بالقطع ما كان إستراتيجيا في مباراة الأمس أمام الكونغو، ليس هو طبيعة المحك الودي الذي وضع فيه الفريق الوطني لقياس ما عليه الأسود من جاهزية نفسية، تقنية وتكتيكية لمنازلة الطوغو شهر شتنبر القادم عن رابع جولات التصفيات المزدوجة لكأسي العالم وإفريقيا، وليس هو جس نبض القدرة الذاتية للاعبي الفريق الوطني للتأقلم مع المتغيرات الجديدة، خاصة في وجهها التقني والتكتيكي، ولكن ما كان إستراتيجيا هو إنجاز المصالحة بأكبر قدر من النجاح· المصالحة مع الذات·· والمصالحة مع المحيط·· فقط سقطنا من دون أن نشعر بسبب إختيارات فرضها تدبير بعينه في أخطاء كثيرة، أورثت داخل بيت الفريق الوطني مجموعة من الهواجس والمخاوف وإنعدام الثقة بالنفس وأيضا بالآخر· وقد ظهر واضحا أن بيت الفريق الوطني كان في كل لحظة مرشحا للإهتزاز وللإنفجار أيضا، بل إن سقوفا فيه تداعت وجدران شرخت بسبب ما ساد من أجواء تعكر فيها صفو الأمل، وما عاد ممكنا أن ينضبط أي أحد·· علقنا أكثر هذه الأخطاء مثل طوق نار حول عنق المدرب روجي لومير، إخترناه بالعمد كبش فداء، وأقلناه أو إستقلناه، ليس فقط لعدم كفاية النتائج، ولكن أيضا لتدبيره الخاطئ للفريق الوطني، ولن أقول أننا في ذلك كنا على حق، ولكن هل كان من أصول العلاج القول بأن أكبر أخطائنا كان روجي لومير؟ لم يكن روجي لومير في واقع الأمر إلا واحدا من أخطاء كثيرة إرتكبناها بحق أنفسنا وبحق فريقنا الوطني، وإذا كانت هناك من نية فعلية، صافية وحقيقية للتحرر من هذه الأخطاء التي أعدمت آمالا كثيرة كما أعدمت بيننا الثقة وهي رأسمال غال جدا، فإن الضرورة باتت تفرض أن تكون هناك مقاربة جديدة في تدبير شأن الفريق الوطني، ننقطع فيها عن كل أشكال التدبير السابقة، نعتزل معها كل أنماط التفكير الهاوي، ونطابق الفريق الوطني المطابقة التامة مع رمزيته أولا فهو بمنزلة مقدسة لدى عموم المغاربة، ومع خصوصيات عصره ثانيا، حيث أصبحت غيره من المنتخبات حتى إن كانت ممثلة لشعوب فقيرة تدار على نحو إحترافي وثالثا مع حقيقة الرهانات التي يدخلها تباعا والتي تستوجب أن يكون هناك نوع من التكامل في أداء العمل ونوع من إحترام المرجعية في صورتها التاريخية·· لذلك قلت أن ما كان يهمنا بالأساس هو هامش المباراة الودية أمام الكونغو، أكثر من المباراة نفسها، فقد كان لزاما وقد إختارت الجامعة بإيحاء من حاسة إستباقية شكل التدبير المؤقت للفريق الوطني، أن يفكر الأسود بكامل مكوناتهم بصوت عال، أن يذيبوا ما كان من جليد خلافات وتضاربات، أن يقفزوا باستحضار الأريحية على معيقات نفسية وسلوكية، أن يصالحوا فعليا ذاتهم ومحيطهم بطي صفحة روجي لومير·· وحتى لا يخطئ البعض فهم الذي أقصده بطي صفحة روجي لومير، فإن المقصود ليس الشخص ولكن المقصود هي المرحلة، وما يجب أن ننساه هو ما تركنا التدبير الخاطئ والأحادي نسقط فيه من تراشق، فما أكثر ما صوب بعضنا نحو بعض عيارات نقد صاعقة، أما ما لا يجب أن ننساه من مرحلة روجي لومير ونظل نستحضره باستمرار، أمرين في غاية الأهمية: أول الأمرين أن روجي لومير تركنا بنقطتين من ثلاث مباريات، والتأهل لكأس العالم على ضوء هذه الحصيلة يحتاج إلى معجزة في شكلها النسبي، كما أن التأهل لكأس إفريقيا وهو أقل درجة، يحتاج إلى تعبئة غير مسبوقة لالتقاط نقاط أشبه ما تكون بالجمر من مبارياتنا الثلاث المتبقية أمام الطوغو بلومي، وأمام الغابون بليبروفيل وأخيرا أمام الكاميرون هنا بالمغرب·· ثاني الأمرين أن لا نكرر السقوط ثانية في ذات الأخطاء التي جلبت للفريق الوطني مدربا، لو كنا قسنا قدراته العقلية بمقياس العصر، وتجنبنا الإفتتان بسيرته الذاتية، لما ربطنا للأسف أنفسنا بمدرب أضاع علينا ما لا تستطيع أربع سنوات من العمل المضني أن تعوضه·· وقد كان من سمات هذا العلاج النفسي وهذا التحلل الإرادي من مترسبات نفسية كثيرة، أن الفريق الوطني بمن حضر من عناصره، علما بأن من غابوا ليس مؤثرين كثيرا، أنجز على أكمل وجه عملية التصالح، فقد نجح الكوماندو التقني المشكل من طاقم مغربي غني بالكفاءات في عبور الجسر الصعب، الذي يفصل بين عذاب الخلاف وبين بهجة الوئام· وكانت أبلغ صورة لهذا التصالح أن العائد عبد السلام وادو وقد نُعث حينا بالمتمرد وحينا آخر بمثير الفتنة، أبرز الوجه الذي لطالما عرفناه عنه، وجه الأصالة، وجه التسامح وقمة الإعتراف على النفس، فقد جلس وسط عائلة الفريق الوطني، وقدم بكامل الأريحية إعتذاره لما كان قد نُقل على لسانه من تصريحات في ذروة إشتعال الخلاف المفتعل مع المدرب روجي لومير، تصريحات أسيء فهمها وتأويلها، وعليها صمم لومير للمغاربة وجها قبيحا لوادو، واستوطن في قلب الأسود الذين يمارسون بالخليج العربي حقد دفين·· إعتذر وادو لكافة زملائه وقال ما معناه·· >وقد فاض الكيل ذات لحظة بي وأنا أشعر بالقهر، بعد أن سلبني روجي لومير حقي في أن أحمل قميص الفريق الوطني وأنا بكامل الجاهزية والتنافسية، صدرت عني تصريحات أسيء لغاية الأسف فهمها، فقد قلت أن مستوى البطولات الخليجية لا يقارن أبدا بالبطولات الأوروبية، وهذا أمر لا يحتاج مني إلى دليل، إنه حقيقة دامغة، إلا أن هناك من فهم، أن قصدي هو القول أن المغاربة الذين يلعبون بالبطولات الأوروبية هم أفضل مستوى وأفضل جاهزية من مغاربة يلعبون بالبطولة الخليجية·· كلنا مغاربة، وكلنا لنا الحق في التشرف بحمل القميص الوطني، والمسؤولية في كل ذلك تقع على المدرب، وأنا أحترم بالطبع وبالتربية كل زملائي، وأبدا لم أقصد الإساءة لأحد، فإن كنت أخطأت التعبير أعذروني، فما قصدت الإساءة لأي كان··<· ما يمثله عبد السلام وادو بما عرفت عنه من جرأة، من صدقية وأيضا من صراحة جارحة أحيانا، هو جزء من كثير شاع داخل الفريق الوطني، أحدث البلبلة وهي مقدمة أولى لفتنة قال عنها الله سبحانه وتعالى أنها أشد من القتل·· وإذا ما كنا اليوم نبدي جميعاالإستعداد لأن لا نلدغ مجددا من ذات الجحر، ولأن لا نكرر ذات الأخطاء ولأن نفتح لفريقنا الوطني ولأنفسنا صفحة جديدة، فالأمر يفرض كما كنت وما زلت أقول وضع ميثاق وطني يضبط الواجبات والحقوق والعلاقات داخل الفريق الوطني، ويحرم كل من شأنه أن يكون محرضا على الفتنة وعلى الإستفراد بالقرارات التي تصيب المغاربة في فريقهم الوطني بالقهر وبالهجران أيضا··