كيف ذهبنا وكيف عدنا؟ غيرنا ذهب إلى لندن، إلى أم التظاهرات الرياضية والأكثرها كونية لينجح في إمتحان العمر، نافس وقاتل من أجل أن ينال قلادات الشرف وعاد منها غانما ومتوجا، ونحن ذهبنا إلى الألعاب الأولمبية وقد ملأنا الدنيا ضجيجا وعدنا منها بميدالية وحيدة زمانها الأغبر، وقد تركنا هناك في مسرح التباري الأولمبي ما يقول أننا رسبنا في الإختبار، تركنا ما يدل على أننا كنا فاقدي القدرة على ترك أي أثر. غيرنا ذهب إلى لندن، أسرع نحو المجد، إرتفع عاليا ليقتنص النجوم، ورمى بكل ثقله في ساحات المنافسة الشريفة ليجذب إليه الذهب، أما نحن فقد ذهبنا إلى لندن نسرع الخطى نحو الظلام، ننجذب عميقا إلى القعر ولا نجد عند وقت الجد ما يمنحنا المجد. غيرنا آمن عميقا بقدراته فحصل على أغلى مكافأة، أما نحن فقد بخسنا أنفسنا، رياضيونا رمونا بسهام جارحة ورموا بنا في مستنقع الأحزان. وعندما تتعري السماء فلا تعود بها غيوم الوهم، وعندما نلتحف الأرض لنرى الأشياء كما هي موجعة كانت أم كاسرة نقف على الحقيقة الحزينة، حقيقة أن المغرب بذل مجهودا غير مسبوق في تأطير ومتابعة وتأهيل رياضيي المستوى العالي، عندما رصد للسنوات الثلاث التي سبقت الألعاب الأولمبية ميزانية قوية قاربت 300 مليون درهم، وقد كان الرهان حينها أن تتسلح الرياضة الوطنية بما يكفيها من أسلحة لتقوى على المنافسة التي أظهرت الألعاب الأولمبية ببكين قبل أربع سنوات ودورة لندن التي إنتهت بالأمس أنها قويت حتى أنه لم يعد هناك مكان للضعفاء. لماذا بعد هذا الذي صرف من أموال وما رصد من إمكانات وما متع به الرياضيون المحسوبون على الصفوة من مقابل مادي جاءت الحصيلة أضعف من تلك التي كانت قبل أربع سنوات ببكين؟ أين أخطأنا؟ وهل يوجد من هو مسؤول عن هذا العبث؟ وكيف يمكن أن نقرأ الحصيلة الموجعة من دون مزايدات ومن دون بحث عن ضحايا معدين سلفا للتغطية على الجناة الحقيقيين؟ عندما نتعمق في مطالعة حضورنا النوعي وليس الكمي في دورة لندن نتوصل إلى أن الرياضيين المغاربة وإن إختلفوا في الطريقة التي أهلتهم للألعاب الأولمبية وإن تقاطعوا في حجم الإنتظارات التي جاؤوا يحملونها على أكتافهم، نتأكد من أن هناك ما يبرر هذا السقوط القوي والذي سيترك حتما العديد من الإرتجاجات. أول الأشياء أن الرياضيين المغاربة بخاصة أولئك الذين جاؤوا من رياضات كانت ذات وقت تتسول بهم ولهم، فقدوا أقوى ما فيهم، توازنهم النفسي وتركيزهم الذهني، فقد حرص نظام رياضة الصفوة على أن يعطيهم ليس فقط القدرة على التحضير بمعسكرات خارجية، ولكن منحهم هم المصنفون كرياضيي الصفوة القدرة على تأمين مستقبلهم، فهل قلب ذلك كياناتهم؟ ثاني الأشياء أن الدورة الأولمبية بلندن قدمت منظورا جديدا للصفوة وهو المنظور الذي يجب أن نرتكز عليه في التأسيس للوجه الثاني للصفوة والذي يختلف كثيرا عن الذي إعتمدناه في الدورة الأولمبية المنقضية للتو، فالإنتقاء يجب أن يرتكز على معطيات علمية قبل أن تكون تقنية، يجب أن يقوم على قياس الموهبة وقياس القدرة على تقمص دور البطل، وهذه المعطيات لا يملك أسرارها سوى المؤطرون المتمكنون وليس لنا منهم في المغرب إلا القليل. أما ثالث الأشياء فهي أن الألعاب الأولمبية بلندن والحال البئيس الذي كان عليه رياضيونا وهم يحصدون الإقصاءات الموجعة والمحبطة، كشفت عن قصور كبير في المجال التقني، فرياضيو المستوى العالي يحتاجون إلى مدربين بكفاءة مهنية عالية وبكاريزما خاصة وبإلمام دقيق بعلوم التربية والنفس لطالما أن مرافقة أي رياضي إلى مدارج المجد، لذلك يحتاج المستقبل القريب الذي يبدأ من الغد إلى مقاربات جديدة في تصنيف الرياضيين وفي تقديس الموهبة، فما عاد ممكنا أن نكتفي تحت أي مبررات بتأطير تقني على المقاس القاري والعربي وليس العالمي.