الهزيمة فيها وفيها··· وهزيمة عن هزيمة تفرق··· هناك هزيمة فيها عمد وسبق إصرار على معاكسة الظروف، تضرب الأعناق وتذبح الآمال وتصيب الشعب بمرارة النكسة·· وهناك هزيمة يخفف من وطأتها أن الجميع يشعر بأن الفريق المهزوم فعل ما يستطيع، عاند، كابر، قاوم، عض بالنواجد وحصل ما هو فوق طاقته والفريق فوق طاقته لا يلام· وغاية الأسف أن هزيمتنا بالغابون كانت من النوع الذي يسكن مرارة كبيرة في القلب، فهي هزيمة فكر وتدبير واختيارات، قبل أن تكون هزيمة روح وهزيمة فريق· لذلك جنح أكثرنا تعبيرا عن غضب عارم إجتاح الشارع المغربي إلى تجسيد هذا الغضب فأشعلوا وأشعلنا النار في البيت، ظنا أن ذلك سيبرد (الكية) ويقطع دابر ما ذهب البعض إلى وصفه بالجريمة· والواقع أننا في كل ذلك نعبر عن حالة نفسية، فالحزن والتشنج والغضب يتلفون العقل ويصادرون الحكمة في التعاطي مع الأحداث بخاصة منها تلك التي تأتي في صورة إخفاق حينا وفي صورة نكسة حينا آخر·· وبإعمال هذا العقل للتصالح مجددا مع المنطق الذي ينتهي إلى صياغة أحكام قيمة ما أحوجنا إليها في هذه المرحلة بالذات، سنقول أن الهزيمة أمام الغابون هي تحصيل حاصل، هي نتاج طبيعي لحالة من الإنفلات الواضح، وهي رسم بألوان داكنة سوداء لوضع شاذ يعيشه الفريق الوطني منذ سنوات·· ثم إن إعمال هذا العقل يقول بضرورة أن نضع في الحسبان، أن هناك مباراة متبقية، سنلعبها يوم السبت 14 نونبر القادم أمام الكاميرون هنا بالمغرب، وهي مباراة لها قيمتها وأهميتها ولها أيضا تبعاتها الرياضية التي توجب تعاطيا إيجابيا معها بعيدا عن أي تشنج·· وبالطبع عندما نخلص إلى أن الهزيمة أمام الغابون هي تحصيل لحاصل قديم لم تكن لتنفع معه كل المرهمات التي سعت الجامعة بإدارتها ورئيسها الجديدين إلى وضعها على جرح متقيح، فإننا نؤكد بوجود ترسبات كثيرة منها ما لها طابع تعاملي وما لها طابع إنتقائي وما لها طابع تدبيري، فالفريق الوطني الذي يمثل منتهى المنظمومة الكروية أريد له منذ خمس سنوات أن يدخل متاهة كبيرة، فاستوطن فيه الإنتفاعيون والإنتهازيون وتحكم في قيادته السماسرة قبل المدربين، وبرزت فيه التكثلات ، وما عاد ممكنا أن نقول بأنه فريق وطني يتطابق مع ذاته، وهنا نقف على أمر وأفظع الحقائق·· وقد كنا على إستعداد كامل لأن نقبل بالهزيمة على أنها تحصيل لعجز فني وتكتيكي وذهني مركب، لولا أن ما افتضح هناك بالغابون، وما برز من مسلكيات شاذة، يقول بأن هذا الفريق الوطني أصبح بمطلق الأمانة بؤرة كبيرة للفساد· مدربون يُعجزهم أن يكونوا أصحاب قرار، فيأتون بأشياء زعزعت الإستقرار وضربت التوازن وأذهبت عن الفريق الوطني ما بقي له من قدرة على مغالبة الظروف والإكراهات·· ولاعبون، منهم من تمرد على وضعه إحتياطيا، ومنهم من رفض لعب العشر دقائق الأخيرة من المباراة· ومنهم من خرج بعد المباراة بتصريحات أعادت الحديث مجددا عن السمسرة وعن الإنتفاعية وعن الإستماثة في الدفاع عن المصلحة الشخصية على حساب مصلحة عامة، مصلحة شعب بكامله· ومسؤولون يُساءلون عن صيغة إختاروها بالمنطق الذي ارتضته إستشارات قاموا بها لإدارة الفريق الوطني تقنيا، وهم أعلم بحاله، بوضعه وأيضا بالخراب الذي يوجد فيه، وإذا ما كانت قد انبعثت من حرائق الهزيمة بالغابون هذه الروائح التي تزكم الأنوف، فلأن من جيء بهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لم يكونوا بالقدرة التي تخيلهم بها المسؤولون·· وإذا ما كان لزاما مواجهة كل الحقائق التي برزت في رحلة الغابون لتبنى على ضوئها استراتيجية مستقبلية لبناء فريق وطني بقواعد جديدة، برؤية جديدة وبضوابط جديدة كما ناديت بذلك مرارا وتكرارا، فإن مباراة الكاميرون التي تنتظر فريقنا الوطني الشهر القادم في ختام جولة التصفيات تفرض على الجامعة وهي الجهاز الوصي على الفريق الوطني أن تتبنى موقفا ينتصر للكرامة المغربية وينتصر للقيم الرياضية، ويدافع عن البقية الباقية من كبرياء هذا الفريق·· وإذا كان صحيحا أن فوزنا هنا على الكاميرون قد يضمن لنا التواجد في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بأنغولا، ولو أن ذلك سيكون مشروطا بتعادل أو هزيمة الطوغو على أرضه أمام الغابون، فإن سمعة المغرب توجب أن تعمل الجامعة المستحيل من أجل أن يكون الفريق الوطني قادرا يوم السبت 14 نونبر على هزم الكاميرون·· وليس أمام الجامعة وتحديدا ليس أمام مكتبها الجامعي وقت طويل للترتيب الجيد لهذه المباراة، باستبعاد كل العناصر التي حرضت على الفتنة وخرجت عن النص، وبالحرص كل الحرص على عدم الإنجراف وراء أهواء ونزوات تبرز عادة مع حالة الغضب، فقد سمعت من يقول علينا أن نواجه الكاميرون بمنتخب مشكل من اللاعبين المحليين حتى لو خسر بعشرة أهداف·· وذاك أم الأخطاء·· فلن يغفر لنا أحد أننا ضحينا بلاعبين محليين إرضاء لنزوة، ولن يغفر لنا التاريخ أننا قصرنا و برغم الجرح والغضب في أداء واجب تفرضه القيم الرياضية·· أما بعد 14 نونبر، بعد مباراة الكاميرون، فستدخل الجامعة حثما زمن التطهير الكامل الذي ستسأل عنه في الآتي من السنوات، فلن ينفع إطلاقا أن تفتح أوراش التقويم والهيكلة لدخول عهد الإحتراف ويترك الفريق الوطني، عرينا مفتوحا للمفسدين والمنتفعين··