دفاتر التحملات هل تزيل المعاناة؟ ينشغل المغاربة قبل المهنيين بالجدل الكبير الذي يدور هذه الأيام بشأن دفاتر التحملات التي أنجزتها وزارة الإتصال بتوافق مع كافة المتدخلين والعاملين لإعادة صياغة منظومة عمل القطب العمومي للإعلام المرئي والمسموع والمقرر أن يكون مجلس الحكومة هو صاحب الكلمة الفصل فيها.. وبينما يجزم السيد مصطفى الخلفي وزير الإتصال على أن هذه الدفاتر «التقويمية» هي تنزيل لمضامين الدستور وتفعيل لإرادة التغيير وتصريح علني بضرورة مطابقة قطب تلفزي عمومي مع إنتظارات المغاربة الذين هم رعاة له قبل أن يكونوا مستهلكين لمنتوجه.. بينما يشدد الناطق الرسمي باسم حكومة السيد بنكيران على أن هذه الدفاتر تقوم على أبعاد ثلاثة.. الجرأة المقرونة بالإستقلالية، التعددية التي تصادر الإقصاء والهوية التي تربط المغاربة قصرًا بجذورهم، فإن المعارضين لهذه الثورة النمطية يرون في الدفاتر إياها حضورًا مقنعا للوصاية وإجهازا على مشروع الحداثة.. ولأن بالقطب العمومي الإذاعي والتلفزي منابر إعلامية تواكب المشهد الرياضي الوطني الذي يعيش هو الآخر فورة غير مسبوقة لمأسسته وتخليقه وعلى الخصوص لتقنين تدبيره بشكل يسقط كل قوالب النهب والفساد.. فإننا نتطلع إلى هذه الدفاتر بمضمونها وأحكامها ومقتضياتها لتباشر ثورة على أسلوب تعاطي القطب العمومي المرئي والمسموع مع المشهد الرياضي. فبرغم أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أحدثت قبل خمس سنوات ونيف قناة للرياضة وخصصت من ميزانيتها وعاء ماليا لشراء حقوق بث بطولات وتظاهرات رياضية، إلا أنها لغاية الأسف ما زالت أبعد ما تكون عن أن ترضي المغاربة رياضيين كانوا أم فاعلين أم مشاهدين، فإلى اليوم مر على قناة الرياضية ثلاثة مدراء من دون أن تكون لها هوية مرئية ومن دون أن تنتظم في حلقات التطور التي من شأنها أن ترفع تدريجيا من قيمة المنتوج فتؤثر إيجابا في المشهد الرياضي الوطني الذي يحتاج إلى جرأة كبيرة في التناول وفي التحليل وفي النقاش وتباشر دورها في التثقيف والتوعية وتقوية الشغف والإنتماء في وقت يشجع فيه الإنفتاح على قنوات تلفزية أجنبية على الإغتراب إن لم يكن يصيب باليأس جراء ما يوجد من فوارق مهولة.. وقد لا يكون المسؤول الوحيد عن عدم قدرة القطب العمومي للإعلام السمعي البصري على الإستجابة فعليا لانتظارات المغاربة الشغوفين بالرياضة، الزملاء الإعلاميون أو القائمون على إدارة قناة الرياضية والقطاعات الرياضية بمختلف القنوات والمحطات، لأن أي مساءلة ولو سطحية للمشهد الإعلامي الرياضي ستؤكد ضلوع المسؤولين المباشرين عن القطب الذين يعاملون باستمرار الشق الرياضي في منتوجهم الإعلامي بكثير من اللامبالاة، فلا ترصد الإمكانات المادية ولا توظف الوسائل اللوجستيكية والتي تحتاج في العادة التغطيات الصحفية للمباريات الرياضية إلى الراقي والحديث منها، ولا ينتج القائمون على القطب أية خطابات تحفيزية.. وحتما إذا كانت دفاتر التحملات تتوجه في روحها وعمقها إلى إقرار نوع من العدالة والمساواة والجرأة التي لا تصادر الإستقلالية والمهنية التي لا حدود لها باحترام كامل للمواثيق، فإنها من دون شك ستحرر الإعلام الرياضي داخل القطب العمومي من كل الذي أصابه على مر الأعوام من تهميش ومن تحقير أيضا.. حتى أصبح مستحيلا أن نقيس إعلامنا الرياضي المسموع والمرئي مع إعلام رياضي عربي تقدم بخطوات عملاقة، وكثيره للأسف بني على أكتاف كفاءات مغربية، ويكفي أن نتنقل بين قنوات الجزيرة الرياضية لنقف على الإسهامات الرائعة للإعلاميين المغاربة الذين خرجوا ذات يوم مجزوعين من خيمتهم المغربية وقد ضاقت بهم السبل عندما ضاقت أحلامهم المهنية (ماجد الشجعي جواد بادة)، يكفي أن نحط الرحال بقناة الجزيرة الرياضية الإخبارية التي أشرف على ميلادها ويديرها إلى اليوم بكفاءة عالية الزميل محمد عمور، لنطالع وجوها إعلامية لطالما أثثت فضاءنا التلفزي والإذاعي الوطني (رضا بنيس أمين السبتي يوسف أيت الحاج ياسر مربوح رشيد ساسي طلال أسرار..). وفي الإمارات العربية المتحدة ينقش الزميل محمد مقروف إسما لامعًا في قناة أبوظبي الرياضية يقترن بالجرأة والمهنية والصدقية.. كما في دبي الرياضية صرح إعلامي مكتوب باسم الزميل خالد ياسين.. إن هذه النخب الرائعة التي أفرزها مغرب الكفاءات والمبدعين، ما كان لها أن تربط على قلوبها وأن تشد أحزمة الصبر وتقبل كرها بعذابات الإغتراب.. حتى وإن كانت تحمل للعالم مختزلا للإبداع المغربي لو أنها وجدت في القطب العمومي للإذاعة والتلفزة ما يرعى حلمها ويستوعب شغفها ويحفزها.. أكيد أنها كانت ستقبل بقطران البلاد على عسل الخليج.. إن كانت هذه الدفاتر التي وضعها السيد مصطفى الخلفي أمام الحكومة لتقول فيها كلمتها، تستطيع أن تعيد للمغرب كفاءاته الإعلامية المهاجرة وتضمن للمغاربة إذاعات وتلفزات عمومية تنتصر للحوار الديمقراطي والبناء خدمة للرياضة.. فأهلا بها.. دفاتر تحملات تزيل المعاناة.. نعم وألف نعم.