الضريبة على أجور الرياضيين المحترفين حق دولة وإجراء تفضيلي هل الكرة هي أيضا إقتصاد ريع؟ كيف تحول إحتجاج الأندية إلى مرونة في القبول بقانون اللاعب والإحتراف والضريبة على الدخل؟
هو موضوع للنقاش فعلا بالرأي الشخصي والرأي الآخر من القطاع والمعنيين بأمر فرض الضريبة على الدخل لاحترام الديمقراطية والشفافية والحكامة.. والضريبة على الدخل ليست غولا سينهش الرياضيين جملة وتفصيلا، بل إجراء تفضيلي كما قال السيد الوزير في تسديد الواجب الوطني وتمتيع المعني بحقوقه.. وفوق ذلك هو حق على الممارسين ما داموا يلعبون بعقود قانونية.. تعالوا نقرأ خلفيات هذا الإجراء الجريء. قبل الضريبة.. قانون اللاعب بنفس الدورة التي فجرتها الضريبة على الدخل للرياضيين من قبل الحكومة الجديدة وفي قانونها المالي لهذا العام، ورأى فيها البعض هيجانا وتسرعا مفاجئا من مسؤولين ورياضيين، كانت أقوى لحظات الإنطلاق نحو التغيير من قبل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عندما أصرت على تفعيل قانون اللاعب اعتبارا من 20102011 كقاعدة أساسية في منظومة الإحتراف الذي انطلق العمل به هذا الموسم، إذ وضعت الجامعة كافة الأندية في الخبر المعلوم لدرجة أثار حفيظتها كما هناك منهم من طالب بتعليق القرار وإرجائه إلى حين إكتمال الهياكل وإطلاق العصبة الإحترافية، لكن الجامعة أصرت على القرار تحت إكراه قوي بتطبيق قانون بدأ به العمل من قبل الإتحاد الدولي منذ 2005، مثلما إختارت الدخول لنظام الإحتراف 20112012 بشكل منظم، ورأت في ذلك مواءمة خضوعها للقوانين الدولية مع انطلاق العصبة الإحترافية بإدخال قانون اللاعب حيز التنفيذ وإسقاط نظام الرخصة والعمل أساسا بالعقود مع اللاعبين والمؤطرين تفعيلا لدفتر التحملات وتنزيلا لأحكام الإتحاد الدولي لكرة القدم، ورغم الضجة المؤقتة، قوبل القانون بالموافقة، وأضحت الأندية مواكبة لقانون العقود رغما عن أنفها كمحطة تدريجية لإنجاح أفق الإحتراف المهيكل. الحكومة.. الشفافية حتى في الرياضة ولم تكن الأندية ولا الجامعة على الإطلاق ينتظران صدور قانون المالية الجديد بوازع فرض الضرائب على دخل الرياضيين تزامنا مع انطلاق الموسم الإحترافي في حلته الجديدة، إذ رأت الحكومة تغيير الأوضاع بمصاحبة كل الملفات العالقة بالحكامة الجيدة والإسراع في تنفيذ القوة الإلزامية لمحاربة الفساد بكل أشكاله وبخاصة في اقتصاد الريع، والتي تدخل الرياضة طرفا فيه كمنتوج يدر أموالا طائلة دون أن تستفيد منها الدولة في المداخيل، والضرائب على الدخل للمدربين واللاعبين، والضرائب على القيمة المضافة، ورأت في هذا الواقع قبضة عاقلة مواكبة لاقتصاد الريع في أشكاله الخطيرة بمأذونيات النقل البري ومقالع الرمال، الصيد البحري و.. و.. دون أن تعتبر واقع الضريبة على الدخل للرياضيين سرقة موصوفة، بل واجبا وطنيا صرفا مفروض فيه أن يسدد الرياضيون والمدربون واجبات لكي يتمتعوا بحقوقهم. الضجة العابرة التدابير الضريبية التي جاء بها قانون المالية يلخص فيما يلي: «وبخصوص القطاع الرياضي، تم تطبيق الضريبة على الشركات بسعر مخفص بنسبة 17.5 في المائة طوال الخمس سنوات المحاسبية الأولى، وإخضاع الأجور المحصل عليها من طرف الرياضيين المحترفين للحجز في المنبع بسعر إبرائي ٪30 وذلك بعد تطبيق جزافي بنسبة ٪40». وأمام هذا المطلب الحكومي في إدخال وإخضاع الأجور المحصل عليها للإقتطاع الضريبي قبل تطبيق الضريبة على الشركات مع أن الأندية مطالبة الآن بإسراع وثيرة إنتقالها من النادي إلى المقاولة، عبرت أطياف الأندية عن غضبها وقلقها بهذا الجديد الحكومي دون سابق إبلاغ ولا إخبار، معتبرة أن استخلاص الضريبة على مداخيل الرياضيين لن يفضي إلا لمزيد من الإحتقان وتعقيد الوضعية المالية للأندية، لكن سرعان ما إنطفأ هذا الغضب بعقد أول اجتماع لممثلي الأندية مع السيد محمد أوزين وزير الشباب والرياضة لتجاذب أطراف الحوار المثمر وبروح المسؤولية وباقتراحات موضوعية بين الأطراف لتفهم المرحلة التي يدخلها المغرب في كافة الأوراش بتيغير تدريجي بكامل الشفافية والحكامة، مع مواصلة الحوار المطلق مع اللجنة المختلطة المنبثقة من الأندية والجامعة والوزارة لإنهاء مخاض جديد ما فرضته الحكومة من ثوابت قانونية للضريبة على الدخل مع أنها مدخل أولي للدخول لاحقا في الضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على الشركات في وقت لاحق. الحكامة العاقلة وأيا كانت المبررات، فالمغرب يدخل تحولا إستراتيجيا مهما في الحكامة والشفافية، ولا بد أن نقبل به جميعا مثلما يمكن أن تقبله الرياضة كقطاع حيوي في جميع فروعها في إطار إحترافي مهيكل بكل الضمانات الأدائية لأرباحها الذاتية دون أن تستفيد منها الدولة.. ومثلما قبلت الأندية بواقع قانون اللاعب، والدخول إلى العصبة الإحترافية من منطلقات دفتر التحملات، عليها أن تقبل أقوى جديد الحكومة في مسلكيات أداء الضريبة على دخل الرياضيين والمدربين كواجب وطني، وليس إنزعاجا من الحكومة لأنها أضرت بالرياضيين كما يرى البعض ذلك، مع أن الواقع يقول أنه لا يعقل أن يؤدي موظف الدولة ضريبته على الدخل، ولا يؤديها اللاعب والمدرب باختلاف كبير وكبير في الرواتب والصفقات والعقود والمنح، لذلك لا يمكن أن يعطي لموضوع فرض الضريبة على الدخل هالة «الحكرة» على المدربين واللاعبين، بل هي واجب وطني وإجراء تفضيلي يسدد للدولة واجبات لكي تمتعه بحقوقه في أسمى التجليات، وما أعتقد أن الرياضيين سيستاؤون من هذا الوضع وبخاصة الطبقات التي تتقاضى أجورا عليا من لاعبين ومدربين، بل سيرحبون بهذا المطلب الضريبي لدعم الدولة. مرونة حوار الوزير وستجدون رفقة هذا الملف حوارا إنفراديا مع السيد وزير الشباب والرياضة كرجل محاور ومرن في خطابه وفلسفته دون مزايدات ولا تصادع في الرؤى مع ممثلي الأندية في اجتماعهم المقبول مبدئيا، قبل أن يقبلوا في اجتماع ثاني وبشكل موحد للموقف الداعي إلى مقايضة الشروط القانونية الضريبية بإجراءت موازية من قبيل تخصيص مخصصات مالية للأندية كما هو معمول به بقطاعات أخرى، وتثمين مبادرة الفاعلين للإنخراط لفرقهم في المنظومة الإحترافية، مع مواصلة مخاطبة لكل المسؤولين الحكوميين والأجهزة الوصية لتوضيح الصورة وإثبات موقف شفاف يقر بقبول مبدأ أن تضع الدولة يدها على مداخيل الرياضيين وفق شروط قانونية تحافظ على مصالح الأندية وبعدم الإضرار بمصالحها كما جاء في بلاغ ممثلي الأندية. ومن هذا المنطلق، كان لحوار الوزير المسبق مع ممثلي الأندية، شفافيته المطلقة في أن النقاش المستلهم حول فرض الضريبة، هو نتيجة حثمية لروح المواطنة على إعتبار أن الضريبة على الدخل لم تشكل أبدا عقبة في طريق تطوير أي نشاط.. وربما أفاض الكثير من الحكامة العاقلة لنجاح الحوار مع الفرقاء وأقواها تنوير الرأي العام بحواره مع "المنتخب" حول مستجدات وتبعات فرض الضريبة على الدخل كواجب وطني. العدالة الإجتماعية حتى لو تكررت الإحتجاجات، فواقع الإحتراف يسير نحو الصحة المطلوبة في أشكالها القانونية، إذ قانون اللاعب والدخول إلى العصبة الإحترافية والسير فيها بانطلاق لا يخلو من مشاكل هو نجاح في حد ذاته لقبول تغيير نمط الكرة الهاوية إلى الوضوح والشفافية، والنجاح الجديد برغم الإحتجاج المؤقت هو في فرض الضريبة على الدخل، كما ستنجح الكرة أيضا في أحكام قانونية جديدة في فرض الضريبة على القيمة المضافة على دخول الأندية ثم تحول الأندية إلى شركات في السنة القادمة أو ما يليها.. أليس كل هذا يعتبر نجاحا سريعا في تطبيق القانون مع أن الدولة لا يمكنها أيضا أن تربح ضرائبها من دون أن تدعم الأندية.. ومن يعتبر فرض الضريبة على الدخل إحتجاجا، فهو خاطئ ألف مرة لأنه يربح الكثير في غياب أداء أرباحه للدولة بالضريبة.. ومن لا يربح من الكرة في أدنى السلالم فلن يؤدي الضريبة.. ولا أعتقد أن كل الأندية فقيرة، وكل ميزانياتها ضعيفة، وإشهاراتها ومحتضنيها ومداخيلها معدومة، ولا أعتقد أن اللاعب الذي يعقد صفقة معينة تغنيه مائة مرة عن راتبه لن يؤدي الضريبة إن إحترف أوروبيا أو خليجيا، أو إحترف هنا بأقل الصفقات، لكنها على أكثر تقدير عالية من موظف سام في الدولة.. ونفس الأمر ينطبق على صفقات المدرب أيضا كان وطنيا أو أجنبيا، ما يعني أن النادي الذي يعقد صفقات من هذا النوع هو غني، وعليه أن يؤدي الضرائب على الدخل بلا تعصب ولا تهرب من المسؤولية مثلما هو الحال في اقتصاد الريع في جانب المأذونيات التي تنهك الإقتصاد المغربي.. وفي نهاية المطاف، ليس كل الأندية فقيرة، ومن كان فقيرا سيلقى دعم الدولة، وسيؤدي ضرائبه مثلما يؤدي اللاعب أيضا ضرائبه خارج الملعب، في منزله وفي فواتير الماء والكهرباء والهاتف والأسواق التجارية، لكن راتبه غير خاضع لواجب الضريبة مثل سائر المواطنين.