وقد غلبنا اليأس من هول ما شاهدناه من فريقنا الوطني وهو يتتاءب في مشوار تصفيات كأس العالم وكأس إفريقيا للأمم 2010، يرتفع حينا ثم يسقط أرضا أحيانا كثيرة، جاءت المبادرة الملكية السامية التي كشف عنها رئيس الجامعة الخميس الماضي بتخصيص دعم مالي سنوي لتدبير وتأطير المنتخبات الوطنية لتعكس أولا حرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس على تفعيل ما تضمنته الرسالة الملكية إلى المناظرة الوطنية حول الرياضة بخاصة ما يرتبط بإيجاد موارد مالية تسهم في الإرتقاء بالمنتوج الرياضي الوطني، ولتجسد ثانيا حاجة المشهد الرياضي الوطني إلى مزيد من الإحترافية والمهنية والشفافية· ومن الضروري أن نعي جيدا التوقيت الذي إختاره الرياضي الأول صاحب الجلالة ليكشف عن مجموعة مبادرات ترمي بالأساس إلى إحداث إنقلاب نوعي في منظومة التدبير الرياضي، فقد أشعرتنا الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية حول الرياضة بأن عاهل البلاد يضع تطوير المشهد الرياضي الوطني في طليعة الأوراش التي تتبناها التنمية المستدامة أحد أكبر رهانات المغرب الحديث، وأخبرتنا فوق ذلك بالمقاربة الملكية والتي تتأسس على طبع العمل بالإحترافية وطبع التدبير بالمهنية وطبع التمويل والصرف بالشفافية التي تستحضر جسامة المسؤولية وثقل الأمانة· وإذا ما كانت الرسالة الملكية قد حركت الإرادات الجماعية للإنخراط في تفكير عميق ووطني للخطو في طريق الألف ميل بهدي من خارطة الطريق، فإن جلالة الملك فعل على نحو رائع ما وعد به من جلب الموارد المالية الضرورية لدعم الإنتقال التاريخي، كانت البداية بتخصيص نحو 33 مليار سنتيم لتأهيل الأبطال المغاربة من ذوي المستوي العالي في أفق مشاركتهم في دورة الألعاب الأولمبية لندن 2012 وما سيسبقها من تظاهرات إقليمية، عربية وقارية، ثم جاءت توجيهات جلالته لأربع مؤسسات وطنية بتخصيص إعتمادات مالية سنوية تصل إلى 25 مليار سنتيم لهيكلة المنتخبات الوطنية لكرة القدم لتبرز القيمة الوطنية لمنتخبات كروية تحمل آمال شعب بكامله· وأتصور أننا أصبحنا اليوم أمام دعم موصول لقاعدة وقمة هرم كرة القدم، فما تقدمه الدولة بحكم إنخراطها في برنامج التأهيل هو بطبيعة الحال دعم للأندية التي هي قاعدة الهرم، وما ستقدمه مؤسسات بنك المغرب، صندوق الإيداع والتدبير، المكتب الشريف للفوسفاط ومؤسسة الحسن الثاني للمنتخبات الوطنية هو دعم لقمة الهرم· يبقى أن نسأل كيف نستطيع أن نوفق بين كل وسائل الدعم هاته لتصل في الأمد القريب، إلى مطابقة النتائج مع قيمة الدعم وإلى جعل القاعدة في خدمة قمة الهرم؟ الأمر يفرض أن تكون هناك إستراتيجية متعددة الأبعاد، تقوم بالأساس على مقاربة موضوعية لإمكاناتنا البشرية والفكرية وتعتمد كأدوات الإحترافية، المهنية والشفافية· وكما أن ما يقدم من دعم لهيكلة الأندية قانونيا، إداريا وتقنيا يسعى إلى تأهيلها لدخول النظام الإحترافي كخيار إستراتيجي لا مناص منه ولا محيد عنه، فإن ما يعرض اليوم من دعم مالي مهم لهيكلة المنتخبات الوطنية يجب أن يتوجه بالأساس إلى قطع كل صلة مع الهواية والعشوائية والإرتجال الذي ما فتئ يطبع نظام العمل داخلها، والذي فرق للأسف بين هذه المنتخبات، بل وفرق بين الرهانات المختلفة للمنتخب الواحد·· إن إستحقاق الجامعة التي هي الوصي المباشر على كرة القدم الوطنية لهذه الإلتفاتة المولوية السامية، يجب أن يبدأ من ضرورة توجيه الدعم المالي الكبير إلى كل ما ينهض بالمنتخبات الوطنية، إلى ما يهيكلها ويضمن لها العمل وفق نسق إحترافي، إلى ما يطابق بينها وبين ما تمثله في وجدان الشعب، وكل هذا لن يكون إلا بتبني سياسة تقنية مدروسة ومعقلنة تتولى تنفيذها إدارة تقنية وطنية مهيكلة، محددة بداخلها الإختصاصات وموزعة فيها بكل شفافية المسؤوليات· وقد حرصت على أن أربط هذا الدعم المالي >التاريخي< للمنتخبات الوطنية بهيكلة الإدارة التقنية الوطنية على نحو يتلاءم مع إكراهات المرحلة لحاجتنا جميعا إلى أن تتوضح صورة الدعم بالصيغة التي ورد بها، فهو دعم يتوجه إلى كافة المنتخبات الوطنية صغيرها وكبيرها، ويراهن بالأساس على أن تتهيكل هذه المنتخبات جميعها تقنيا بتمكينها من جميع الكفاءات الوطنية، وبتسخير كافة الإمكانات المادية واللوجستيكية لتعمل وفق نسق متناغم ومنسجم· والأكيد أن هذه الملاءمة المراهن عليها بين ما تهيأ من دعم وبين ما يكون ممكنا المراهنة عليه لن تنجح إلا باعتماد سياسة تقنية مندمجة تكون الإدارة التقنية الوطنية وقد أرسينا قواعدها واخترنا لها بعناية فائقة أطرها هي المسؤول الأول عنها·