لم يحصل رشيد الطوسي كغيره من الناخبين على إحماء يدخله تدريجيا إلى أجواء مهمة جسيمة حلم بها وأدرك يقينا أنها ستثقل كاهله، ولم يكتب له كغيره من المدربين الذين أحضروا للفريق الوطني في آخر عقدين أن يحصل على محك تجريبي يقيس فيه درجة حرارة العرين ويضبط معه عقارب فكره مع الزمن الجديد.. يجد رشيد الطوسي نفسه مجبرا على أن يؤجل فرح الإرتباط وتوابع المهمة وتبعات الدور الذي يتقمصه، ليدخل رأسا إلى معركة ضارية، طاحنة ومصيرية، ليست مصيرية بالقدر الذي يجعلها حاسمة في تقرير مصير الطوسي كناخب وطني، أبدا لم ولن يكون هذا هو المقصود ولا المراد، ولكنها مصيرية للفريق الوطني، لحاضره ولمستقبله القريب. نثوق جميعا إلى أن يفوز الفريق الوطني على أفاعي الموزمبيق بالحصة التي تتجاوز فارق هدفي الذهاب، ليضمن تأهله إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم.. لأن في وجود أسود الأطلس مع الفرسان 16 للمونديال الإفريقي ما يعطي هامشا للمبادرة التقنية التي يضع ملامحها الأولى رشيد الطوسي والتي ترمي إلى إكساب الفريق الوطني الشخصية المتطابقة والتي ترفع أخيرا من قدره وتحجب عنه كل المنزلقات النفسية والتكتيكية والفنية التي شوهت صورة كم كانت جميلة له في المتخيل الإفريقي.. أنا هنا لا أرثي لحال رشيد الطوسي ولا أستبعد أن ينجز المهمة ولا أشك في قدراته الفكرية والنفسية على تغيير التضاريس ورسم خارطة طريق جديدة لأسود الأطلس، ولكنني أشفق عليه لأنه مطالب بأن يضع لنا جميعا خاتمة لأحزان طويلة ويدلنا ويدل الأسود على طريق لم نعد نتبين معالمها، فهل يقدر على أن يفعل ذلك؟ بالطبع، يستطيع رشيد الطوسي أن يفعل ذلك، ولكن المؤكد والحتمي والذي لا نقاش عليه أنه لن يفعله لوحده، إنه يحتاجنا جميعا بلا مزايدات وبلا حتى مقدمات، إنه يحتاج منا لنكون له السند والعضد والرقيب الذي لا يتجسس ولكن ينبه إلى ما هو من ضرورات النجاح.. وعندما يقرر كل أسودنا بلا إستثناء الحضور إلى موقعة الموزمبيق بمجرد إشارة من رشيد الطوسي لتقويم الفريق الوطني وإعادة قطاره إلى السكة الصحيحة، عندما لا يتأخر كل من دعاهم الطوسي ليكونوا فرسان يوم السبت، فإن ذلك يقول بشيء كررناه في مناسبات كثيرة، هو أن لاعبي الفريق الوطني وحدة عضوية لا تتجزأ، وحدة تقوم على الغيرة وتقوم على تقديس الواجب الوطني، وقد كان رائعا أن يتوجه الطوسي إلينا جميعا ليقول أن الفريق الوطني لحمة واحدة، لا فرق فيها بين من لعب عشرات المباريات الدولية ومن يستعد ليلعب أول مباراة له، بين من يمارس هنا في بطولتنا الإحترافية وبين من يلعب هناك ببطولات أوروبا والخليج العربي، لذلك فإن أول ما يمكن أن يعالج الصدع البنيوي والنفسي هو طرد هذا الوهم الذي يسوقه كلما حلت بنا أزمة النتائج تجار اليأس.. والسؤال الذي يطرحه المغاربة على أنفسهم وعلى بعضهم البعض.. هل يستطيع أن يتجاوز الفريق الوطني فارق الهدفين ويتأهل إلى نهائيات المونديال الإفريقي للمرة 15 في تاريخه؟ إن كان نعم.. فبأي طريقة واعتمادًا على أي نهج وعلى أي أسلحة؟ نجزم على أن الفريق الوطني ما انهزم بهدفين نظيفين في مابوتو أمام منتخب الموزمبيق إلا أنه أظهر تفككا نفسيا وتفسخا تكتيكيا، أضاعا عليه شخصيته وأفقداه كل قدرة على تدبر مباراة وخصم كانا في المتناول، أنا لا أقول أن منتخب الموزمبيق ليس بالخصم الذي يجب إحترامه والإحتراس منه، بالعكس، فالفريق الوطني ورشيد الطوسي تحديدا مطالبان بالإنتباه إلى ما تسلح به أفاعي الموزمبيق بعد لدغة الذهاب، فقد حصلوا على هامش أمان وجرعة ثقة وقدر كبير من الجسارة، ولكن أشدد أيضا على أن الفريق الوطني الذي يستعيد الكثير من التوابث ومن عناصر الخبرة التي افتقدها خلال مباراة الذهاب بمابوتو قادر على أن يربح الرهان ويكسب التحدي ويتجاوز ما هو أكبر من الحاجز الذي وضعته أمامه مباراة مابوتو، والسبيل إلى ذلك أن يضع رشيد الطوسي في مواجهة منتخب الموزمبيق مجموعة متناغمة ومنسجمة بقدر قليل، يجمع بين عناصرها العديد من التكامليات التكتيكية لإنجاز مهمة بالغة التعقيد، مهمة تؤطر المباراة زمنيا بشكل جيد، بحيث يكون الإنتقال بين فقراتها سلسا وطيعا وناجعا، وتوظف منسوب اللياقة البدنية بشكل جيد، فالحاجة ستكون ماسة إلى تنويع الإيقاع وإلى إستغلال المساحات بشكل ذكي مع الحصول على الكرة أو حتى مع فقدانها، وفي كل ذلك يحتاج لاعبونا إلى ما يساعدهم على تصريف الضغط بشكل لا يؤثر سلبا على نفسياتهم، فقد يتأخر الهدف وقد تستعصي الحلول وعندها تكون الحاجة ماسة إلى طاقة هائلة من الصبر فالأهداف عادة ما تأتي في ثوان قليلة.. مؤكد أن رشيد الطوسي الذي يعمل مع طاقم إختاره بدقة متناهية إنسجاما مع حركية وطبيعة فكره، قرأ كل السيناريوهات المحتملة وصمم للمباراة نمطا تكتيكيا من مقاسها ليتحقق المراد، وهو في ذلك كله يحتاج، كما يحتاج الفريق الوطني بكل لاعبيه إلى مساندة مطلقة ولا مشروطة من الجماهير المغربية التي كانت على الدوام صاحبة فضل في كل الملاحم الكروية التي صاغها الفريق الوطني.. حظ سعيد لأسود الأطلس ودعواتنا لهم بالتوفيق.. بدر الدين الإدريسي