مطر الأهداف الفارق اليوم بين برشلونة وريال مدريد هو 7 نقاط، وكان من الممكن أن يكون نقطة واحدة لو انتصر فريق العاصمة، لكن أنصار الفريق الأبيض، الذي تحول اليوم إلى فريق أسود، كانوا يتمنون لو ينهزم فريقهم، لكن ليس بستة أهداف لهدفين وفي عقر داره. إنها هزيمة مذلة بكل المقاييس، وأنصار ريال مدريد سيمضون وقتا طويلا في محاولة هضمها وكأنهم يحاولون هضم حجر كبير في معدتهم. ريال مدريد دخل مباراة السبت الماضي بمعنويات جيدة لكنها معنويات غير قائمة على أسس قوية، وكل ما حاول اللاعبون المدريديون اللعب عليه هو الظروف النفسية المهزوزة للاعبي البارصا الذين تعادلوا في عقر دارهم أمام تشيلسي الإنجليزي الأربعاء الماضي في منافسات عصبة الأبطال الأوروبية، وكان المدريديون يتمنون أن يستمروا في التلاعب بهذه المعنويات المهزوزة، غير أن العكس هو الذي حصل، بل حصل بأكثر الطرق إذلالا للفريق المدريدي، أو الفريق الملكي كما يسميه المذيعون العرب على القنوات الفضائية. التحليلات التي سبقت مباراة السبت الماضي كانت تصب كلها في الإمكانية الكبيرة لفوز ريال مدريد، وأن فريق البارصا سيحصل على إنجاز كبير لو استطاع التعادل، وعندما بدأت المباراة وسجل اللاعب هيغوايين الهدف الأول للفريق الأبيض في الدقيقة الرابعة عشرة، فإن الكثيرين اعتقدوا أن المباراة ستحسم بالتأكيد لأصحاب الأرض، قبل أن تبدأ أهداف البارصا في التقاطر على رؤوس الجالسين على مدرجات ملعب بيرنابيو، ولم يكن ينقصهم سوى فتح مظلاتهم من أجل حماية أنفسهم من الأهداف التي تتساقط على رؤوسهم. لم يكن بإمكان مشجعي ريال مدريد تتبع هذا الفيلم المخيف، فيلم «الرقص مع الذئاب». رصاصة الرحمة مباشرة بعد نهاية المباراة، التي كانت تشبه نهرا متدفقا من جانب واحد نحو مرمى واحدة، وهي مرمى ريال مديد، احتفل أنصار برشلونة بلقب الليغا حتى قبل الحصول عليه رسميا، لأنه من غير المعقول بعد تلك الهزيمة المروعة أن يستمر ريال مدريد يقاتل من أجل اللقب رغم أن الحسابات لا زالت قائمة، لكنها حسابات وهمية تشبه الوسواس الذي يعشش في عقول الناس. هكذا كانت مباراة يوم السبت بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقها فريق البارصا على عناد ريال مدريد، وبذلك انتهى موسم كامل من التشويق، لكنه انتهى بأكثر الطرق درامية لفريق العاصمة. أنصار ريال مدريد احتفلوا في شوارع برشلونة باللقب وأطلقوا أبواق سياراتهم في شوارع المدينة في ليلة بيضاء، بحيث يكفي البارصا أن ينتصر في المباراتين المتبقيتين في ميدانه لكي يعلن بطلا للموسم، وهذا شيء لن يتطلب عناء كبيرا، فالفريق الكاتلاني يحتاج إلى 6 نقاط فقط من 12 نقطة باقية لكي يعود لمعانقة لقب هرب منه خلال الموسمين السابقين. ويبدو أن مباراة السبت لم تكن فقط بمثابة رصاصة الرحمة ضد ريال فريق ريال مدريد فقط، بل عجلت أيضا بالمطالبة بثورة شاملة في الفريق، وصار من المستبعد جدا أن يستمر المدرب خواندي راموس في قيادة الفريق، لأن اسمه أصبح مرتبطا بواحدة من أسوأ الهزائم في تاريخ الريال، وبذلك انهارت أحلامه التي بناها لعدة أسابيع حين استطاع أن يحقق أفضل النتائج مع فريق مريض. صحوة المحتضر في استطلاعات الرأي التي أجرتها صحف إسبانية على مواقعها على شبكة الانترنيت، اتفق أنصار ريال مدريد، ومعهم كل متتبعي الليغا، على أن الهزيمة التي تلقاها الفريق الأبيض هي هزيمة تاريخية بكل المقاييس، وأنه من الصعب العثور على شبيه لها في تاريخ المواجهات بين البلدين. ورغم أن ريال مدريد سبق أن تلقى هزيمة مهينة قبل حوالي 15 سنة حين انهزم بخمسة أهداف لصفر أمام برشلونة، إلا أن تلك الهزيمة دخلت غياهب النسيان بعد ذلك لأن ريال مدريد استطاعت في الموسم الموالي مباشرة أن تلحق هزيمة مرة بالفريق الكاتلاني وردت له الصاع بسرعة وهزمته بخمسة أهداف لصفر، وبذلك تواطأ الفريقان على نسيان ما جرى، إلى أن كان ما كان، وجاءت مباراة السبت الماضي لكي تعيد تاريخ المهانات الكروية بين الفريقين المتصارعين دوما وإلى الأبد. وفي كل الأحوال فإن استطلاع آراء أنصار ريال مدريد لم يكن ضروريا بعد المباراة، لأنه مباشرة بعد أن سجل الفريق الكاتلاني الهدف الخامس في ملعب بيرنابيو، فإن أمواجا من المتفرجين بدؤوا في مغادرة الملعب، رغم أنه بقي أكثر من 20 دقيقة على نهاية المباراة. لقد فعلوا ذلك لأنهم أدركوا أن الوقت المتبقي من المباراة لن يحمل لفريقهم أي أمل، بل بالعكس تماما، لأن كل دقيقة متبقية من وقت المباراة كانت ستحمل المزيد من المهانة للفريق الأبيض، وكذلك كان، وسجل الكاتلانيون الهدف السادس ومرغوا أنف «الفريق الملكي» في التراب، وما هكذا كان ينبغي أن يكون فريق يقول إنه الأفضل على الإطلاق خلال القرن العشرين. وعلى الرغم من أن ريال مدريد سبق أن انهزم بحصص أكبر في ميدانه، مثل هزيمته في موسم 1930- 1931 بستة أهداف لصفر أمام جاره فرق أتلتيكو مدريد، وانهزم بعد ذلك بحصص قوية من الأهداف، إلا أن هزيمة السبت لها طعم آخر، بالنظر إلى أنها جاءت في وقت انتعشت فيه بشكل كبير آمال الريال للحصول على اللقب، وهي انتعاشة تشبه صحوة محتضر قبل أن يختطفه الموت. هزيمة 67 رغم أن عالم الكرة مختلف إلى حد ما عن عالم الحروب، إلا أن الهزة النفسية التي أحدثتها هزيمة ريال مدريد يوم السبت أمام البارصا، تشبه كثيرا الهزة التي أحدثتها هزيمة العرب أمام إسرائيل سنة 1967، رغم أن هذا التشبيه قد لا يبدو مناسبا لأن فريق البارصا معروف عن أنصاره عداءهم للسياسة الإسرائيلية المعتمدة على المذابح والقتل. وكما كانت هزيمة 67 بالنسبة لعرب نهاية لعهد الكلام وبداية عهد الواقعية، فإن هزيمة السبت بستة أهداف تعتبر أيضا نهاية لعهد الثرثرة والحظ وبداية عهد العمل الجاد والواقعية. وربما يبدو غريبا أن حرب 1967 انتصرت فيها إسرائيل في الشهر السادس وفي ست ساعات، يعني أعطت «طْريحة» للعرب في زمن قياسي، وما تبقى من حرب الأيام الستة مجرد تفاصيل. وحرب السبت الماضي لعب فيها رقم 6 أيضا دورا كبيرا، حيث انهزم الفريق الأبيض بستة أهداف. أنصار ريال مدريد اليوم يتوقعون ما سيأتي ويحاولون نسيان ما جرى، رغم أن النسيان الحقيقي لن يتم إلا وفق قانون «العين بالعين»، أي أن لا يتأخر الفريق الأبيض في رد الصاع إلى برشلونة في أقرب وقت، أي الموسم المقبل لو أمكن، وهذا شيء صعب، بل يكاد يكون مستحيلا رغم أنه تكرر في بعض الأحيان. الطريقة الأخرى التي يريد بها أنصار ريال مدريد الانتقام هي مجيء فلورينتينو بيريث إلى رئاسة الفريق، وهو أعلن ذلك رسميا مؤخرا وقال بأنه سيترشح للانتخابات، وهو ما يعني أن نصف الفريق الحالي سيرحل، وسيأتي لاعبون قد يحملون دما جديدا لهذه الجدة الهامدة. أي دمعة حزن.. لا لا.. لا لا تصريحات لاعبي ريال مدريد بعد المباراة صبت كلها في كون ما حدث لا أحد كان يتوقعه. وقال لاعب وعميد الريال، راوول غونزاليس، إنه من الأهمية بمكان ملاحظة كيف كان لاعبو البارصا يلعبون بطريقة مثيرة للإعجاب، وفوق ذلك كانوا يستمتعون بلعبهم، وهو شيء يفتقده لاعبو العاصمة تماما. من جهته اعترف الحارس إيكير كاسياس، أن لاعبي مدريد أصيبوا بالفعل بدوار في الملعب، وأنهم في وقت من الأوقات اختلطت عليهم الحقيقة بالخيال، ولم يصدقوا أن ما حدث يمكن أن يحدث فعلا. وأضاف كاسيّاس قائلا «إنه اليوم الذي أحسست فيه بعجزي الكامل. لقد بحثنا عن هدف مبكر وحصلنا عليه، لكنهم حولوا المباراة بسرعة لصالحهم وسجلوا ثلاثة أهداف بعد ذلك، ونحن لم نكن نستطيع إيقافهم لأنهم يشكلون فريقا قويا ومتكاملا». أما مدرب ريال مدريد، خواندي راموس، فإنه كان على وشك أن يذرف دمعة حزن وهو يستعد لتصريحه الصحفي بعد المباراة، لولا أنه تذكر فجأة أغنية عبد الحليم حافظ «أي دمعة حزن.. لا لا.. لا لا»، فقرر أن يتكلم دون أن يبكي. راموس قال كلاما كان يريد أن يقوله منذ أسابيع طويلة، وهو أن الهزيمة الثقيلة أمام البارصا يوم السبت، والهزيمة الثقيلة للفريق في عصبة الأبطال أمام ليفربول قبل بضعة أشهر، تكشفان بالضبط المستوى الحقيقي لفريق العاصمة، وأن هذا المستوى هو الواقع الذي يرفض الكثيرون قبوله، مع أنه واقع مر ويفرض نفسه بقوة. خواندي راموس بدا خلاله تصريحه الصحافي مستعدا لقول كل الكلام الذي يعتمل في صدره منذ مدة، لذلك أضاف قائلا «عندما كان شوستر، المدرب الذي كان في الفريق قبلي، يقول إنه من المستحيل أن ننتصر على البارصا، فإنه كان يقول كلاما جديا وحقيقيا، وعندما لعبت ريال مدريد في ملعب نوكامب في برشلونة وتكتل اللاعبون في الدفاع، فإن الكثيرين عابوا على الفريق هذا الأسلوب الدفاعي لأنهم كانوا يعتقدون أن ريال مدريد كان بإمكانه أن ينتصر لو دخل المباراة من أجل البحث عن الانتصار، لكن جاءت ساعة الحقيقة اليوم ودخلنا المباراة ونحن نبحث عن الأهداف وهذه هي نتيجة ذلك. ما حدث لنا لم يكن يتوقعه أحد. هذا هو مستوانا، وهذه هي الحقيقة». وربما يبدو أن التصريح الذي قاله اللاعب لاسانا ديارا هو الذي يناسب أكثر لاعبي ريال مدريد. قال إن كل شيء انتهى.. وعلى اللاعبين أن يستعدوا للعطلة، عطلة الصيف طبعا. هؤلاء هم الكسالى دائما، ينتظرون عطلة الصيف أكثر مما ينتظرون نتائج الامتحانات.