بدأها الأسود بسقوط مريع أمام الفهود في أمسية الرعب والذعر لذغنا الغابون من نفس الجحر هجوم مرتبك وسط بلا ذاكرة دفاع مثقوب هكذا أصبح فريقنا الوطني مع روجي لومير! هل نصدق أن الأمل مازال قائما للوصول إلى كأس العالم؟ أصابنا الفريق الوطني بالذهول أولا وبالإحباط ثانيا وبالحزن ثالثا وهو يأتي مع سبق التعمد بأسوأ بداية ممكنة، وبأفظع سيناريو، عندما ترك النقاط الثلاث تضيع منه، ليخرج مهزوما أمام منتخب الغابون، في مستهل تصفيات الدور الثالث والحاسم المؤهل لكأس العالم بهدفين لهدف، في مبارزة تكتيكية واستراتيجية وفنية، لنعترف أنه كان بالتركيبة وبالأداء وبالتدبير الأضعف فيها على الإطلاق·· تصورنا كل شيء، أي شيء، أن يكون منتخب الغابون عظما قويا، أن يكون جسرا مفخخا، وأن يكون دبا لا نأمن على بيع جلده إلا بقتله، لكننا أبدا ما تصورنا أن يكون فريقنا الوطني بهذه الرعونة في الأداء، بهذا الإنغلاق على الذات وبهذه السماجة في التعامل مع مباراة مع خصم ومع متغيرات مباراة·· تدفعنا الهزيمة وهي أمر من العلقم، وأكبر من أن تهضم بسهولة أو أن تسقط من الذاكرة بدون أن تترك نذوبا ووشما، إلى أن نعترف لمنتخب الغابون بالأفضلية في كل مناحي الصراع البدني والفني والتكتيكي، بأن نقول بمنتهى المنطق الذي يرتفع على النرجسية بأن فهود الغابون أخذوا من المباراة ما تعبوا من أجل أن ينالوه·· ما انضبطوا من أجل تحقيقه، ولكن هذه الهزيمة تدفعنا أيضا إلى السؤال·· لماذا كنا بهذا السوء أداء وتعاطيا مع مباراة دقيقة وحاسمة؟ ولماذا سقط فريقنا الوطني في سماجة لا قبل له بها ليأتي بمباراة ضعيفة كهاته؟ وأخيرا هل نأمل بعد ضياع النقاط الثلاث أمام فهود الغابون أن نستمر في القول بإمكانية صعودنا إلى مونديال 2010؟ فهود لم يقرؤهم لومير ما كان يخيف في مباراة الغابون أمران إثنان·· أولهما أن منتخب الغابون وقد قلت ذلك عند التقديم لموقعة يوم السبت يؤمن جيدا بملكاته وإمكاناته البشرية والفنية، ويصر عند تعاطيه مع بلوغه الدور الثالث والحاسم في مشوار التصفيات على أن هناك تدرجات لابد وأن تحترم في وثيرة العمل والحلم، لذلك مثلت له مواجهة الفريق الوطني عنصر تحد، وقد كان يعرف جيدا بأي أسلحة فنية وتكتيكية ونفسية سيقاتل من أجل أن يكسب هذا التحدي· أما ثاني الأمرين فهو أن الفريق الوطني كان قبل ساعات من نزاله الكروي الرسمي صورة مضببة، بل ومشوشة، لا نستطيع أن نجد له عنوانا وهوية، فمدربه روجي لومير برغم كل الذي كان يزعمه، لم يكن قد وصل درجة متقدمة في بناء النهج بسبب أنه لم يكن قد حسم في كثير من الإختيارات، أو لنقل أنه إلى الآن أبدى عجزا في علاج كثير من الأورام التكتيكية· إقتنع لومير لمتطلبات المباراة من دون الإمعان جيدا في قراءة الخصم الغابوني بضرورة تكريس الهاجس الهجومي في بناء التشكيلة، فاعتمد على توليفة بشرية ظاهرها يقول أنها مؤسسة على قناعة هجومية، وباطنها يقول بأنها في تكريس تلك القناعة ستضرب الكثير من التوازنات والكثير من القواعد التي محيد عنها في بناء مجموعة متناغمة·· دفاعيا، أوكل لومير لكل من العرايشي البديل الإضطراري لبصير المصاب وطلال والرباطي والقادوري بناء العمق بذات التوجس وبذات عناصر الضعف البنيوي، وربط هذه القاعدة الدفاعية بسقاء وحيد هو يوسف سفري، اعتبارا إلى أن حسين خرجة سيتولى أكثر عملية الإمداد عند البناء الهجومي الذي سخر له كل من نبيل درار، يوسف حجي، مروان الشماخ ومنير الحمداوي· خمسة عناصر توزعت من البداية بنوع من العشوائية، حتى أننا لم نر فيها التوازنات التقليدية التي تأتي بها شاكلة 442 وهي تتنوع هجوميا أكثر منه دفاعيا، بأن تتحول ثارة إلى 4123 وثارة أخرى إلى 4132، بل إننا أحيانا كنا نجد أن الشماخ كرأس حربة يتقدم ثالوثا هجوميا مشكلا من حجي، درار والحمداوي· دغدغة وسقوط في الفردية ومن دون حاجة إلى إعتماد إيقاع عال من البداية لإرباك الخصم الغابوني وضرب كل القواعد التكتيكية والمؤسسة على قراءة معمقة للأسلوب المغربي من مدربه آلان جيريس، سيشرع الفريق الوطني في مناوراته، وعلى مدار الخمس عشرة دقيقة الأولى، سيتوصل أسود الأطلس إلى دغدغة الدفاع الغابوني المنظم والمنضبط وأكثر منه المستنفر من أجل مواجهة إعصار البداية المفترض، كانت هناك تسديدة ضعيفة للحمداوي في أول دقيقة، ثم كانت هناك محاولة جميلة من يوسف حجي الذي يوقف كرة بصدره إلا أن تسديدته لم تكن بالقوة التي تربك العملاق أوفونو حارس الغابون، ثم كانت خاتمة محاولات هذا الربع الأول من المباراة، لمسة فنية جميلة، كرة في العمق من سفري لخرجة الذي يسدد على الطاير والحارس أوفونو يتدخل·· كنا نسطتيع تصور حجم الضغط النفسي على فريق تتأسس هجوميته على كثير من الآليات المختلقة أكثر ما هي متدرب عليها، ولكن ما كنا نتصور أن يكون الإنحراف بعدها بالصورة التي تؤكد غياب رادع تكتيكي، فقد أفتى التنظيم الدفاعي المبسط للغابونيين، بأن ينحاز مهاجمو الفريق الوطني بخاصة نبيل درار ومنير الحمداوي إلى تكريس مبدأ إقصاء الخصم بالمراوغة، التي زادت عن حدها، فأنتجت نوعا من الفردانية المرفوضة·· وطبعا عندما يعمد لاعب أو لاعبان إلى تكريس المراوغة كخيار تكتيكي، فإن ذلك يعني عند ضياع الكرة أن يرتبك الفريق في نقل نفسه من الحال الهجومي إلى الحال الدفاعي، وربما هذا ما كان يحتاجه لاعبو الغابون لينتقلوا تدريجيا إلى الشق الثاني في منظومتهم التكتيكية، بناء المرتدات الخاطفة والسريعة·· بداية كابوس مخيف وقد خدعنا أن يكون منتخب الغابون أمامنا معطلا هجوميا، خاصة مع غياب ثلاثة من أبرز مهاجميه سيدريك مومامبا، إريك مولانغي ودانييل كوزان، فقد برز في صفوفه مهاجمون آخرون من عيارات ناسفة·· واتضح ذلك في الدقيقة الثلاثين عندما بنى الغابونيون أول مرتد لهم، فقد إتضح أن هناك مثلثا خطيرا وناسفا، يتكون من ستيفان نغيما، روغي ميي وبيير أوباميانغ· كان التلميح أولا بهجوم خاطف أنهاه روغي ميي بتقويسة بعد أن سافر حرا طليقا في رواقنا الدفاعي الأيمن، ورفع كرة عطل القرقوري وصولها إلى القناص أو باميانغ، ثم كان التصريح ثانيا بمرتد ثان في الدقيقة 34، عندما أفتكت الكرة من مهاجمينا، ووصلت بسرعة البرق إلى معتركنا، لما قلت أنه ضعف واضح في الإنتقال من الحالة الهجومية إلى الحالة الدفاعية، واستطاعت تمريرة بينية ضربت عمق الدفاع أن توصل الكرة إلى أوباميانغ الذي ساعده على عدم السقوط متسللا التموضع الخاطئ لبدر القادوري، فأرسل الكرة إلى مرمى كريم زازا معلنا عن هدف أول للغابون· هدف كان مفروضا على زلزلته للقلوب وعلى قوة رجته التي ضربت الآمال، أن يكون منبها قويا إلى ما كان عليه البناء التكتيكي من اختلال، فقد كان ضروريا أن يقرأه روجي لومير أولا وأسود الأطلس ثانيا على أنه إشارة قوية تدعو إلى العودة بكامل العنفوان إلى نقطة الصفر، فقد كانت هناك ساعة زمن كاملة في عمر المباراة ولا شيء في تقديري حسم· ولغاية الأسف ردة الفعل التي كنا ننتظر لم تأت، بل كان ما هو أدهى وأمر من ذلك، أن الفريق الوطني ظل على ذات النهج وعلى ذات الإصرار على الخروج عن النص وعن التوازن، ما قوى من عزيمة فهود الغابون على الإستمرار في رفع سلاح المرتد، كسر واحدا منه طلال القرقوري في الدقيقة 45 عندما حول الكرة إلى الزاوية التي ستنفذ، ليستغل روجي ميي ضعف الرقابة والخطأ الفادح لزازا، فيسجل الهدف الثاني الذي كان عنوانا لكابوس عنيف· ما العمل؟ إنتهت الجولة الأولى بتأخر الفريق الوطني بهدفين، وكانت الحاجة ماسة لرأب الصدع واحتواء القهر ومعالجة القصور التكتيكي أو على الأقل التستر على العيوب الكثيرة، في الأداء الفردي والجماعي وأيضا في تدبر المباراة في عموميتها· وتوقعنا أن يعمد لومير بضغط الحاجة وأملا في استعادة بعض من التوازن المفقود إلى إحداث تغييرات على بنية الفريق، فلم يكن للشماخ وجود، ولم تكن لحجي أدنى فعالية، ولم يكن بالإمكان أن نفهم ضمن أي نسقية يتحرك الحمداوي ونبيل درار، ولا بأي أدوار يتقيد حسين خرجة· لم يفعل لومير شيئا بين الشوطين، سوى أنه نبه أسوده إلا أن هناك جولة كاملة متبقية كل شيء فيها ممكن، ولكن بأي أدوات وبأي منهجية وأسلوب سيتحقق هذا الممكن؟ بعد عشر دقائق من بداية الجولة الثانية سيتبين للومير أن لاشيء تغير في أداء الفريق الوطني، فقرر أن يرمي بورقته الأولى، عادل تاعرابت الذي عوض نبيل درار، ثم بعد ذلك رمى بورقة ثانية عندما أدخل بوصوفة مكان الشماخ، وتغيرت المواقع، وانتعش الأداء الهجومي نسبيا ولكن من دون أن يتوقف الغابونيون عن بناء مرتداتهم الخاطفة والسريعة والتي كان ينهيها على نحو سيء أوباميانغ، وإلا لكانت هزيمة الأسود في تلك الليلة الحزينة ستكون بحصة قوية جدا·· هدف متأخر واستنتاجات الهزيمة وأستطيع القول أننا في آخر عشرين دقيقة من المباراة أصبحنا أمام فصول غلب عليها الإرتجال حتى أننا لم نعد حقيقة أمام فريقين منضبطين، أسود يهاجمون بضراوة بالإعتماد على اختراقات كل من بوصوفة يمينا وتاعرابت يسارا، ويصد القائم كرتين للحمداوي، وفهود غابونيون يرفعون ويخفضون إيقاع المرتدات حفاظا على فوز كان سيضيع منهم، لو أن القائم لم ينب عن أوفونو في مناسبتين بتسديدتين من الحمداوي، ولو أن رأسية منير الحمداوي التي جعلتنا نزور لأول وآخر مرة مرمى الغابون جاءت في وقت مبكر· وعندما نجلس اليوم إلى أنفسنا لندقق القراءة في مباراة الغابون بما انتهت إليه من نتيجة، من أداء ومن تدبير، نخلص إلى الإستنتاجات التالية·· أولها أن الخسارة أمام الغابون وضياع أغلى وأثمن ثلاث نقاط لا يعني أن الأسود إعتزلوا المنافسة على بطاقة المونديال، فمازالت هناك خمس مباريات أخرى، والمنطق يفرض أن يبحث الأسود عن التعويض خارج المغرب· ثانيها أن الفريق الوطني في تقديري خسر مباراة الغابون تكتيكيا ولومير يتحمل في ذلك أكبر مسؤولية، اعتبارا إلا أن هناك رصيدا بشريا لابد وأن يوظف جيدا، واعتبارا إلى أن هناك تشوهات دفاعية كان يجب التستر عليها، واعتبارا إلى أن هناك خصما كان عليه أن يقرأه بذات الدرجة التي قرأه هو بها·· ثالثها أن الهزيمة ستزيد من دون شك الجرج تقيحا، وستزيد من إلحاح الرأي العام على مساءلة كل من تعمدوا أن يصل الفريق الوطني إلى هذا الدرك الأسفل في الأداء، الذي لا تنفع معه كل المرهمات الظرفية التي تأتي بها المباريات الودية· وإن كنت أشك في قدرة روجي لومير على أن يعبر بنا هذا البحر الهائج الذي رمانا فيه بمعية أعضاء الجامعة، فإنني أدعو لأن نتحلى ولو لمرة بالوطنية في الإعتراف على النفس، بإقرار المسؤولية في هذه >الشوهة< العالمية، لنستطيع إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان·