قالتْها التّصْويرة تعوّد زبناء مقهى «المشاكل» على رؤية ثلاثة رجال من سكان الدرب يحجزون لهم طاولة في أقصى المقهى كل مساء، يحتجزون جرائد اليوم كلها يقرأونها خبرا خبرا، ولا يطلقونها إلا إذا أبدى أحدهم وجهة نظر لم ترق الآخرين، حيث يحتدم النقاش بينهم فتطير الجرائد من بين أيديهم، فيلفتون إنتباه من في المقهى حين ترتفع أصواتهم التي لم تكن مزعجة، بل بالعكس، فهي تدفع الجميع إلى متابعة نقاش مفيد بالتأكيد، لأنه يجمع ثلاثة من خيرة أولاد الدرب القدامى اللي داروا الولاد... ودكو الاوتاد.. هذه المرة، كان الأمر مختلفا، فلأول مرة يتجادل الأصدقاء الثلاثة حول صورة رياضية، إذ أن السي عباس أكبر الثلاثة سنا والذي تقاعد السنة الماضية أثارته صورة منشورة يوم ثاني أبريل بجريدة «المنتخب» التي يظهر فيها الأستاذ مصطفى الرميد وزير العدل والحريات ممددا على العشب بلباس لاعبي كرة القدم يتلقى الإسعافات الأولية خارج أرضية الملعب.. وما أثار السي عباس تحديدا هو «ضحكة» السيد الوزير، حيث أن الموقف يقتضي أن يظهر على وجه الوزير بعض الألم أو الحزن كما يحدث مع اللاعبين الذين يُصابون، إلا أنه عكس اللاعبين الذين يصابون رسم ضحكة واسعة على وجهه، وفي هذه رسالة سياسية بالغة من حكومة عبد الإله بنكيران إلى الرأي العام المغربي. آش من رسالة سياسية أسي عباس؟ إيوا، ما شفتيش واخا السيد ما بقى فيه ما ينوض، سايْر يضحك؟ يعني هادي حكومة «التفاؤل». آآآو؟ يعني واخا نشوفوا راسنا طايحين، ومليوحين في التوش نبقاو نضحكوا؟ إيه، حيت ما نايضينش ما نايضينش، اللهم نشبعوا ضحْك. لم يقبل السي عبد الله الموظف في معهد تابع لوزارة الثقافة تفسير السي عباس، ورأى أن ضحكة الوزير تبدو في الصورة عفوية جدا وبريئة جدا ولا تحمل أية إشارة سياسية، وإنما هي رد فعل طبيعي جدا على حركات المسعف الذي وهو يقوم بالعلاج دغدغ عضلات الوزير، فأثار ضحكه.. بحال أي واحد إيلا كان كيبكي وهرّيناه، فإنه بالضرورة سيضحك. وهذه مسألة تلقائية لا تحتاج إلى أي تأويل، ولكي يثبت السي عبد الله صحة رأيه، أراد أن يقوم بتجربة حية، فقام من مكانه وارتمى على ركبة السي عباس، وأخذ يدلكها متوقعا أن يضحك، لكن السي عباس لم يضحك، بل صرخ في وجه السي عبد الله غاضبا: «آش هاد لعْب الدراري؟» ثم ترك الطاولة وانصرف منزعجا. وها أنت أسي محمد، بغينا غير نشرحوا ليه، تْقلّق وردْنا دراري صغار. فعلا، أسي عبد الله أنت باقي عقلك خفيف.. هاد الصورة راه فيها إشارة سياسية كبيرة، وفيها درس كبير. آش من درس عاودتاني؟ الأستاذ الرميد دابا فْهم بلي الإرادة والنية ما كافيينش باش يلعب اللاعب تسعين دقيقة كلها، والله وما كانوا عندك الركابي صحاح وعندك السوفل طويل إيلا كملتي الماتش. ربما كان السي محمد الموظف في الجماعة الحضرية أكثر الثلاثة اقترابا من فهم رسالة هذه الصورة.. فالسيد الوزير فهم الآن أن نتيجة المباراة لا تتحقق إلا بعد مرور تسعين دقيقة كاملة، وهي المدة التي يحتاج فيها اللاعب إلى تدبير طاقته كي لا يتوقف، ويعجز عن مواصلة المعركة.. فالفريق مثل الحكومة يجب ألا يعتمد فقط على إرادة لاعبيه لمواجهة الخصم، ولا يكتفي بالنوايا الطيبة كي ينتصر، بل لا بد له من نفس طويل وقوة تحمل هائلة، أو على الأقل يستطيع أن يساير فترة اللقاء وفقا لطاقة لاعبيه وقدراتهم... ماشي اللعّاب يدخل مْحيّح في ربع ساعة الأولى منوّض العْجاج، وما تجي تكمل البروميان ميطا حتى يسكت ليه القلب. ولكن، ياريت كون كانوا اللعابة كلهم عندهم روح رياضية بحال الأستاذ الرميد. كيفاش؟ شوف، واخا خرج من اللعبة وخلى بلاصتو لواحد آخر... شفناه في التصويرة كيضحك، ماشي بحال شي لعّابة كيبداوْ يسَعْروا. حيت هادا غير ماتش أميكال.. شوف واش غادي يضحك ليهم كون بدلوه في شي ماتش ديال بصّح. نافذة التصويرة فيها إشارة سياسية كبيرة