قد نكون اختلفنا واختلافنا رحمة وليس صراعا، اختلاف مبادئ وليس انتصارا لأطراف بعينها، لأن الوطن باق والمدربون يزولون، بخصوص سياقات استقدام رونار ولا حتى الطريقة والشكل الذي تمت به الصفقة وأقول عنها صفقة لأن التعاقد مع مدرب من طينة رونار غير متاح كل يوم وأمام كل منتخبات القارة.. وقد نكون أيضا قد ساورنا الشك ولو للحظة فيما يمكن أن يأتي به مدرب مهما علا شأنه في ظرف زمني قصير للغاية قوامه 4 أيام، وما يمكن أن يقدمه للاعبيه، لكنني لم أشك ولو للحظة وبشهادة مقربين في هذا المدرب كونه بالفعل ماكر وداهية ومناور من طراز رفيع جدا، ولعبته التي لا يضاهيه فيها أحد هي لعبة الكلام المباح والعزف على وتر المعنويات. في ظرف 4 أيام نجح رونار فيما لم ينجح فيه الزاكي ولنكن صرحاء في هذا السياق، لأن الجميع تابع فصول مباراة برايا وشاهدوا بالعين المجردة كيف حارب لاعبو الفريق الوطني عبر كل الجبهات (الأرض والجغرافيا والمناخ والريح والطقوس غير المألوفة) وبدوا في صورة محاربين يلعبون للقميص الوطني ولأشياء أخرى. بغير كثير من الذكاء وبقليل منه فقط يمكن استنتاج هذه الخلاصة التي هي من بواكير رونار ومن حسنات عمله ليس معنا فقط وإنما مع من مر من دربهم. رونار وللذكرى التي تنقع المؤمنين لم يقد منتخب زامبيا سنة 2012 للفوز بالكأس القارية بفضل دهائه الخططي ولا علومه التقنية، رونار قبل الحلول بالغابون اصطحب لاعبي منتخب الرصاصات النحاسية للمكان الذي هوت فيه طائرة المنتخب الزامبي قبل نحو 20 سنة وقال لهم بالحرف: «هؤلاء روحهم صعدت للسماء وتتطلع لهدية منكم، الفوز بالكان سيجعلهم يرتاحون في عالمهم الآخر». وضع رونار ولاعبوه باقة ورد في مكان الفاجعة وخلال الدورة والتي لم يكن ليراهن فيها أحد على هذا المنتخب تابع العالم وليس أفريقيا وحدها كيف تحول المنتخب الزامبي لكتلة فدائيين ومحاربين يأكلون العشب بملاعب الغابون. في الدورة الأخيرة بغينيا الإستوائية وفي ذات القصاصات المحمولة على رونار، خطب هذا الثعلب في لاعبيه الإيفواريين وقال لهم بما مختصره المفيد: «غير معقول أن يكون بينكم اليوم دروغبا وتوري وجيرفينيو وكالو ولا تفوزون باللقب القاري، لن يذكر لكم التاريخ سوى أنكم عبرتم من هذا المنتخب وتخلفتم عن البوديوم». وتابعنا جميعنا كيف تحول كل لاعب من كوت ديفوار لفيل يدهس الكل في طريقه وفيل جبار لعب بالروح والإصرار وليس بالتقنية ليتوج باللقب الهارب منذ دورة السينغال. بجانب همسات رونار السحرية، يحضر معه رجل سر آخر إسمه باتريس بوميل، وحين التقى رونار بفوزي لقجع قال له بالحرف» إختر من شئت ومن تراهم الأنسب لمرافقتي، فقط لن أتنازل عن حضور فان بوميل معي فهو ظلي وهو من ألاقي الصوت وأتلقف فيه الصدى ليرجع إلي ولا حاجة لي بمعد بدني». هل تابعتم الفريق الوطني قبل لقاء برايا بنفس الحضور البدني من أول دقيقة لغاية آخر ثانية؟ ألم يكن عيبنا الذي أجمعنا حوله اللياقة البدنية وانهيارنا في الشوط الثاني؟ الم نقاوم الشوط الثاني المنافس وتيار الرياح الشديدة ولم يظهر للعياء أثر على لاعبينا؟ إنه باتريس فان بوميل ياسادة وعليكم البحث في سجلات زامبيا وكوت ديفوار وكيف خاضوا خلال الكأسين التي فازا بها معا مباريات 120 دقيقة من دون كلل ولا ملل ولا إرهاق كما فعلتها كوت ديفوار أمام غانا بالنهائي؟ رونار لا يعرفني ولا أعرفه شخصيا، ولربما أنا أول من قصفه وأساء الظن باختياره ولربما كنت من الذين لم يروا فيما يمكن أن يقدمه ولا يحتاج مني رميه بأكاليل الورد الرياحين حتى أقول فيه كل هذا. رونار بمراكش كرر ما فعله بلوياكا وحول كل لاعب من لاعبي زامبيا لرصاصة ذهبية وليست نحاسية تمزق صدور المنافسين. وكرر ما فعله بأبيدجان فحول لاعبي المنتخب الإيفواري لفيلة بلا رحمة، واليوم هو مع الأسود وما أدراك ما الأسود حين تستفزهم بخطاب النصر. لكم أن تسألوني عما قاله رونار للاعبينا بمراكش، فقد قال لهم: «لا يعتقد أحدكم أنه يتميز عن الثاني، لعل أفضلكم لن يلبس ببرايا ولن يكون حتى بجانبي وقد يتابع المباراة من المدرجات، من سيدخل معي هم المحاربون الذين أحتاجهم والبقية لهم دور في الشوط الثاني من المعركة بمراكش، وعليهم أن يحرصوا على شحذ أنيابهم». انتهى كلام رونار.. وخطاب رونار للاعبيه، فكانوا ببرايا أسودا شامخة وشخصيا منذ فترة لم أشاهد منتخبنا الوطني يضيق المساحات بين لاعبيه وبروح البريسنغ العالية والقدرة على إنهاء المباراة بذات إيقاع البداية. من يفعل هذا هو بالفعل رونار.. ليس رونار الملاعب إنما رونار الغابة..