يقينا أننا بلا استثناء، رضينا بالتعادل الإيجابي لفريقنا الوطني هناك بكينشاسا بملعب الشهداء أمام فهود الكونغو في ذهاب الدور الإقصائي الحاسم الذي يستشرف المونديال، وكيف لا يرضينا هذا التعادل وقد اقتلعناه من جحيم، ناره نحن من أشعلناها، قبل أن يشعلها المنافس وقبل أن يؤججها كل ما أحاط بالمباراة؟ كيف لا يرضينا هذا التعادل، ولو أن أفضل منه كان هو الفوز هناك بملعب الشهداء، وما بقي من طريق موصل لمونديال قطر 2022، مباراة من 90 دقيقة سيلعبها الفريق الوطني هنا بالدار البيضاء في مركب النار، في ملعب لا يبقي ولا يدر؟ نرضى إذا بالتعادل، ولكننا لا نرضى بالأداء، ومتى رضينا في واقع الأمر بأداء المنتخب الوطني منذ أن بات له وحيد خليلودزيتش مدربا وناخبا؟ جئنا لمباراة كينشاسا، وليس بيننا من يتمنى أن يكرر الأسود المشي على طريق الجمر، كما فعلوا أمام منتخب مصر قي ربع نهائي كأس إفريقيا للأمم بالكامرون، فلا قدرة أصبحت لنا لتحمل هلوسات السيد وحيد، إلا أن المؤشرات على أن خليلودزيتش لا يتغير، لا فهما ولا تدبيرا، ستظهر من خلال الخيار التكتيكي الذي استقر عليه لمواجهة الفهود على ملعبها، اللعب بشاكلة 352 والتي إن كان قد جربها مرة في محك ودي، فإنه لا يدمنها. فكر وحيد في طريقة تجعله يوقف المروحيات الكونغولية، فكوبر مدرب داهية، ويدرك أن ملعبا بأرضية مكسوة بعشب هجين، لا يتيح فرصة اللعب بنقلات كثيرة، ويضع كأفضل خيار إرسال الكرات في العمق، لذلك لابد من مواجهته بمنظومة دفاعية ثقيلة، تغلق الأجواء من عمقها ومن أطرافها. وحتى لا يقال أن المنظومة هي اختيار إرادي من وحيد للعب بكثافة دفاعية، فإنه سيوجه رجلي الأطراف أشرف حكيمي وأدم ماسينا، إلى اللعب بنوايا هجومية أكبر، والحال أن حكيمي لو حقق له المراد للملكات التقنية التي يملكها، فإن ماسينا أبعد ما يكون عن أن يسهم كثيرا في التنشيط الهجومي. طبعا كان من فرضيات هذا النهج التضحية بسفيان بوفال، فلا أرضية الملعب التي يصعب ترويضها، تسمح للاعب بمثل خاماته التقنية أن يكون في قمة لمعانه، ولا حتى الشاكلة تتيح له اللعب على الأطراف الممنوحة لجناحي الدفاع. والحقيقة أن الفريق الوطني سيكرر للأسف ذات الرعونة التي صدمنا بها في مباريات سابقا، عندما لا يحسن القبض بالكامل على ناصية المباراة، بدليل أنه تحكم في ميزان الأداء ونسب الإستحواذ في العشر دقائق الأولى، إلا أن الهدف الكونغولي الذي سجل من أول بناء هجومي للفهود، سيبعثر الأوراق وسيغمم السماء بسحب داكنة، فلا السحب أخرجت ودقا ولا هبت منها رياح طيبة، على العكس من ذلك سيطلع لنا مجددا نفس العفريت، أداء سيء ومخيف ومنظومة لا نجني منها إلا الأوجاع.. وسيكون لزاما وقد أهدرنا فرصة التعادل بضياع ضربة جزاء بواسطة ريان مايي، أن يحدث وحيد تغييرا على جبهة الهجوم (النصيري الفاقد للبوصلة ومايي المتأثر بضياع الجزاء)، وحتى على وسط الميدان الذي كان فيه عمران لوزا شاحبا بل وفاقدا لكل إشعاع، تغيير أحدثه وحيد في آخر 20 دقيقة، لترسل سماء الكونغو الشهاب الأطلسي المنتظر، جملة مبنية وحيدة زمانها، تنتهي بهدف ولا أجمل لطارق تيسودالي، هدف هو الأول له مع الأسود وقد يكون قائدنا للمونديال، لأنه منح الأسود التعادل الإيجابي والذي سيكون محددا بنسبة عالية لطقس مباراة العودة بالدار البيضاء. بماذا يا ترى سيفيدنا الأداء الجميل، إذا لم يكن صانعا الفوز ولفرحة التأهل؟ هناك بيننا من سيرد بهذا السؤال على استنكارنا لركاكة المحتوى التقني، ولضحالة الأداء، ونحن أيضا سيهمنا يوم الثلاثاء أن نحقق الغاية أيا كانت الوسيلة، والغاية هي أن تؤهلنا مباراة الثلاثاء لكأس العالم بقطر، وبعدها سيكون لكل حادث حديث ولكل مقام مقال، بل وسيكون لنا كامل الوقت لنقرر بشأن معضلة الأداء المعاق والمبتور، وما إذا بقي في الصدور صبر على هلوسات خليلودزيتش!