لفربيك أدوار أخرى إن كان في الحلق غصة على أن منتخبنا الأولمبي أهدر فرصة ولا أثمن ولا أغلى ليتوج بلقب أول بطولة إفريقية لأقل من 23 سنة وهي تجري بالمغرب، فإن ما يخفف وطأة هذه الغصة أن أشبال الأطلس حققوا الرهان الإستراتيجي والحيوي المتمثل في الوصول إلى الألعاب الأولمبية لندن 2012 والذي يسجل سابع حضور لكرة القدم المغربية في الأولمبياد، وفتحوا بذلك هامشا جديدا لتحفيز النفس، لتأكيد ما كنا قد أكدناه من وجود صحوة كروية كبيرة. واحتكاما إلى ما كان عليه أداء أولمبيونا في بطولة ضاع منهم لقبها وهم يصلون مباراتها النهائية، فإننا نسجل تحفظات كثيرة على نمطية التدبير بخاصة التكتيكي منه ونفتح أقواسا كثيرة أيضا لنسائل أنفسنا عن المرحلة القادمة، بخاصة عندما يحين موعد المشاركة في الألعاب الأولمبية. ما من شك أن الجامعة أعطت لهذا المنتخب الأولمبي ما لم يعط لما سبقه من منتخبات بهذه الصفة، فالطاقم التقني المشرف عليه هو الأكبر عددا والأعلى أجرا في تاريخ كل منتخباتنا الأولمبية، بل إن القياس يكاد يكون مستحيلا مع ما يوجد من فوارق بين طبيعة الطاقم وما يكلفه ماديا وبين ما كان متاحا من قبل لكل من الإطارين سعيد الخيدر ومصطفى مديح اللذين قادا المنتخب الأولمبي بدورتي سيدني 2000 وأثينا 2004، بالإضافة إلى ما سخر لهذا المنتخب من إمكانات لوجستيكية ومن محكات ودية ليكون في أثم جاهزية لدخول المرحلة الحاسمة في مشوار التصفيات، إلا أن سؤال الحاضر والمستقبل الذي يفرض نفسه هو: هل يعطينا الهولندي فيربيك الإنطباع على أنه يمثل رجل المرحلة باعتبار أنه هو من أدار تكتيكيا هذا المنتخب الأولمبي من أول يوم إلى الآن، برغم أن ما جرى الحديث عنه من وجود قطب تقني يقول بأن فيربيك مشرف عام وأن الوركة هو المدرب؟ هل نتصور أن الفرصة المهيأة لنا لتشكيل منتخب أولمبي قوي، منافس وطموح لتحقيق ما عجز عنه غيره في الدورات الست الماضية، يمكن أن تستثمر مع وجود فيربيك ربانا ومدربا أكثر منه مشرفا؟ أول ملاحظة نقدية تسجل على الهولندي فيربيك الذي لا نسلبه حقه في أنه مهد لحضور كثير من اللاعبين الأولمبيين المغاربة الذين كانوا يحملون ألوان منتخبات أوروبية وهو صاحب فضل كبير في ذلك، أنه برغم المساحة الزمنية الكبيرة التي أعطيته، وبرغم كل المحكات الودية وحتى الرسمية التي سخرت له من قبل الجامعة وفي التصفيات التمهيدية، إلا أنه عجز عن تقديم منتخب أولمبي وطني متوازن، منسجم ومتماسك ذهنيا وتكتيكيا، وقد قلت ذات مرة أن أكبر مخاطرة أدخلنا فيها فيربيك، كونه كان بعد كل فترة زمنية يوهمنا بأنه إستقر على تشكيل ثابت، بينما الواقع أن الأمر لا يعدو أن يكون إستنزافا للقدرات، فالسيد فيربيك كان بمنتهى الإستعداد ليضحي بهذا الثبات المطلوب للتشكيلة لتطوير العمل وتعميق الأداء الجماعي، ليرضي فكرا تقنيا ينادي باحترافية منغلقة على نفسها، ما جعله يلفظ خارجا لاعبين بأعمار صغيرة ذنبهم الوحيد أنهم إرتكبوا أخطاء هي من صميم تكوينهم الهاوي، وأكثر منه فرض على المنتخب الأولمبي أن يخلع معاطف كثيرة في أوقات قياسية. وكان محبطا بدرجات كبيرة أن يظهر المنتخب الأولمبي بعاهات تكتيكية وبتشوهات هي من طبيعة التدبير الخاطئ، فقد هالني كثيرا أن يكون الفريق الوطني بنصفين متباعدين، بل ومتناقضين بصورة تحدث الكثير من الإختلالات التي تضرب التوازن، فبينما كان الخط الهجومي البنائي والفعلي بصورة طيبة للغاية كان الخط الدفاعي ليس كأفراد ولكن كبناء وكمنظومة في حالة مزرية، وقد ظهر ذلك واضحا في مباراة مصر خلال الدور نصف النهائي ثم في مباراة الغابون خلال الدور النهائي. وإذا ما كان مقدورا معالجة هذا الإختلال الوظيفي في الآتي من أشهر تسبق المشاركة في الألعاب الأولمبية بلندن العام القادم، وإعادة بناء النواة الصلبة بخاصة مع وجود لاعبين بأعمار أولمبية في المنتخب الأول (عبد الحميد الكوثري، يونس بلهندة، عادل تاعرابت، المهدي كارسيلا) ومع تعدد الخيارات لانتقاء أفضل ثلاثة لاعبين يعطيهم قانون الفيفا الحق في المشاركة بالأولمبياد برغم تجاوزهم لسن الثالثة والعشرين، فإنه من الكذب على النفس تصور أن من يستطيع قيادة هذه العملية الحاسمة في إعادة بناء المنتخب الأولمبي هو الهولندي بيم فيربيك، فما جردته من تحفظات على الفكر التقني وعلى طريقة التدبير المنغلقة تقول بأنه من الجدير بحلم كرة القدم الأولمبي أن يوضع بيد مدرب له كاريزما خاصة وله فكر منفتح، قد نجده مجسدا في البلجيكي إيريك غيرتس إن لم يوجد ما يتعارض بين مسؤولياته داخل المنتخب الأول ومع ما يتطلبه المنتخب الأولمبي من تفرغ إلىحين إنتهاء المنافسات بلندن. الأمر في إعتقادي يحتاج إلى مقاربة تقنية يحضر فيها العقل قبل كل شيء، ففربيك إن كان هناك من ضرورة للإحتفاظ به أدوارا أخرى يمكن أن يلعبها، غير أن نأمنه على حلمنا الأولمبي.