تعددت مبررات وحيد خاليلودزيتش، بخصوص ما أحدثه من متغيرات خلال مباراة الجولة الأخيرة أمام غينيا، وقد كرست بالفعل التفوق الميداني والرقمي للفريق الوطني على مجموعة تسيدها بالكامل من دون إضاعة ولا نقطة، إلا أن المحصلة كانت هي هي، لم تتغير، وهي أن الفريق الوطني ما زال بعيدا عن تنزيل منظومة لعب تروق لنا ونراها عمادا لبناء تكتيكي قوي لا يتأثر بإعصارات المنافسين.. القصد أنه برغم الثلاثية البيضاء التي تفوق به الأسود على «السيلي» الغيني، لم يحصل بيننا الإجماع على أن ما شاهدناه، عرض كروي مقنع، والحال أن وحيد نفسه يتقاسم معنا هذا الهوس منذ مباراة السودان، بل إن ذاك الهاجس الذي استبد به خلال مباراة صقور الجديان، هو ما جعله أولا يعود في مباراة غينيا، للقاعدة التكتيكية التي برز بها في مباراة غينيا الأولى التي أعطت التفوق للفريق الوطني برباعية، أي اللعب بشاكلة 442 بالإعتماد على وسط ميدان «لوزانج» وبوضع كل من ريان مايي وأيوب الكعبي في خط الهجوم، وثانيا بمعاودة التجريب، لعل ذلك يمنحه بارقة أمل في بناء رصيد الطوارئ. طبعا كان لزاما مع إصرار وحيد على اللعب بكل من أمرابط وبرقوق كرجلي ارتكاز في دور إسترجاعي خالص، أن يستعيد إلياس شاعر ليضعه جنبا إلى جنب مع عمران لوزا، طبعا بعد أن أخفقت ثنائية بوفال والحدادي في إعطاء الزخم الفني المطلوب لشاكلة 4-3-3. إلا أن ما أضافه وحيد لكل هذا المشهد المتحول، تغييره لثلاثة مرتكزات دفاعية دفعة واحدة، بأن أجلس حكيمي، ماسينا وسايس ليستعيض عنهم بكل من العكوش، الكرواني ويميق، وقد كان مفيدا للغاية تجريب هؤلاء الثلاثة كل في رواقه، أمام منتخب غيني ليس بالضعف الذي يتصوره الكثيرون، تحسبا لكل طارئ، لذلك كنا أمام ردة تكتيكية، وكنا أمام جبهات تمتحن نفسها في محك يفتقد كثيرا لعناصر الضغط، بحكم أن المباراة لم تكن لتغير نتيجتها الوضع المحسوم في التراتبية. ولئن سلمنا بأن الفريق الوطني حقق الفوز بثلاثية نظيفة، مكررا تفوقه الميداني على منتخب غينيا، كما فعل سابقا مع السودان وغينيا بيساو، وتسيد بالعلامة الكاملة مجموعته، إلا أن ما تداعى في مشهد المباراة من حقائق يستوجب ألا نرمي بها عرض الحائط، لأن تجاهلها سيكون بلا شك وبالا علينا. ظهر واضحا أن القياس صعب للغاية لوجود فوارق كبيرة بين حكيمي والعكوش على مستوى الرواق الدفاعي الأيمن من جهة، وبين ماسينا والكرواني على مستوى الرواق الدفاعي الايسر، ومن دون تبخيس القدرات ولا المهارات، فإن البدائل المختبرة أمام غينيا أبرزت كثيرا محدوديتها، بل إن العكوش والكرواني مع فوارق بسيطة في الشخصية، يحتاجان إلى عمل كبير ليصلا معا إلى المستوى التنافسي الذي تفرضه مباريات المستوى العالي، وتفرضه تحديدا المباريات الإفريقية بمبارزاتها البدنية. أما ما كان عن جواد يميق، فلا أعتقد أنه كان يحتاج لتقييم، لأنه خبر كثيرا المباريات الإفريقية، ولأنه مدرك لما تحتاجه النزالات والإلتحامات من قوة بدنية، وأظنه وفق كثيرا في ربط ثنائية العمق الدفاعي مع زميله نايف أكرد الذي غدا مع توالي المباريات القيمة الدفاعية المطلقة داخل الفريق الوطني. ولو أن العودة لوسط ميدان بأربعة أضلاع، مع اختلاف التموضع الهندسي، أنتج بخاصة في الشوط الأول، زخما هجوميا جعل الفريق الوطني يتقدم بهدفي الرائع ريان مايي، إلا أن ذلك لم يحل المشكل، بل إنه زادني وإياكم بلا ريب يقينا، من أن منظومة اللعب التي يقترحها وحيد لن تخرج من الخيمة سالمة بلا أعطاب، ما لم يتم علاج ما يوجد من اختلالات على مستوى وسط الإرتكاز ووسط البناء، بل إنني على نفس الدرجة من اليقين أن هذا الوسط فيما لو أوجد له رجاله الحقيقيون، سيكون الفريق الوطني بالمطلق وبكل تجرد هو أقوى منتخبات القارة اليوم. طبعا لا أحد ينكر المجهود الخارق الذي يبذله سفيان أمرابط في دوره الإسترجاعي برغم ما يعانيه في ناديه فيورنتينا من ضعف في التنافسية، لكن مقابل هذا السخاء الكبير للغلادياتور الجديد، هناك حالة من التوجس في مؤدى أيمن برقوق الموضوع أمام ازدواجية الأدوار ما بين الإسترجاع والبناء، بل وهناك صعوبة في تبين ما نعتبره تطابقا بين كل من عمران لوزا وإلياس شاعر مع الوظائف التكتيكية الموكولة إليهما معا، بل إنني شخصيا أقول، أليس بمقدور وحيد أن يجد توليفة غير هاته، تستطيع رغم ما تعانيه في الواجبات الدفاعية أن تقدم التوازن المطلوب لوسط الميدان. طبعا فاز الفريق الوطني، وحقق ما يظهر اليوم على أنه إنجاز تاريخي، ولكن إن نحن سلمنا بأن الدفاع سيتقوى أكثر مع عودة الثوابت، سيظل وسط الميدان هو الورش التكتيكي الضخم الذي تصدر وثيرة العمل فيه قلقا كبيرا، نتمنى أن يزول عندما يتوجه الأسود ل»كان» الكاميرون.