لا تسلخوا جلده عندما أسمع وأقرأ كل هذه الوشاحات التي تعلق اليوم على صدر الأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي وهي تأتيه تباعا من خبراء وتقنيين وإعلاميين على هيئة تعاريف بسحره الكروي الذي لا يقاوم، ألتمس العذر كل العذر لجوزي مورينيو مدرب نادي ريال مدريد في كل الذي خطط له خلال المباريات الثلاث التي خاضها إلى اليوم الريال أمام الغريم برشلونة، والتي إنتهت الأولى بتعادل مثير للجدل، وإنتهت ثانيها بفوز قلب التاريخ للريال وانتهت ثالثها بفوز لبرشلونة قيل إنه بمثابة عدالة من السماء.. ما أنجزه ليونيل ميسي الأربعاء الماضي بقلعة المدريديين سانتياغو برنابيو كان في واقع الأمر فاصلا جديدًا من سمفونية كروية يتفرد بها هذا الزئبق الأرجنتيني، يحيلنا كثير منها على أسطورية مواطنه دييغو مارادونا الذي يقف اليوم بقوة ما أنجز في ربوة عالية جدا، لا أتصور أبدًا أن بمقدور غيره أن يصل إليها، حتى لو كان هذا الغير هو ليونيل ميسي.. إستفزني حقيقة ما ذهب إليه يوهان كرويف وهو مصمم الكرة الحالمة التي تلعبها اليوم برشلونة في أعقاب التعادل الذي إنتهت به المواجهة الأولى من الأربع في صدامات الكلاسيكو، قال أن مورينيو حول لاعبي ريال مدريد إلى فئران مرعوبة تختبئ في جحورها كلما زأر لاعبو برشلونة، ولأن كرويف الرومانسي غالبا ما صدمه مدربون براغماتيون إلى الدرجة التي عجلوا معها باعتزاله التدريب، لا يعترف بشيء آخر غير الكرة التي تلعبها برشلونة، وهو حر فيما يعشق وفيما يحب، فإنه لم يمسك بالخيوط الرفيعة التي كان مورينيو يمسك بها.. فعندما يكون أي فريق في مواجهة برشلونة وفي مواجهة لاعب من كوكب آخر هو ليونيل ميسي، وعندما يكون ثالث هذه الأمور أن يكون الفريق الذي يدافع عن الكرة الجميلة والرومانسية مدججا بحماية غير مرئية، فإن مدربه عليه أن يختار أحد الأمرين، إما أن يفتح اللعب وليس له بالتأكيد ذات الأسلحة وينتصر للإستعراضية ولروح الأداء الجميل وينهزم بحصة ثقيلة وينسحب من اللعب، مهنئًا من الفريق الخصم على أريحيته وفي رصيده صفر نقطة، وإما أن يلعب على مقدرات وإمكانات منافسه فينصب أمامه المتاريس والجدارات وحتى الألغام لنزع فتيل الإعجاز منه.. تعلم مورينيو الشيء الكثير من ذهاب الكلاسيكو بالليغا عندما خسر بالنيوكامب ببرشلونة بخماسية مهينة، أسمعه بعدها البرشلونيون وكل من لا تعجبهم شخصية الرجل الكثير من عبارات التحقير والإستهجان، على خلفية أن مورينيو كان هو من قطع الطريق على برشلونة نحو لقب عصبة الأبطال العام الماضي.. تعلم مورينيو من تلك الصفعة القوية، ما جعله يصل إلى حقيقتين، الأولى هي أن برشلونة قوي بوسط ميدانه والثانية هي أنه هلامي بوجود لاعب مثل ميسي.. حقيقتان منهما تفرع النهج الذي قرره مورينيو ولم يرض عنه الكثيرون، أن يلعب بجدارين دفاعيين، بمحور دفاعي ثابت لا يتحرك ظهيراه إلا للضرورات القصوى ووسط ميدان مشكل من ثلاثة عناصر، ثمانون بالمائة من مهامه تعطيل حركية وسط برشلونة.. وكان مثيرا للإستغراب وللإعجاب أيضا، أن يترك مورينيو للاعبي برشلونة ثلثي الملعب والكرة، يفعلون فيه وبها ما يشاؤون، يمررون، يتناوبون، إلا شيء واحد، الإختراق والوصول إلى منطقة الحسم.. وكنت وأنا أرى هذا المجسم التكتيكي في إياب الكلاسيكو بالليغا أقول على أنه توطئة فعلية لما هو آت في نهائي كأس الملك وفي نصف نهائي عصبة أبطال أوروبا، فما كان يجبر مورينيو على إختيار هذا النهج بالذات في مباراة عن بطولة حسم برشلونة أمر لقبها عندما ابتعد بثمانية نقط كاملة، إلا إذا كان يدعو غوراديولا وهو مدرب بعود طري إلى مبارزة شطرنجية تحدد باع كل واحد في لعبة المتغيرات التكتيكية.. في تلك المباراة وحتى عندما شل ريال مدريد بطرد مدافعه ألبيول وبتقدم برشلونة بهدف من جزاء نفذه ميسي، لم تتبدل الصورة كثيرا، وكان مثيرا أن يتوصل الريال منقوصا من لاعب إلى إدراك التعادل، وبالطبع ذاك هو ما قال بأن مورينيو له القدرة فعلا على أن يبطل مفعول السحر الجماعي لبرشلونة والسحر الفردي المثمثل في الأسطورة ميسي، فجاء نهائي كأس الملك في صورة ملحمة كروية جميلة، إذ وصلت المبارزة الكروية الذروة، وانتصر مورينيو لفكره ولقناعاته وأيضا لدهائه في تنويع الطرائق والأساليب وهو يواجه فريقا مركبا ومصمما ومحكوما بوثاق تكتيكي جميل عمره ست أو سبع سنوات.. ولأن مورينيو ثابت على مبدئه، مؤمن بقناعاته، متوازن في تفكيره، فإنه لم يغير لا من أسلوبه ولا من إختياراته وهو يواجه برشلونة في الفصل الثالث برسم ذهاب عصبة أبطال أوروبا، فقد ثبت الصورة والظل وجاء بما يقول أنه يعترف لبرشلونة بجماعيتها وبنزفها، وبما يقوله أنه سيكون مجنونا لو لاعب برشلونة على هواه بما يحفظ للكرة الجميلة سحرها.. وكانت النتيجة في نظر الكثيرين أن مورينيو تلقى صفعة على خذه الثاني وسقطت نقطة سوداء أخرى على سجله الفني ولربما كان هذا تأديب جديد لسوء سلوك تكتيكي، ولكن ألا يمكن أن نلتمس لمورينيو العذر في هذا الذي حدث له، ألم يكن الرجل بصدد إنجاح مخططه قبل أن يأتي الحكم الألماني فيطرد له بيبي بطريقة قاسية، بل وغير مستصاغة وهو الرقم الصعب في معادلة التصدي لبرشلونة؟ ألم يولد ميسي من جديد مع خروج بيبي؟ كان من الصعب على مورينيو أن يبقى البناء قويا وصلدا وهو يحرم من لاعب محوري، وقد تحايل قدر ما يستطيع لتغطية الفراغ الكبير الذي تركه مدافع بثقل ومرجعية كارفايو، لذلك فإن هزيمة ريال مدريد بمعقله أمام البارصا بقدر ما هي نتاج لتفوق مرحلي لفريق أسس بنيانه الفني على أساسات نعرفها وهي توجد في لاعبين مهاريين بعينهم، أبرزهم ميسي، بقدر ما أنها لا تعطي لأي الحق لأن يتطاول على جوزي مورينيو الذي أعتبره وقد أكون في ذلك مختلفا عن الكثيرين مدربا ثوريا، وضع له فلسفة وأسلوب عمل، يهندس الأندية على مقاسه، أكثر ما تهندسه هي على هواها.. وحتما سيكون ريال مدريد فريقا آخر، فيما لو بقي على رأس إدارته التقنية جوزي مورينيو لموسم آخر.. ---------------------- لا يهم إن كان لوران بلان المدرب والناخب الوطني الفرنسي الحالي قد قال هذا الذي راج على لسانه وتحفظ بخصوصه من أنه وجه الإدارة التقنية الفرنسية إلى فرض كوطا على نسبة اللاعبين ذوي الأصول العربية والإفريقية في مراكز تكوين الأندية الفرنسية لمواجهة ما بات يصطلح عليه بأزمة الهجرة المعاكسة، عندما ينحاز لاعبون يكونون داخل مراكز وأكاديميات فرنسية للعب مع منتخبات دولهم الأصلية، ولكن ما ينبغي الوقوف عنده، أن هذا الذي ورد محورًا على لسان لوران بلان ليس جديدا لا على صناع القرار داخل الإدارة التقنية لمنتخب ونوادي فرنسا ولا على مسؤولي كرة القدم في دول غيرها كبلجيكا وهولندا، ولا تستطيع كل أصوات الشجب والتنديد التي إرتفعت هنا وهناك وقالت أنه يمت بصلات كثيرة للعنصرية أن تلغيه.. لاعبون مغاربة من أجيال مختلفة وفي سياقات زمنية كثيرة مورس عليهم ضغط رهيب لصرفهم عن نداء القلب الذي يدعو للعب مع منتخب البلد الأم.. ضغط في صورة تخويف وترهيب أحيانا بحرمان من الحقوق ونسف للمستقبل الرياضي، وفي صورة إغراءات تتخذ أشكالا كثيرة.. للأسف أننا كمغاربة جامعة، ولجنة أولمبية ووزارة وصية وإعلاما كنا نتعاطى مع الموضوع بقليل من الإحترافية، فلا نجد بدا من مهاجمة هؤلاء اللاعبين بعد أن يختاروا اللعب لمنتخبات أخرى غير منتخب الوطن الأم، نضربهم في وطنيتهم ونسقط عنهم الإنتماء، بل ونشهر بهم، نحن من بخلنا عليهم بأقل حماية ممكنة.. وعندما تأتي ردة الفعل عاصفة وصاعقة لاستنكار هذا الذي قاله لوران بلان أو حور في كلامه لتسقط فكرة فرض كوطا على نسبة اللاعبين العرب والأفارقة من الحاملين للجنسية الفرنسية داخل مراكز التكوين، فإن ذلك لا يلغي وجود نوايا للتهميش والتضييق على الإبداعات المغربية بفرنسا أو بدول المهجر، وهي وضعية تحتاج إلى نقاش وتداول داخل الأجهزة الوصية والعاملة في قطاع الرياضة وطنيا..