لم يعد بعد الدرك الذي أوصلنا إليه الفريق الوطني درك أسفل·· ولم يعد هناك قعر أعمق من القعر الذي رمتنا فيه مباريات الفريق الوطني، وبخاصة تلك التي خاضها السبت الماضي أمام الكامرون، المباراة التي كنا نظن أنها ستبقي على ما بقي من كرامة وتحفظ ما أصبح متاحا من سمعة، وتداوى ما تضرر من كبرياء· نستطيع القول بأن السيل بلغ الزبى والقهر بلغ مداه، ولم يعد بمقدورنا أن نتحمل مزيدا من المهانة والذل والمسخ·· ونستطيع مع ذلك أن نطيل في النحيب، في البكاء على اللبن المسكوب وفي التغني بالأيام الجميلة التي عادت لفظاعة وبشاعة ما نراه اليوم أطلالا بالية·· والحقيقة أننا وقعنا على أسوأ مشوار إقصائي في تاريخنا الكروي، صحيح أننا لم نذهب إلى كأس العالم سوى أربع مرات، وما عداها من المرات كانت هناك إقصاءات· ولكن قياسا مع ما أصبح لنا من إمكانات ومن رصيد، فإن الخروج هذه المرة كان الأسوأ، الأكثر إصابة بالإحباط والأقوى دلالة على ما بلغه تدبيرنا الكروي من تفسخ وانحلال وضحالة·· قوينا على مشاهده مباراة السبت، وترجل الآلاف من المغاربة مهمومين إلى مركب فاس، وانزوى الملايين في زوايا البيوت المعتمة يمنون النفس في خروج يحفظ على الأقل الكرامة، ولكن ما كان في المباراة، في الأداء وفي الروح، وفي قلة الحيلة وفي العجز الذي يصيب بالحسرة كشف عن أفظع نهاية لأبشع مهزلة في تاريخ الفريق الوطني·· فمن الذين أوصلنا لهذه النهاية الكارثية، ومن الذي حاك هذه المهزلة الفظيعة؟ أسأل من؟ لأنني موقن أن الذي حدث كان بفعل شخص أو أشخاص مفترضين أكثر ما كان بفعل ظروف، أو بفعل حالة إستثناء طبيعية نجد مثيلا لها في تاريخ فريقنا الوطني، وقبل أن يكون لومير أو الطاقم الرباعي، وقبل أن يكون اللاعبون الذين منهم من تسيب ومنهم من خرج عن النص ومنهم من افتقد للروح ومنهم من قطر به السقف، ومنهم من وجد نفسه يلعب للفريق الوطني وقد كان له الأمر حلما·· يستحيل أن يتحقق، هم من تسببوا في هذا الزلزال العنيف الذي ضرب الثقة في النفس وفي القدرات وقدمنا أمام الكامرون بتلك الصورة المشينة التي لا تشرف أي مغربي، كان هناك مسيرون وجامعيون مسؤولون عن خروج القطار عن سكته، مسؤولون عن هذا الشغب ومسؤولون عن جرم كبير إرتكبوه ولا بد أن يحاسبوا عليه·· كان المكتب الجامعي السابق برمته مسؤولا بدرجة أولى عن الذي ضرب عرين أسود الأطلس من فساد، فقد أساء تدبير مرحلة بكاملها، ركب رأسه في اختيار أسماء بعينها لإدارة شأن الفريق الوطني، وحتى تلك التي أجاد اختيارها أخرجها سريعا من عرين الأسود، وكان المكتب الجامعي الجديد مسؤولا بدوره عن حالة الإستعصاء والعصيان، عندما فكر أن يكون البديل لروجي لومير في فترة حرجة ودقيقة لم نكن قد فقدنا خلالها كل أمل في التأهل لكأس العالم قبل كأس إفريقيا للأمم، مدربون وطنيون أربعة، ما استطاعوا لأسباب موضوعية أن يطوقوا الأزمة وأن يسدوا الجرح وأن يتغلبوا على موجة العصيان، فهم بالأساس وليس هذا تجنيا في حقهم، لا يقدرون على أن يأتي بشيء هم فاقدوه أصلا·· نعم كان بمقدور السيد علي الفاسي الفهري لو وسع دائرة الإستشارة ولم يضيقها بشكل جعل البعض يستأثر بالقرار وهو ملزم وتاريخي، أن يأتي بحلول أخرى أكثر مطابقة للظرفية، فأنا موقن أنه لو وضع على رأس هذا الفريق الوطني برغم كل الذي كان عليه من تسيب مدربا مثل الزاكي وكان جاهزا للتحدي أو مدربا مثل فيليب تروسيي وقد مد يده طوعا وغيرة لأنه توسم في نفسه القدرة، لكان الحال بكل تأكيد سيكون أفضل، فهذا منتخب الكامرون إختار أن يكون ربانه بعد هزيمته أمام الطوغو وتعادله أمامنا بياوندي هو أن يكون الفرنسي بول لوغوين، والنتيجة تعرفونها، فاز في أربع مباريات، تحصل على 12 نقطة وتأهل إلى كأس العالم، وقد تصور الكثيرون بعد المبارتين أن الكامرون ستدفن جيلا وحلما وريادة إفريقية·· ولعلكم تفطنتم إلى أنني تفاديت الإقتراب من مباراتنا أمام الكامرون، ليس خوفا منها، ولكن إشفاقا على نفسي وعليكم، فأنا لا أفضل النبش في المزابل ولا في جثث الموتى ولا أطيق حتى الروائح النثنة التي تنبعث من جثت متعفنة·· وقد كنا لغاية الأسف ونحن نودع التصفيات لا مؤهلين لكأس العالم ولا متأهلين لكأس إفريقيا للأمم بعد أن تذيلنا وبجدارة مجموعتنا نرسل في الفضاء رائحة القذارة لجسد مسحوق ولجرح متعفن·· ولكن على إصراري عدم الحديث عن مباراة تمنيت بحدس مسبق أن لا تجرى وأنا اليوم أتمنى لو أنها مسحت من تاريخ الفريق الوطني، فإنني مصر على أن أدعو إلى عدم الإستسلام، فبين هذا الظلام المنسدل الذي يعتم الأرجاء، هناك نقطة ضوء لا بد أن نتمسك بها، فما حدث على كارثيته وعلى فظاعته، وإن جزمنا بأنه لا يشرفنا كمغاربة، يفرض فرض عين أن نكون قد إلتقطنا الدرس، فأحيانا تسحق الفرق ويمشي الآخرون على جثتها، ولكنها ذات وقت تنهض وتنطلق وتتنفس مجددا هواء الأمل والحياة· لذلك نحتاج جميعا لأن ننهض ونستحضر بالعقل الذي يتجرد من نزوة الإنتقام، كل الذي كان وكل الذي بلغه الفريق الوطني ومعه كرة القدم المغربية من إهتراء، ونؤسس على ضوء ذلك إستراتيجية للعمل يكون الفريق الوطني هو منتهاها، لطالما أن الحاجة ستكون ماسة إلى مقاربة شمولية، وإلى معالجة للمنظومة بكاملها، فالفريق الوطني ما كان قويا ذات أزمنة إلا لأن القاعدة الوطنية التي كانت تفرزه كانت قوية، وقد آن الأوان لأن نعود إلى هذه القاعدة فنعيد بناءها على نحو جديد بأدوات وبعقلية محترفة· إنتهى الدرس الذي يقول أننا وصلنا إلى الحضيض، أما الإختبار التاريخي الذي سندخله من الغذ فسؤاله الأساسي يقول· كيف نرتفع فوق هذا الحضيض؟