حين هزمنا الأخضر السعودي ذات يوم من أيام ثمانينيات القرن الماضي بالحصة القياسية المعلومة (131)، ظن كثيرون ممن لم يتفرسوا واقع الفنجان الذي سينقلب بعد سنوات أننا أمة ولدت لتلعب الكرة بالفطرة، وأمة ستنام في العسل على وقع الفوز الهلامي المذكور الذي كان يرافقه إكتساحنا لأثيوبيا بحصص صاعقة كان قد أجبرت لاعبي منتخب بلاد الحبشة في واحد من اللقاءات الإقصائية لكأس أمم إفريقيا مع المدرب عبد الخالق اللوزاني يتمارضون ويتساقطون داخل المستطيل الأخضر حتى أضحى عددهم لا يسمح بإجراء مباراة لكرة القدم بعدما كان أسودنا الحقيقيون يومها في طريقهم لتمزيق شباك إثيوبيا بحصة تاريخية، وبعدها سيكرر نفس الصورة المنتخب الغابوني، بمعقله وبملعب الحاج عمر بانغو الذي أذل فيه قبل 4 أشهر من الآن منتخب التركيبة الرباعية، وكأنه إنتقم للإستعراض الذي كان بطله يومها بصير ورفيق درب الإحتراف السعودي يومها الفتى المشاكس البهجة، دون أن أذكر إذلالنا لذات الطوغو بسباعية في سنة 1979 قبل أن تدور دائرة الزمن وتجعل ذات الطوغو بعد 30 سنة سببا في جر جرتنا أمام "الطاس" والفيفا نستجدي نقاطا تؤهلنا للعرس الإفريقي الذي لم يعد راغبا فينا·· يبدو هذا الموال النوسطالجي مثيرا للشفقة وللإحساس بإحباط كبير ولغبن ولدته سنوات القهر والصغار التي تجرعنا من كأس مرارها ما يكفي، لكني سلطت الضوء على خوارق الأمس من باب وذكر لعل الذكرى تنفع في زمننا الأغبر الذي نحياه، وتوقظ فينا ضمير الأنفة والعزة ومعها نتذكر وجوها طواها النسيان هي من صنعت هذا المجد وأحيلت على الرفوف وباتت صفرا بلا قيمة على الشمال، وحين قلت في بداية الإستحضار لزمننا الذهبي السعودية التي تسببت لنا فيما بعد وبالضبط سنة 1994 في أزمة ثقة وأزمة كبرياء، فلكي أضع مقارنات مع التوجه الإحترافي لإداريي ومسؤولي هذا البلد والذي ساهم في نهضتهم الكروية وفي إشعاع أسماء لامعة بلغت العالمية بفضل الدعم، الإهتمام، العناية وإحساسهم بقيمتهم كثرات كروي بداية بماجد عبد الله مرورا بالجابر ، الربيع، الهريفي، أحمد جميل الخليوي، عبد الغني والتنيان، وانتهاء بالتمياط، والقحطاني ومعاذ والشلهوب·· تابعوا معي كيف كافأت السعودية كإتحاد ومعها شراكة نواديها نجومها وكيف جرنا نحن على صانعي تاريخنا الكروي· ماجد عبد الله يكرمه نادي النصر وريال مدريد بأرمادة نجومه ونيازكه يحضروا اللقاء يسوق عالميا في مهرجان إعتزال راق، وينال بيلي الصحراء أكثر من 200 ألف دولار راضيا مرضيا، بعده الهلال سيكرم سامي الجابر في ملعب الرياض بحضور المان يونايتد ونجومه وحدث ولا حرج عما ناله اللاعب من هدايا عينية وأخرى نقدية، الإتحاد سيحذو حذو العملاقين وسيكرم أحمد حمزة الظاهرة الهجومية التي كانت تنحني لأحمد البهجة بثوب النمور وسيحضر جوفنتوس مهرجان الإعتزال بنفس صورة الألق السابقتين، وأخيرا وليس آخر نواف التمياط يكرم من طرف الهلال والأنتر الإيطالي يحضر بنجومه، وما نال السابقون ناله اللاحقون من زاد وحلوى التكريم·· هذه أربعة نماذج للاعبين سعوديين كرموا بصورة ولا أروع وخرجوا من الزفة غانمين، وحين أقول غانمين فأكبر غنيمة هي صورة الحب والتقدير التي يخصهم بها الجمهور وهم يحسون بقيمة سنوات العطاء التي لم تذهب هدرا ولا هباء منثورا· أما عندنا فصورة الجوطابل هي السائدة في منطق تعامل الجامعة ونوادينا مع من أعطوا الكثير ونالوا القليل من العرفان، ما إن تنتهي صلاحيتهم حتى يحالوا للجانب بلا استثمار لسنوات العطاء، ونسيت أن أذكر بأن السعوديين حين إحتفوا برموزهم فهذا كان بداية للمكافأة وليس نهايتها، حولوا ماجد عبد الله لمستشار دائم للإتحاد، سامي الجابر لمدير تقني بالهلال ومسؤول عن كل انتداب وتعاقد وهو من بارك غيريتس، وحمزة بات الساعد الأيمن لكالديرون الأرجنتيني رفقة إتحاد جدة· عندنا ما زالت الوداد حائرة توزع الوعود وتبشر بمقدم الميلان لتكريم الداودي دون أن تقوم بذات الخطوة الصحيحة التي قامت بها الأندية السعودية في هذا الصدد، وإذا لم يأت الميلان سيأتي العين الإماراتي واشوفوا فين كنا وفين ولينا·· نيبت إعتزل وفي هدوء ودون أن نكرمه كالأساطير التي تأتي عبر فترات متباعدة من الزمن·· التيمومي الجيش لا يفكر في تخليد ذكرى أول من أدخل الكرة الذهبية لمركز العسكر·· الزاكي تحول من لاعب لمدرب واختصر صداع الرأس بسرعة·· بودربالة من شوارع للمراوغة كان أكبر تكريم له هو تكريم الشارع بعد جحود ذوي القرى، وعتبي الكبير على الرجاء التي لم تحسن وفادة المعلم ظلمي بتكريم على مقاس عبقريته فلا كورونيا حضرت ولا حتى حفل على الضيق نظم ليقول شكرا للظاهرة·· آسف جدا إن حركت فيكم هذه الصور ما يدعو للإشمئزاز من واقع التنكر السائد، وندائي للجامعة ورؤساء الأندية، رجاء كرموهم قبل أن تعدموهم·