زمن كل شيء فيه ذكي، المدن والأنظمة والممشى الطويل نحو المعجزات الإلكترونية المبتكرة وحتى المستنسخة، حتى أصبح إختبار العالمية وجدارة الإنتساب لصف المتفوقين قائما بالأساس على الدرجة التي بلغها ذكاء المجتمعات في أن يثمثل العقل فعليا ما يفكر فيه عندما يسرح إلى ما نسميه فضاء الخيال العلمي. وأكثر ما علم الإنسان هذه العادة في أن يختبر قيمة ذكائه هي الرياضة، فهي المجال الذي به تطورت التكنولوجيا لتصل إلى هذا الكم العجيب من الإختراعات والإبتكارات، فالإنجاز الرياضي الذي يستحق أن ينال شهادة براءة الإعجاز قبل الإختراع هو ما فاق التكنولوجيا وما تفوق على الخيال العلمي، وهو ما أدخل على الفور العلماء إلى مختبراتهم ليحللوا هذا الشيء الهلامي الذي أتى به رياضي من لحم ودم، لذلك فالمجتمعات الراقية التي سادت وما زالت ولا ترى نفسها في صف آخر غير صف الريادة، باتت هي الأخرى تعتمد الرياضة الذكية التي تجيد مثل الحواسيب والنظم السفر إلى المستقبل البعيد لتجعله منتهى الحاضر، السفر إلى ما هو أعمق وأرقى وأجمل في قدرات الإنسان فرديا وجماعيا لاستلهام ما يساعد على صناعة الملاحم الرياضية المتخيلة. وإذا كنا نفرق ذات زمن بين رياضة راقية بأنظمتها وإمكاناتها وقدرتها على التفوق باستمرار على نفسها وأخرى متثائبة، مغلولة اليدين ومفتقرة إلى ما يحررها من النمطية، فإننا اليوم سنفرق بين الرياضات بحسب الإنتماء للجيل الذكي وبحسب الإذعان لسلطة العلم من أجل تطويع الخيال، وسننتهي إلى التفريق بين رياضة ذكية ورياضة غير ذكية، تفريق لا يقوم على الإمكانات المادية واللوجستيكية فحسب ولكنه يقوم بالأساس على درجة توظيف العلم من أجل صنع المعجزات، التوظيف الذي يجعل العلم أساس التخطيط وأساس وضع السياسات وأساس إبتكار الطرق التي بها تستطيع الرياضة أن تتفوق بمحيطها وبيئتها وجغرافيتها على الآخرين. ما نسبة الذكاء في تدبيرنا للمشهد الرياضي الوطني؟ أو بالأحرى ما هي المسافة التي تفصلنا اليوم رياضيا عن الدول المتصدرة والمتقدمة والتي تعض بالنواجد على زعاماتها؟ ليس تشاؤما ولا إمعانا في السوداوية أن أقول بأن هذا الفارق هو بطول الجبال وبعمق يستحيل معه عقد المقارنات، فما نعانيه اليوم بلادة ما بعدها بلادة في القفز حتى على حواجز القانون، فهل توصف ب «الذكاء» رياضة تزل قدمها بسبب بنود قانون؟ ......................................................................... حالة من التوتر القريب إلى الإحتقان تطبع اليوم العلاقة بين الجهاز الوصي على الشأن الرياضي بمختلف مسمياته في كثير من البلدان العربية وبين الهيئات الرياضية من جامعات وأندية، الباعث عليها ما شهدته الدساتير في كثير من هذه الدول من تغيير بعضه كان راديكاليا بدافع الحاجة إلى التطابق مع روح العصر، تغيير طال شكل وجوهر الوصاية الحكومية على القطاع الرياضي وراهن على تغيير قواعد اللعب بالإستناد على المقوم الأساسي الذي يقول بإقران المسؤولية بالمحاسبة. وزراء الرياضة العرب، بخاصة أولئك الذين جاءت بهم رياح الربيع العربي يشددون اليوم على أن الرياضة بحاجة إلى تحيين عميق للترسانة القانونية وبحاجة أكبر إلى ما يدخلها فعليا الزمن الحديث بأن يجعل منها رياضة مهيكلة وجالبة للمنفعة ومساهمة في التنمية المجتمعية المستدامة، رياضة تقطع مع الريع وتذهب رأسا إلى الإستثمار بشكل معقلن يدمج بين الهواية والإحتراف، يدعم رياضة المستوى العالي ولا يعدم رياضة الهواية التي هي قاعدة الهرم. وبين من ينادي بدمقرطة المؤسسات والهيئات الرياضية وإنهاء زمن التسيب والتوريث في قيادة الإتحادات والنوادي على حد سواء من دون مرجعية ديموقراطية وبين من يقفل جيوبه ويسيج محميته ويطلب في ذلك حماية من الإتحادات الدولية مشتكيا من التعدي على إستقلالية الجهاز، تقف الرياضة متصلبة ومرتجفة لا تقدر على تبين الطريق الموصل إلى النجاح في زمن بات فيه هذا النجاح الرياضي بحاجة إلى درجات متقدمة من التدبير الإحترافي. إلى وقت قريب كانت الرياضة في دول عربية بعينها صورة لتناقض غريب وسافر، رياضة ترصد لقمتها ولنخبها إمكانيات مادية ولوجستيكية كبيرة لاصطياد نجاحات وقتية تؤدي غايات مبرمج لها بدقة متناهية ورياضة تعيش قاعدتها حالة من الضياع والبؤس والهدر، لا بنيات تحتية لها ولا رصيد مالي يغنيها عن الإستجداء والتسول، لنقف في النهاية على مشهد رياضي معتل الأول والآخر، النجاحات فيه تكون ظرفية وتلعب للأسف دور الشجرة التي تخفي غابة من المشاكل والأزمات، ومتى شاخت الشجرة وسقطت وجفت فيها الثمار متى انهار المشهد الرياضي كاملا ودخل حالة من الغيبوبة ومن اليأس أيضا. وبالطبع عندما ينزع وزراء الرياضة إلى رفع هذا التناقض وتحرير المشهد الرياضي من حالة الأسر ومن عدم سيادة القانون ومن عدم احترام أصول الوصاية وقواعد الإستقلالية القائمة على المحاسبة فإنهم يحتاجون إلى كثير من الحذاقة والجرأة والليونة أيضا في إعادة بناء المشهد الرياضي العربي على أسس الديموقراطية والحكامة الجيدة ومنح المسؤولية المقترنة بالمحاسبة.