد كاملة في نهائيات كأس العالم إعتبارا من نسخة 2026 التي سنمر خلالها إلى 48 منتخبا مؤهلا بدل 32، ولا علاقة للموضوع بالخرافات التى جرى تصديرها منذ عقود، من أن النتائج الرياضية للمنتخبات الإفريقية في نهائيات كأس العالم هي ما يحدد حصتها، بالنظر إلى أن الرهان الأكبر الذي يجب أن يطبع الزمن الحالي للكرة العالمية، هي إشاعة نوع من العدالة والمساواة بين القارات، وأظن أن أحمد يحتاج إلى تحالفات قارية من أجل إنتزاع ما هو حق من الحقوق عندما تعيد الفيفا تشكيل حصص القارات، عند عقده لجمعيتها العمومية بالبحرين شهر ماي القادم. أما الإختبار الثاني فهو المرتبط بتنظيم كأس العالم، إذ يجب أن تناضل إفريقيا من أجل نيل ما هو أصلا حق من حقوقها، فلا معنى إطلاقا أن تنظم إفريقيا مرة واحدة كأس العالم وفقا لسيناريوهات بديئة وفضائحية تداعت مع سقوط أوراق الفساد من شجرة الفيفا المتعفنة. لقد إستمعت لرسالة مررها بكثير من الخبث رئيس الإتحاد الأوروبي لكرة القدم السلوفيني ألكسندر سيفرين، قال فيها أن من عاشر المستحيلات أن ينظم بلد إفريقي كأس العالم ب48 منتخبا، وهو أعرف الناس بأن الغالبية العظمى من دول القارة التي يرأس إتحاد كرة القدم فيها لا تستطيع ذلك مهما بلغ حجم الإنفاق، وبالطبع فإن إفريقيا يجب أن تحارب من أجل أن تكون في صلب المقاربة الجديدة التي يقترحها إينفانتينو من أجل مونديال معولم وعابر للقارات، لا أن تكون متفرجا بسبب قلة الحيلة أو قصر اليد إختباران كبيران لو نجح فيهما أحمد، فسيكون قد حصل على نقاط كثيرة تجعل منه ومن إفريقيا مركز ثقل في كوكب كرة القدم.