مثل طائر الفينق الأسطوري الذي ما إن يظهر حتى يعود ليختفي ومثل الرخ الخرافي الذي يفرد أجنحته على الكل فيثير الرعب والذعر بتحليقه إيذانا بصرع فريسة ما، عاد الرائع فلورونتينو بيريز ليشغل العالم والناس هذا الصيف كما هي عادته، عاد >كايدهم ومجننهم< على رأي إخواننا بالخليج ليعكر على البارصا صفو أفراحها بالثلاثية وليطرد النوم من عيون العزيز لا بورطا، ولينسي عشاق الريال بعضا إن لم يكن جزءا كبيرا من خيباتها هذا الموسم· ولست أدري هل تستمتعون معي في عز حر هذه الأيام بحرارة الأرقام الفلكية والمهولة التي يلعب بها بيريز في سوق الإنتقالاتو أم تراكم من دعاة المثالية المزيفة والخطابات الجوفاء المبنية على باطل و الداعية إلى إعتدال في الصرف والعرض وكأن بيريز >الغول< يضع يده في جيب الغير ليقرر في مصير صفقاته المجنونة التي تستهويني كما تستهوي اللاعبين وأي عاشق للإثارة وخاصة عشاق الملكي من هامة الرأس حتى أخمص القدمين·· ولست أدري أيضا لماذا كلما شاهدت هذا الرئيس الفذ إلا وأتذكر الكأس صاحبة الأذنيين الطويلتين، >عصبة الأبطال الأوروبية< ومعها أتذكر هوليود وجوائز الأوسكار والنفائس والمعادن الناذرة و الأحجار الكريمة وكل الخلطات السحرية الأخرى المعقدة والمركبة·· فلورونتينو بيريز رئيس الريال صانع الحقبة الذهبية في عصر الكالاكتيكوس وصاحب النظرية الجديدة في علم كرة القدم، وحدة حدوثه وحكاية، بدليل أن الكل يبسط له السجاد الأحمر كأي ملك أو حتى ساحر كما جسدته عودته لرئاسة الريال دون منافس أو حتى شريك· ووجدت فيما يقوله خوان لابورطا رئيس البارصا ما يضحك فعلا حين اتهم الريال بالإمبريالية والغطرسة ودعا إلى فتح تحقيق في مصدر أمواله وختمها >لم نعد نهتم بشأننا بل كل يوم نفكر في تعاقدات الريال<· لا بورطا المسكين أصبح يبيت ويستيقظ وفي أول الصباح يقصد ملعب التداريب كي يحصي لاعبيه خوفا من أن يجد أحدهم طريقه للبرنابيو، كما يفعل الراعي عادة مع قطيعه حين يخشى عليها من بطش ومكر ذئب أو تعلب جائع· ودون أن يطيل الإنتظار خرج جوزيف بلاتير للرد على ميشيل بلاتيني الذي دعا إلى وضع حد لمثل هذه الصفقات المجنونة خاصة صفقة كريستانو رونالدو حفاظا على قيم اللعبة وتوازنات السوق، فجاء رده حاسما بالقول أن ما ينجزه بيريز هو ما يخدم اللعبة ويعطي الدليل علي أنها بألف خير ومحصنة من كل الأزمات، وعلى ذكر الأزمات فإن بيريز يحير ليس لابورطا فحسب، بل كبار المنظرين في العالم باعتباره مقاولا ومنعشا عقاريا وأكثر قطاع ضربته الأزمة العالمية كان هو العقار غير أن بيريز وكأي جني بسبعة أرواح خرج أقوى من أي وقت مضى وبحقيبة تحتكم على (400 مليون يورو) لإنجاز الصفقات· جاذبية بيريز وروعته يمكن فهمها مما يلي، هو أنه يدخل أم المعارك ويكسبها ويستحيل أن يضع يده على لاعب ويرفض، بل أنه يحرج حتى أكبر رؤساء الأندية على مستوى العالم والذين يفترض فيهم أنهم رجال مال وأعمال من الدرجة الأولى، إذ يصبحون أمامه مجرد أقزام· ذات يوم وفي عز سطوة مودجي باليوفي خطف منه في مغازلةحدثت لثوان في حفل عشاء بإمارة موناكو زين الدين زيدان بعد أن ضمت الجميع طاولة واحدة فكان أن كتب للأسطورة الفرنسية >هل تريد القدوم لمدريد< وما إن أومأ زيدان بالقبول حتى حسم كل شيء في إمارة فيليب، وكي تبرز حدود هذه الشخصية الفريدة يكفي استحضار الطريقة التي ضم بها فيغو من برشلونة، بل طالعت سرا بعدها أن ريفالدو وغزافي كانا سيتبعانه لولا أن جهات عليا داخل مدريد طلبت من بيريز العدول عن مخططه لأنها أدركت حينها أن حربا أهلية ثانية ستقوم بين الكاطالان والعاصمة·· موراتي رئيس الأنتر يعتبر واحدا من أكثر الرؤساء بإيطاليا تقديرا واحتراما ويلعب داخل الكالشيو بلا منافس، إلا حين يترك بيرلوسكوني السياسة صوب الرياضة، هذا الرئيس ما إن يسمع بإسم بيريز حتى ترتعد فرائسه بدليل ما أحدثه له من إرتجاج يوم حول تأشيرة الطائرة التي أقلت رونالدو من ميلانو صوب مدريد، وكي يطيب خاطره فتح معه جسور تعاون امتدت إلى حد العطف عليه بأبناء مدريل (سولاري، فيغو وكامبياسو وحتى صامويل··)· ولأن العظام خلقوا كلهم كي يحملوا قميص الريال، فإن ضم بيكهام كان منطقيا ومتوقعا وهو ما حدث، ليأتي فاصل الرعب الحالي بإستقدام كاكا وبرقم أقل مما عرضه كالديرون (67 مليون مقابل 80 مليون يورو) وهنا يبرز السر والحكمة وكيف تحول هجوم غالياني الشرس على كالديرون إلى ولاء وطاعة مع بيريز· ولكم أن تتساءلوا عن الأسرار الأخرى التي تقف خلف شخصية بيريز بإستحضار موقفين قمة النقيض لفيرغيسون بين الموسم الماضي حين أطلق العنان لتصريحاته بعد مفاوضة كالديرون لرونالدو واتهامه الريال بالديكتاتورية وبين إبتلاعه للسانه مع بيريز وصمته المريب لأن بيريز قصد رأس العين (اللاعب وديفيد جيل رئيس المانيو) ولي نعمة فيرغسيون باختصار· من أطرف ما قرأت أن صفقة كريستانيو رونالدو تكفي لشراء 93 سيارة من نوع بوجاتي فيرون المقدرة ب مليون و400 ألف يورو للواحدة ولشراء مليون و300 ألف هاتف من نوع فل آبل المميز و138 أوقية من الذهب ولسد جوع سكان كندا برمتهم ليوم كامل ولشراء 80 بالمائة من أسهم نيوكاستل وأنا أضيف أنها تكفي 50 سنة لتسيير الأندية الوطنية مجموعة مادامت تتحصل سنويا على مليارين من السنتيمات من حقوق التلفزيون، لكن ما خفي على الكل هو أن رونالدو اختصر القول بعبارة رائعة >يسرني ويغريني أن أرى الحقد والضغينة في عيون المتفرجين لأني أتلذذ بذلك<·· وأضاف >سأكتب تاريخا آخر مع الريال<· هذا وحده يفسر لماذا دفع بيريز كل هذا المال في كريستانو وكاكا· مع بيريز ملعب بيرنابيو سيتحول لهوليود حقيقي، لمسرح أحلام مختلف للملكي ويستهويني سلوك بيريز ومغامراته أجد فيها متعة لا تقدر بثمن، بل نشوة تجدد ولاءنا للأبيض وبتعصب أكبر هذه المرة·