«المنتخب» ترصد من أكادير تفاصيل معسكر عنوانه التوتر تكلفة المعسكر تقارب 650 ألف درهم وإدارة الفندق تعد فاتورة الخسائر ألغى امحمد فاخر الحصة التدريبية التي كانت مقررة صباح يوم الإثنين الماضي، بسبب حالة التوتر التي خيمت على فضاء معسكر الرجاء البيضاوي، والذي انطلق يوم الخميس الماضي والممتد إلى غاية الرابع عشر من شهر يوليوز الجاري، إستعدادا لمباراة القطن الكاميروني برسم الجولة الأولى من دوري المجموعات لمسابقة عصبة الأبطال الإفريقية.. إلغاء الحصة التدريبية الصباحية جعل اللاعبين يتداولون همسا وجهرا، حالة الإنفلات التي يعرفها المعسكر، والتي من نتائجها إبعاد عنصرين أساسيين وهما لمباركي ومتولي، وتهديد آخرين بالطرد، إذا لم ينضبطوا لأوامر المدرب فاخر، الذي أصبح حديث اللاعبين والمؤطرين. «المنتخب» زارت مقر إقامة الرجاء البيضاوي في فندق روبنسون بأكادير، في محاولة للإقتراب من تفاصيل معسكر يعيش على إيقاع التوتر والقلق، معسكر بدا فيه اللاعبون كمعتقلي رأي يأكلون ويتدربون وينامون، وكأنهم كائنات «ميكانيكية». معسكر روبنسون روبينسون كريزو، واحد من أشهر الروايات التي يزخر بها الموروث الأدبي العالمي، التي كتبها الروائي البريطاني دانيال دوفو، وتروي حكاية إعتقال بحار في إحدى جزر المحيط الأطلسي، وما ترتب عن الإعتقال من مغامرات حولت حياته إلى جحيم لا يطاق. ومن غرائب الصدف أن يعيش لاعبو الرجاء مغامرات في فندق يحمل بالصدفة نفس الإسم، ويوجد على قدم المحيط الأطلسي، لكن في زمن آخر وبشخوص آخرى، تختلف تماما عن شخصيات الرواية التي تعد من أمهات أدب المغامرات. حينما تقترب من البوابة الخشبية العملاقة لفندق روبنسون، تكتشف أن الفضاء السياحي شبه منفصل عن بقية المنشآت الفندقية، ليس فقط في موقعه المنعزل والهادئ، ولكن أيضا في شكله المعماري الأشبه بقلعة حصينة من قلاع المغرب. أمام الفندق دورية للأمن الوطني توحي بوجود حالة استنفار، تثير استفزاز السائحين الذين ينتابهم نوع من القلق في مثل هذه المواقف، كما ينتصب أفراد من الأمن الخاص يتلقون تعليمات بالطولكي وولكي تمنع كل زائر للمعسكر من الإقتراب من قلعة الرجاء. إستوقفنا موظف الإستقبال بعد أن تجاوزنا البوابة، وبعد التعرف عن هويتنا طلب مهلة للإستشارة، ليعود سريعا وتقاسيم وجهه تكشف قرار المنع الصادر في حق كل من سولت له نفسه الأمارة بالبحث والتقصي الإقتراب من معسكر الرجاء، الذي أراده المدرب امحمد فاخر معزولا عن العالم. قال الحارس الخصوصي، إنه مجرد آلة لتنفيذ التعليمات، حين ذكرناه بأن المنشآت الفندقية ليست فضاءات مغلقة، وأنه يحق لأي مواطن مغربي أو أجنبي حق دخول الفندق والإستفادة من خدماته دون استثناء، وأن منع الصحافيين مجرد «اجتهاد» يراد به إخفاء «البلاوي» التي تنبعث روائحها مهما حاول المدرب السيطرة عليها. تدخل رجل أمن بزي مدني ونبه المسؤول عن الإستقبال إلى خطورة المنع، وقال إن المنشآت السياحية ليست حكرا على الأجانب، ففتح الباب على مضض أمامنا كمواطنين وليس كصحفيين. عزلة فاخر والطنطاوي بين فاخر وروبنسون علاقة حب قديمة، فالمدرب الوطني يفضل هذه الإقامة السياحية الهادئة، لأنها بعيدة عن التجمعات الفندقية الآهلة بالسياح، ولأن الوصول إليها يتطلب التوفر على وسيلة نقل أو تحمل فاتورة عداد سيارة الأجرة. يؤكد أحد العاملين بالمنشأة الفندقية، علاقة الود القديمة التي تجمع فاخر بهذا الفضاء، «المدرب فاخر يعشق هذا الفندق منذ أن كان مدربا للجيش الملكي حيث حرص على تنظيم معسكرات مغلقة فيه، بل إنه حين كان مدربا للمغرب التطواني لم يخلف وعده مع روبنسون كلما قادت الأقدار الفريق التطواني إلى عاصمة سوس».. في هذا المعسكر «السري»، المدرب فاخر هو الآمر والناهي، يختلي في غرفته المطلة على البحر، ويدون تعليمات يحرص الإداري رضوان الطنطاوي على نقلها حرفيا إلى اللاعبين مرفقة بعبارة «هو اللي دار أنا غير عبد مأمور»، في ما يشبه البراءة من تهمة «إصدار قرار بدون رصيد ديقراطي». هنا لا يحق للاعبين المشاركة في صنع القرار، فالطاقم التقني برئاسة فاخر هو الآمر والناهي، واللاعبون مجرد مستهليكن، بينما يغيب رئيس وفد عن الرحلة له القدرة على تدبير الصراعات التي تندلع في المعسكر، ليس لأن الإداري لا حول ولا قوة له، بل لأن المدرب بسط سيطرته المطلقة على الفريق، مستغلا إنشغال المسيرين بالجمع العام، واقتصار علاقتهم بالنادي على بضع مكالمات هاتفية انسجاما مع مبدأ «معرفة الشيء خير من جهله». أصل الخلاف يقول لاعب يحرص على إخفاء هويته، «لا يعقل دخول معسكر إعدادي لمباراة قوية وهامة أمام القطن الكاميروني في ظل غيابات وازنة، كما لا يمكن إجراء المباراة الأولى بعناصر لم تشارك في المعسكر، لقد كان على المسؤولين تمديد فترة التحضير البدني بضواحي الدارالبيضاء إلى حين استكمال الصفوف». لهذا لوحظ غياب العديد من الأسماء الأساسية أبرزها أمين الرباطي الذي ينتظر ردا من المسؤولين المنشغلين بالجمع العام، وحسن طير الذي ما زال يفاضل بين عرض الرجاء وعرض نادي الإمارات الإماراتي، وعبد المولى برابح الذي عبر مرارا عن رغبته في تغيير الأجواء، وطارق الجرموني الذي يبحث عن مفاوض متفرغ، وهشام المهدوفي الذي يجتر إصابة زاد وخز الإبر من إستفحالها، لكن أكبر غياب في معسكر أكادير هو الإنضباط هو الحماس هو التواصل وهو روح الفريق. من سلبيات الممارسة الديمقراطية في المغرب، إسقاط ثلث الأعضاء أثناء فترة التحضيرات، مما يجعل الفريق أمام فراغ تسييري رهيب، يرمي بالمسؤولية الإدارية والتقنية في يد المدرب. في حالة الرجاء أخرجت القرعة المسؤول عن المتابعة التقنية خالد الإبراهيمي من غرفة القيادة، وأصبح «قانونيا» غير مسموح له بالتفاوض مع اللاعبين الذين انتهت عقودهم والوافدين الجدد، مما أرخى بظلاله على المعسكر. لمباركي أول المطرودين خلال الحصة التدريبية الصباحية ليوم السبت الماضي، حصل خلاف بين اللاعب بوشعيب لمباركي والمدرب فاخر، بسبب تافه، حسب شهادات اللاعبين، «كنا نقوم بعملية إحماء بالكرة أو ما يعرف بدخالة، قبل أن يعلن المدرب عن توقيف الحصة ويدعو مجموعة من اللاعبين إلى الركض حول الملعب كعقوبة زجرية، بسبب الصراخ الصادر عن تلك المجموعة، رفض لمباركي القرار وأكد للمدرب أن الصراخ جزء من الحماس وأن الحصة التدريبية لا بد أن تعرف مثل هذه الأمور، إلا أن فاخر اتهم شعيبة بالعصيان، وعلى الفور أصدر قرار طرده، وكلف الطنطاوي بتبليغه». منحت للمباركي مهلة لمغادرة المعسكر، وعلى الفور أعد المدرب تقريرا يؤكد فيه أن بوشعيب رأس فتنة، داعيا المكتب المسير إلى «تصديره» إلى فريق آخر، لأنه يريد لاعبين مهادنين يتدربون بصمت ويأكلون بصمت ويصرخون في صمت أيضا. عاد لمباركي على وجه السرعة إلى الدارالبيضاء، وفي اليوم الموالي خرج رئيس اللجنة التأديبية للرجاء عن صمته، وقال على أثير راديو مارس إن مشكل بوشعيب قد تمت السيطرة عليه، وأن اللاعب عاد إلى أكادير لاستئناف تداريبه، تبين زيف الإدعاء واكتشف الجميع أن رئيس اللجنة التأديبية يكذب على الرجاويين، لذا نادى الكثيرون بعرض رئيس اللجنة التأديبية على لجنة مكونة من المنخرطين والمحبين وقدماء اللاعبين لمعرفة مسببات تصريحات منفلتة تزيد من حجم القلق في أوساط اللاعبين والمحبين. لعبة القط والفأر بين متولي وفاخر منح المدرب فاخر للاعبين يوما للراحة، بعد عناء التنقل إلى التداريب التي تجرى في ملعب بلدية إنزكان، وليس في ملعب الانبعاث بسبب توتر العلاقات بين المكتب المسير للرجاء والحسنية بسبب صفقة اللاعب عمر نجدي، خرج اللاعبون لاكتشاف الساحل السياحي للمدينة، وحين عادوا إلى الفندق وجدوا حاجزا أمنيا عند البوابة، يقف وراءه المدرب فاخر الذي وضع نقطة تفتيش بحثا عن لاعب حول فسحة الأحد إلى فرصة للتزود بمواد محظورة. خضعت حقيبة اللاعب محسن متولي للتفتيش بشكل بوليسي أثار قلق اللاعبين، قبل أن يغضب اللاعب الذي رفض سلوك مدرب يبيح لنفسه التطاول على اختصاصات الأمن الخاص. دار بين فاخر ومتولي حوار متوتر، الأول يبيح لنفسه حق التفتيش والثاني يذكر المدرب بدوره التقني أي فوق رقعة الملعب وليس في كل المرافق، قال محسن إنه اشترى مرهما وبعض المقتنيات وأصر فاخر على تفتيش الحقيبة، قبل أن يثور اللاعب في وجه المدرب ويصرخ «أنا لا أحمل متفجرات»، وقرر مغادرة المعسكر، وقبل أن يغادر المكان حطم أثاث غرفته بالفندق وسط حالة استنفار أفزعت النزلاء. ركب متولي الطائرة صوب الدارالبيضاء صباح يوم الإثنين، تاركا وراءه علامات استفهام بدون جواب. حصة تدريبية ملغاة ألغيت الحصة التدريبية لصباح يوم الإثنين، دون أن يقدم الطاقم التقني مبررات الإلغاء، ليتبين أن حالة التوتر التي يعرفها المعسكر وراء الإضطراب الذي ميز نهاية الأسبوع، بينما لم تتوقف المكالمات الهاتفية بين الطنطاوي وبعض المسيرين الذين أبعدتهم قرعة الثلث الخارج عن القرار. يرى كثير من اللاعبين الذين التقتهم «المنتخب» في معسكر أكادير، أن التحضير لمباراة ذات طابع إفريقي يجب أن يتم في أجواء يطبعها التركيز والتفاؤل، واشتكوا من غياب مباريات ودية في ظل وجود الفرق السوسية في عطلة، بل إن المباراة التي أجراها النسور ضد اتحاد إنزكان، والتي انتهت بانتصار الخضر بخماسية نظيفة، لا ترقى إلى قيمة المحك في ظل التجميع الإستعجالي للفريق السوسي، الذي خاض مباراته ضد الرجاء دون أي تمرين مسبق. لكن رغم حالة التوتر هاته، فإن العديد من اللاعبين قد حاولوا التخلص من القلق والإستعداد الجاد للمحطات القادمة، وقدموا بشهادة أحد أفراد الطاقم التقني شهادة استحقاق خاصة لللاعب الإيفواري تيميت سيكو القادم من نادي الملعب التونسي، والذي أبان عن حس تهديفي جيد، فضلا عن بعض اللاعبين الشباب خاصة سفيان طلال. عن أي تقشف يتحدثون؟ فاقت تكلفة المعسكر الإعدادي للرجاء البيضاوي 650 ألف درهم، خاصة وأن سعر الغرفة الواحدة يصل إلى 1600 درهم، وبعملية حسابية بسيطة يمكن أن نتعرف عن فاتورة المعسكر الذي ضم حوالي 34 فردا من لاعبين ومؤطرين وطاقم طبي، ناهيك عن نفقات تذاكر السفر من الدارالبيضاء إلى أكادير، ومصاريف أخرى تتعلق بلوازم التدريب. كما أدى الوفد فاتورة الخسائر المادية التي لحقت بغرفة محسن متولي بعد صراعه مع المدرب فاخر، إذ فاقت تكلفة الخسائر 20 ألف درهم، هذا في ظل حديث المكتب المسير للرجاء عن أزمة مالية وعن ضرورة اتباع سياسة ترشيد النفقات. البداية المتعثرة للرجاء في مرحلة الإعداد لمحطة إفريقية ساخنة، تجعل كثير من الرجاويين يضعون أيديهم على قلوبهم، خوفا من انطلاقة بنفس القلق والتوتر، يسري عليها القول المأثور «من الخيمة خرج مائلا». أكادير: