لماذا فشلنا ؟ ليس لإخفاق الرياضة الوطنية في أولمياد لندن الأخير والذي لم نجن منه غير برونزية عبد العاطي إيكدير إلا تسمية واحدة ووحيدة.. إنه إخفاق يرمز إلى الفشل، فشل منظومة، فشل تدبيري وفشل رؤية، ومسؤولية هذا الفشل تقع على الجميع بدون إستثناء. لن نقبل تحت أي سبب وتحت أي ذريعة مهما كان لها من وجاهة، أن ترمي اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية الفشل على الجامعات وعلى الرياضيين، أو أن ترمي الجامعات الفشل على من كانوا في ملاعب التباري وحلبات التنافس، أو أن يرمي هؤلاء الفشل على اللجنة الأولمبية، فالفشل جماعي، إنه وحدة غير قابلة للتقسيم أو التجزيء حتى وإن كان هناك تفاوت في حجم المسؤولية. كل ما كان يختلق في السابق من أعذار تجعلنا نثق بكل الشماعات التي تعلق عليها الإقصاءات أصبح واهيا ولا يمكن أن يؤحذ به، فإذا كانت الدورات الأولمبية السابقة والتي كان الأسوأ فيها أقوى حصادا وحصيلة من دورة لندن، إذا كانت تلك الدورات قد تذرعت بضعف التأطير وهزالة المنح المالية المرصودة ونذرة معسكرات الإعداد والتحضير لتبرر أحيانا ما كان من عدم إنتظام في حصد الميادليات، فإن دورة لندن 2012 لا يمكن أن تقبل حتى بعشر هذا الأعذار.. لماذا؟ لسبب بسيط أن الدولة منحت الرياضة الوطنية قبل ثلاث سنوات غلافا ماليا ناهز 33 مليار سنتيم لإعداد وتأهيل وتأطير الرياضيين المعقودة عليهم الآمال للوصول إلى الألعاب الأولمبية، ليحققوا في مرحلة أولى تأهلهم وليتمكنوا في مرحلة ثانية من أن يتحضروا بطريقة إحترافية للألعاب الكونية. على مدى السنوات الثلاث التي سبقت سنة الأولمبياد، تشكلت لجنة متابعة رياضيي الصفوة تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية، ووضعت المعايير وتحددت الأهداف واعتمد نظام الفئات الذي يصنف الرياضيين بحسب درجة الكفاءة، وجرى تكييف الأنظمة والمعايير على أرضية التطبيق عندما برز ما يدعو إلى ذلك، وبشرتنا اللجنة الأولمبية وهي تقترب من لحظة الصفر لبدء أولمبياد لندن، بأن نظام رياضة الصفوة الذي يعتمد لأول مرة في تاريح الرياضة الوطنية ليس بمضمونه العلمي والتقني فقط ولكن أيضا بالسيولة المالية التي وفرها، هذا النظام أفرز معطى جديدا، تمثل في مشاركة كمية غير مسبوقة للرياضيين المغاربة في دورة لندن الأولمبية والتفاؤل قائم بشأن أن توازي هذه المشاركة الكمية، مشاركة كيفية.. ولم تنس اللجنة الأولمبية أن تشدد على أنها صرفت 38 بالمائة فقط من الميزانية المرصودة (قرابة 14 مليار من أصل 33 مليار سنتيم) وكان ذلك دليلا على الحرص والرقابة والصرف المعقلن. إلا أن السؤال المركب هو.. هل كل ما كانت تعبر عنه «المشاركة الكمية» هو ميدالية برونزية وحيدة، تجعل من دورة لندن هي الأسوأ في تاريخنا الأولمبي منذ دورة لوس أنجليس سنة 1984؟ ولماذا تقتَّرت اللجنة الأولمبية تحت وازع الصرف المعقلن ووفرت 62 بالمائة من الميزانية المرصودة؟ عندما تسأل اللجنة الأولمبية عن صرف 38 بالمائة فقط من أصل المنحة المالية الدسمة المرصودة لتجهيز وتحضير رياضيي المستوى العالي، فإنها تجيب بأمرين إثنين، أولهما درجة الحرص الكبيرة التي بلغتها اللجنة في صرف الإعتمادات وفي الإنفاق أيضا على المعسكرات الخارجية والداخلية، وثانيهما أن ما جرى إقتصاده هم بالأساس جانب التأطير التقني، فقد كانت اللجنة على إستعداد لأن ترتبط بمؤطرين وازنين، أجانب إن إقتضى الحال، وتستطيع أن تصل إلي راتب شهري يقدر بعشرة آلاف دولار، إلا أن أغلب الجامعات تمسكت بأطرها التقنية «الوطنية» مدعية أن لها الكفاءة الضرورية لمرافقة ومصاحبة وتأطير رياضيي المستوى العالي وبرواتب شهرية لا تزيد عن الثلاثين بالمائة من أعلى سقف للرواتب المقترحة. وهنا تحديدا يبرز الوجه الأقوى في عملة الإخفاق والفشل والقاسم المشترك في مسؤولية هزالة وضعف الحصيلة.. فاللجنة المنصبة بمعرفة اللجنة الأولمبية والوزارة الوصية لتأطير المنظومة الجديدة والتي جعلتنا في المغرب نعمل لأول مرة بنظام الدورة الأولمبية تتحمل المسؤولية الكاملة في أنها وثقت بالجامعات الوطنية، إطمأنت إلى خطاب التفاؤل الذي أشاعته إلى درجة أنه ضلل الجماهير وضللنا كإعلام، وأبدا لم تفطن إلى إنحرافاتها بخاصة عندما يتعلق الأمر بانتقاء الرياضيين، بتصنيفهم وباعتماد من سيؤطرهم. والجامعات التي هي المسؤول المباشر على رياضييها لم تستطع أن تكيف نفسها مع المستجد المادي والإجتماعي والنفسي الذي جاءت به لجنة رياضيي الصفوة، فأحدثت ثقبا غائرا في منظومتها، وأكثر من ذلك بالغت في الثقة عن إقتناع أو غير إقتناع بالأطر التقنية التي يرتبط بهم رؤساء الجامعات إرتباطا وثيقا لأسباب قد يكون آخرها الكفاءة. والنتيجة الكارثية لهذا التضارب الفظيع والتناطح الغريب للمصالح أن أغلب رياضيينا برغم كل الذي حصلوا أو لم يحصلوا عليه، مع أنه ذهب إليهم، من مكافآت مالية مجزية وأيضا من ظروف للتحضير جيدا للموعد الأولمبي، سقطوا من الأدوار الأولى وأحيانا أمام منافسين لم يكونوا من مقاسهم التقني ولم يحصلوا على نصف ما حصلوا عليه من معسكرات. وأصل كل هذه الكوارث أن أغلب الرياضيين الذين حملوا على أكتافهم مسؤولية تمثيل المغرب في الأولمبياد والمنافسة على الميداليات، لم يحصلوا على التأطير التقني والذهني الذي يعرفهم بقدراتهم الفنية ويؤطرهم نفسيا لتحمل المسؤولية، والسبب أن الجامعات لم ترتفع قليلا فوق أنانيتها وتستنجد بأطر تقنية وازنة لها القدرة العلمية والفكرية لمصاحبة وتأطير وتوجيه رياضيين ينافسون عالميا في إطار الألعاب الأكثر كونية. يبطل العجب عندما يعرف سبب الفشل، ويصبح لزاما أن نتمسك بالحظوة التي حصلت عليها الرياضة الوطنية ممثلة في الدعم المالي الذي رصد بتوجيهات ملكية لإعداد رياضيي الصفوة، ومعه يصبح ضروريا أن نعيد النظر في تركيبة لجنة الصفوة، في إختصاصاتها وفي صلاحيتها وأيضا في عمقها التقني الذي لا يسمح للجامعات الرياضية بأن تضحك عليها وعلينا.